قضايا

محمود محمد علي: هل الجنة ليست حكرًا للمسلمين؟

في الأيام الماضية قامت الدنيا ولم تعقد ضد الدكتور علي جمعة " – مفتي الديار المصرية السابق، في برنامج له على قناة cbc  المصرية، بعنوان " نور الدين"، وهو يقدمه إجابة على سؤال لطفلة تسأل :" ليه المسلمين بس إلا يدخلوا الجنة ؟، فأجاب الرجل قائلا:" دي معلومة مغلوطة"،  ثم استدل من الآية (62) من سورة البقرة والتي تقول :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وعقب ذكره للآية وجدنا الدكتور جمعة،لم يفصل ولم يسهب ولم يتكلم بعد ذلك؛ ثم فاجئنا بعد أيام يطرح سؤال أخذ يلقى نقاشا وجدلا على مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، وهو " هل لله عز وجل أن يأتي يوم القيامة ويلغي النار"، فأجاب الدكتور جمعة : "نعم، ويكون هناك جنة فقط!".

وهنا أخذ يتساءل ناقضيه وناقديه على مواقع التواصل الاجتماعي هم يصرخون : هل هذا الكلام يصح أم أنه كان واجبا على الدكتور علي جمعة أن يضبطه بتوضيحات وأمور ؟، وهل لجأ فضيلة المفتي إلى نصوص محكمة ومتشابهة؟، وهل له فتوى سابقة  علي ما ذكره و على ما قاله؟

لم يكتف هؤلاء بذلك، بل رأوا أن هذا الموضوع الذي طرحه  الدكتور جمعة لا يدركه العامة، ومن ثم فالمشكلة تتمثل في طرح الدكتور جمعة للموضوع من أساسه، خاصة وأن علماء الكلام في نظرهم ناقشوا قضية : هل يجب على الله إثابة المحسن ومعاقبة المسيء ؟، فقالوا : لا، لأن الله أوجب على نفسه ذلك، فحرم وجعله على نفسه محرما وعلى البشرية، فالله عز وجل ليس ظالما ولا يرضي بالظلم ولا يرضى لعباده الكفر، ومن ثم، فإن قضية أن يطرح الدكتور جمعة على نفسه سؤالا كهذا على أطفال وشباب لم يستوعبوا المعنى الفلسفي المطلوب أو الذي يجب أن تتم مناقشته في المسألة، اللهم إلا من كونه من باب عنوان سُيٌأخذ ويًضاف لما سبق من قبل !

وهنا أتعجب من هؤلاء، وأتساءل : ألم تُطرح من ذي قبل عند علماء الكلام قضية فناء النار؟،  ألم يقل ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح)عندما ذكر الأقوال في فناء النار وعدمه، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال، والتي منها القول بفناء النار، ففي كتابيه (حادي الأرواح) (وشفاء العليل) مال ابن القيم إلى القول بفناء النار، وإن كان قد توقف عنها في كتابه (الصواعق المرسلة) .

وهنا صار هذا الموضوع محل نقاش من قبل فقهاء كثيرين حيث يتساءلون : هل سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد؟، وهل يعني أن النار ستفنى؟، وهل القول بفناء النار نوع من الفكر؟، وهل فعلا النار ستفنى؟

وهناك فريقان أجاب على الأسئلة، كلا بوجهة نظر مختلفة عن الأخرى، وذلك على النحو التالي:

الفريق الأول : ويؤكد فكرة خلود النار والجنة، ودللوا على ذلك بأن هناك هناك نصوص شرعية دلت صراحة على خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم، وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده؛ كقوله تعالى: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ [البقرة: 86] وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدًا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية.

وهذا الفرق قد شدد على هذه الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها؛ لأن هذا الحد البالغ من الكثرة ما يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها كما يرى أنصار هذا الفريق؛ كذلك شدد هذا الفريق على ما ورد في السنة ما يدل على خلود الكفار في النار وذلك من خلال ما ورد في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.

وأما الفريق الثاني وهو عكس ذلك تماما، فهو يرى أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار، وعدِّه من البدع، كما زعم، فالمسألة خلافية،  علاوة على أن الذين قالوا بفنائها، استدلوا بأدلة سمعية وعقلية، نذكر منها مثلا:

1- أن أهل النار يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون.

2- أن أهل النار يخرجون من النار بعد حين، ثم تبقى النار على حالها ليس فيها أحد.

3- أن النار تفنى بنفسها؛ لأنها حادثة، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه.

4- أن الفناء يكون لحركات أهل النار، لا للنار، فيصير أهل النار جماداً، لا يحسون بألم وهذا قول المعتزلة.

5- أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة ثم يبقيها ما يشاء ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، وهؤلاء يقولون بفناء النار فقط.

6-  أن الله - تعالى - يخرج منها من يشاء، كما ورد في السنة، ويبقي فيها الكفار، بقاءً أبدياً لا انقضاء له.

7- أن القائلين بفناء النار استدلوا بما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم : ليأتين على جهنم يوم كأنها زرع هاج، وآخر تخفق أبوابها"

هذا هو رأي الفريق الثاني، وفي اعتقادي أن القائلين بفناء النار، قد استدلوا بمنطق العقل على وجهة نظرهم، وهذا المنطق يؤكد على فرضية أن النار سجن لمعاقبة المذنبين على ذنوبهم، فمنهم من يمكث فيها يوما، ومنهم من يمكث فيها شهرا،ومنهم من يمكث فيها سنوات، ثم يدخل الجنة حتى لا يبقى فيها إلا المخلدون، والخلود يتوقف على إرادة الله وقدرته، فإذا ما صدر مرسوم بالعفو من الله بإعلاق النار ودخول جميع أصحاب والنحل  للجنة، فمن يستطيع أن يوقف هذا القرار، أليس في الدنيا تصدر أحكام بالسجن المؤبد مدى الحياة، ثم يأتي رئيس الجمهورية ويصدر قرار بالعفو، فلماذا نلزم على الله ألا يفعل ذلك، ألم يقال عن الله عز وجل بأن رحمته سبقت غضبه، فلماذا يستكثرون على الله ذلك... وللحديث بقية.

***

د. محمود محمد علي – كاتب مصري

في المثقف اليوم