قضايا

محمد عبد الكريم: الأنظمة الشمولية في العصر الرقمي

وفي العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أصبحت مخاطر الشمولية أكثر انتشارا من أي وقت مضى. الشمولية هي نظام سياسي لا تعترف فيه الدولة بأي حدود لسلطتها وتسعى إلى تنظيم كل جانب من جوانب الحياة العامة والخاصة. مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح لدى الحكومات والشركات إمكانية وصول غير مسبوقة إلى المعلومات الشخصية للأشخاص، مما يسمح لهم بمراقبة الأفراد والسيطرة عليهم على مستوى لم يسبق له مثيل من قبل. في هذا المقال، سوف نستكشف السياق التاريخي للشمولية، وتأثيرها في العصر الرقمي، والشخصيات الرئيسية في هذا المجال، والتطورات المستقبلية المحتملة.

تتمتع الشمولية بتاريخ طويل، مع أمثلة مثل ألمانيا النازية، وروسيا الستالينية، وكوريا الشمالية الحديثة. سعت هذه الأنظمة إلى الحفاظ على السلطة من خلال المراقبة والرقابة والتلاعب بالمعلومات. مع ظهور الإنترنت، أصبح لدى الحكومات والشركات أدوات جديدة تحت تصرفها لمراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم. على سبيل المثال، يستخدم نظام الائتمان الاجتماعي في الصين البيانات من كاميرات المراقبة، والنشاط عبر الإنترنت، والمعاملات المالية لتحديد تصنيف لكل فرد، وهو ما يحدد مدى وصوله إلى الخدمات والفرص. يعاقب هذا النظام المعارضة بشكل فعال ويكافئ الولاء للدولة، مما يخلق ثقافة الخوف والرقابة الذاتية.

إن تأثير الشمولية في العصر الرقمي يتجاوز سيطرة الحكومة. قامت شركات مثل فيسبوك، وجوجل، وأمازون بجمع كميات هائلة من البيانات عن مستخدميها، والتي تستخدمها للإعلانات المستهدفة والتلاعب. تتمتع هذه الشركات بالقدرة على التأثير على الرأي العام، وتشكيل النتائج السياسية، وحتى التأثير على الانتخابات. إن الفضيحة الأخيرة التي تورطت فيها شركة كامبريدج أناليتيكا، والتي استخدمت بيانات فيسبوك لاستهداف الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، تسلط الضوء على مخاطر قوة الشركات غير الخاضعة للرقابة في العصر الرقمي.

ومن الشخصيات الرئيسية في مجال مخاطر الشمولية في العصر الرقمي المبلغين عن المخالفات مثل إدوارد سنودن وتشيلسي مانينغ، الذين كشفوا عن برامج المراقبة الحكومية وانتهاكات حقوق الإنسان. لقد خاطر هؤلاء الأفراد بحريتهم وسلامتهم لتسليط الضوء على مدى سيطرة الدولة في العصر الرقمي. أثارت أفعالهم جدلا وأدت إلى إصلاحات في بعض البلدان، لكنهم واجهوا أيضا ردود فعل عنيفة واضطهادا من السلطات.

بالإضافة إلى المبلغين عن المخالفات، لعب النشطاء والصحفيون والأكاديميون أيضا دورا حاسما في رفع مستوى الوعي حول مخاطر الشمولية في العصر الرقمي. تعمل منظمات مثل مؤسسة الحدود الإلكترونية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود على حماية حقوق الخصوصية وحرية التعبير وحقوق الإنسان على الإنترنت. تدافع هذه المجموعات عن حقوق مستخدمي الإنترنت، وتتحدى الرقابة والمراقبة، وتعزز الشفافية والمساءلة في ممارسات الحكومة والشركات.

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن مخاطر الشمولية في العصر الرقمي لا تزال تتطور. يشكل التقدم في التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، والتعرف على الوجه، وجمع البيانات البيومترية تهديدات جديدة للخصوصية والحرية. وتستخدم الحكومات والشركات هذه الأدوات بشكل متزايد لمراقبة الأفراد والسيطرة عليهم، مما يؤدي إلى مستقبل يتم فيه إسكات المعارضة وتآكل الاستقلالية. ومن الضروري أن يظل المجتمع يقظا ومقاوما لهذه التعديات على الحريات المدنية.

في الختام، فإن مخاطر الشمولية في العصر الرقمي حقيقية ومنتشرة. من المراقبة الحكومية إلى سيطرة الشركات، يواجه الأفراد تهديدات غير مسبوقة لخصوصيتهم وحريتهم واستقلاليتهم. تعمل الشخصيات الرئيسية مثل المبلغين عن المخالفات والناشطين والمنظمات بلا كلل لحماية الحقوق على الإنترنت، لكن المعركة لم تنته بعد. إن الوعي والنشاط والدعوة ضرورية لحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في العصر الرقمي. ومع استمرار التقدم التكنولوجي، يجب على المجتمع أن يظل يقظا واستباقيا في الدفاع ضد الشمولية بجميع أشكالها. يعتمد مستقبل الحرية والديمقراطية على جهودنا الجماعية لمقاومة الاستبداد ودعم القيم الديمقراطية في العصر الرقمي.

***

محمد عبد الكريم يوسف

في المثقف اليوم