قضايا

محمد حبش: سكوباس SCOPUS .. أين العرب في منصة الرصد العالمي للبحث المعرفي؟

ربما بدا هذا الاسم غريباً على كثير منا، ولكن يجب أن تعلم ان الجامعات المحترمة في العالم باتت لا تقبل اليوم بحثاً في الترقية أو التأهيل إلا إذا كان منشوراً في مجلة معتمدة على منصة سكوباس.

وسكوباس هو قاعدة بيانات عالمية انطلقت من هولندا 2004 بهدف التدقيق في القيمة العلمية لما ينشر من بحوث في العالم.

وفي مواجهة مسخرة الألقاب الأكاديمية، والدعاوى الزائفة خاصة في عصر القص واللصق والذكاء الصناعي كل باحث يزعم أنه يكتب، وكل دار نشر تدعي أنها تنشر، وكل جامعة تدعي أنها تخترع، ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم الرسالة والنبوة والملك. ومع تسارع التكنولوجيا ووسائل التواصل منحت المنصات العملاقة منصات متساوية للفلاسفة وللحمقى، وبات الفيلسوف والأمي وقارئة الفنجان يملكان الحق نفسه في النقد والتحليل والاستشراف وبناء خطط المستقبل، وليس سراً أن الفيلسوف أتعس الثلاثة فلن يستطيع أن يزاحم مواهبهم الاستثنائية في الوصل إلى الجمهور وبات في أحيان كثيرة ستجديهم للوصول إلى قرائه.

وهكذا بات على العلم الموضوعي أن يحمي نفسه، وأن تتوفر في العالم الأكاديمي جهة مرجعية تقول هذا علم وهذا جهل، وهذا معرفة وهذا عصفورية، وتنصف البحث العلمي من زيف القص واللصق، والقطش واللحش، وقد نجحت سكوباس بالفعل في أخذ المبادرة، عبر تحالف دولي مع تسع مؤسسات كبرى في العالم بحيث تم وضع معايير علمية صارمة في البحث والمصادر والحوكمة حتى يقال بعد ذلك للبحث العلمي إنه بحث محكم.

رصدت سكوباس آلاف الأكاديميين المتخصصين للقيام بمراقبة دقيقة لأداء كل مجلة محكمة في العالم، ووضعت معايير صارمة لقبول المجلة منها جدية البحث العلمي، والزمن الحتمي للبحث والتحكيم، وقوة المصادر وحجم الاقتباس وآلية التحكيم والاستمرارية وغير ذلك، وعبر جهود دقيقة ومتواصلة نجحت سكوباس في توفير هذه المنصة المحكمة، وبالفعل بات في قوائمها اليوم 29200 مجلة محكمة بأكثر من ثلاثين لغة حول العالم، تصدر من 105 دول حول العالم، وتشارك في نشرها 7000 دار نشر جامعية أو مستقلة، ورصدت بحوث 140 ألف مؤتمر علمي حول العالم، كمجلات رصينة تحترم قواعد البحث العلمي، وتم اعتماد 27 ألف سلسلة كتب تضم أكثر من 261 ألف كتاباً ويتم رصدها وتصنيفها بأكثر من خمسين إحداثية متقابلة للوصول إلى أهم المجلات وأكبرها وأصغرها، وأقدمها وأحدثها، وأكثرها تخصصاً ومباشرة، وأكثرها اقتباساً وتناولاً، وأكثرها حضوراً في البحوث العلمية الجدية.

وآمنت سكوباس بجدل الحياة المستمر، فلا حكم يصلح للأبد، فالحياة ليست حقيقة قارّة، بل هي جدل مستمر، وعروسة الأفكار اليوم قد تكون أرملة الزمن القادم، وكذلك عروسة المجلات، فبات البحث المستمر في أداء المجلات العلمية مرصوداً على كاميرات ساهرة لا يكاد يغيب عنها شيء، وباتت تصدر باستمرار قوائم المجلات المرضى المرشحة للموت، وتعقبها بالطبع قوائم المجلات الراحلة، وتستقبل في الوقت نفسه قوائم المجلات الجديدة الوافدة التي نجحت في إقناع سكوباس بجديتها وحضورها.

وباتت المنصة تتعرض للمراجعة شهرياً حيث يتوفي كل شهر نحو عشر مجلات ويدخل عدد أكبر من ذلك، كما هو شأن الحياة، فمن استهتر بقيم البحث العلمي ومعاييره فإنه يحكم بنزوله إلى المجلات العابثة، وهكذا باتت الجامعات في العالم كلها تناضل من أجل البقاء على قوائم سكوباس.

بالطبع لا يمكن لتقرير كهذا أن يشرح كل المعايير التي تقيس بها سكوباس البحث العلمي، ولكنني معني هنا بالسؤال عن واقع البحث العلمي العربي، وحضور الجامعات العربية في منصة التنافس العلمي الدولي وقدرتنا كحضارة عربية وإسلامية على التأثير.

ولكن كم هو عدد المجلات العربية في سكوباس؟ وكم هو حجمنا في التأثير على السباق المعرفي في العالم؟

من المؤلم أن نقول إنها خمسة فقط توفي منها اثنتان العام الماضي، وهناك 12 مجلة أخرى في البلاد العربية تنشر بشكل ثنائي بالعربية ولغة أخرى، وهي تتوزع بين جامعات عراقية وسعودية وأردنية ومصرية وجامعة تونسية! وهي في الغالب تنشر في سياق ثنائي اللغات.

الناطقون بالعربية 445 مليون إنسان، وهو رقم يعادل تقريباً 16% من سكان الكوكب، ولكن المجلات العلمية التي تنشر بلغة العرب تعادل فقط 0.04% من المجلات العلمية التي ينشرها أبناء هذا الكوكب!!.

إنه رقم مفجع لأولئك الذين يعلمون قيمة البحث العلمي، والأشد إيلاماً ليس غياب المعرفة العلمية بل هو حضور مؤسسات التجهيل التي باتت توفر في حرم المدارس كل شيء إلا البحث العلمي، والتي تتوج بغرور نرجسي يزدري المعايير العالمية للمعرفة ويقدس الجهل الوطني!!

بالطبع الطريقة الأريح للتعامل مع هذا الانهيار العلمي هي أن نقول كالعادة: مؤامرة علينا وعلى بلادنا، والأرقام كلها زائفة، ونحن مصدر العلم والمعرفة والحضارة للعالم ولكنهم سرقوا ذلك منا!!!!...

ما زال أمامنا مشوار طويل للحاق بالقطار الحضاري الذي ينطلق بجنون من دون توقف

***

الدكتور محمد حبش: مفكر وأكاديمي سوري عضو برلماني سابق، صاحب مشروع فكري نقدي حول التسامح الإسلامي - صدر له نحو ستين كتاباً مطبوعا يكرس فيها ومن خلالها رسالته في إخاء الأديان وكرامة الانسان .

في المثقف اليوم