قضايا

عصام البرام: القوة الناعمة في تنمية المجتمع والدولة

تعد القوة الناعمة والبناء الفكري للإنسان أدوات حيوية في مواجهة التحديات الراهنةوالتطورات الثقافية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن التأثير النفسي الذي يمكن أن يكون له أثراًعلى الفرد في عصر الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد، نلقي الضوء على أهمية هذه القوة والبناء الفكري ودورهما في تحسين جودة الحياة والتأثير الإيجابي على المجتمعات ومدى أهمية تفاعلهما في شخصية الفرد.

فعلى صعيد التأثير الثقافي والسياسي، تعتمد الدول والمؤسسات في العصر الحديث على القوة الناعمة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية وغيرها من الاهداف، حيث تشمل هذه القوة؛ الثقافة، والتعليم، والفن، والأدب، واللغة، والقيم، فهي تساعد في تعزيز فهم الثقافات المختلفة وتعزيز الحوار بين الشعوب وتقليل التوترات الدولية، كما لها من أبعاد في النجاح الشخصي والمهني، أو مفتاحًا لنجاح الشخصية والمهنية، فمهارات الاتصال الفعّال، والقيادة، والتعامل مع الضغوط، وحل المشكلات، تساعد الأفراد على تحقيق أهدافهم بكفاءة أكبر وتعزز من ثقتهم بأنفسهم. كذلك التغيير الاجتماعي والتنمية، إذ تلعب دورًا حيويًا في تحقيق التغيير الاجتماعي والتنمية، من خلال تعزيز الوعي وتعليم الناس حول قضايا مثل حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والمساواة، إذ يمكن أن تسهم القوة الناعمة في بناء مجتمعات أكثر تفتحًا وتطورًا.

إن تنمية القدرات العقلية تحتل موقعا بارزاً مع القوة الناعمة، حيث يعمل البناء الفكري على تنمية القدرات العقلية للفرد، مما يسهم في تحسين مهاراته في التحليل والتفكير النقدي، وبالتالي يمكنه التعامل مع التحديات الراهنة بكفاءة أكبر، فضلاً على إن يساعد البناء الفكري في تعزيز الإبداع والابتكار، إذ يمكن للأفراد الذين يمتلكون ثقافة فكرية واسعة توليد حلول جديدة للمشاكل وتطوير مجتمعاتهم بطرق مبتكرة.

 لقد ساهم البناء الفكري في تعزيز الثقافة الحوارية والتفاهم المتبادل بين الأفراد، مما أوجد في خلق بيئة من التسامح والتعايش السلمي، إذ شكلا البناء الفكري واكتساب القوة الناعمة، في تعزيز الثقة بالنفس للأفرد، مما يجعله أكثر قدرة على التعامل مع التحديات وتحقيق النجاح في حياته، إذ يمكن للفرد الذي يمتلك القوة الناعمة من الاساليب المرنة في بناء علاقات اجتماعية صحية ومتينة، من خلال كونه يتمتع بقدرة أكبر على فهم مشاعر الآخرين والتعامل معهم بفعالية، أضافة لذلك، يمكن للفرد الذي يمتلك هذه القوى وأدواتها بوعي عالي، التأقلم بشكل أفضل مع التحولات في الحياة، مما يساعده على التغلب على الصعاب والتحدي، وخلق حالة ذاتية في التفكير الشخصي على إيجاد الحلول باقصر الوقت وفي أحلك الظروف للخروج منها، فالمهارات الاتصالية الفردية أو الجمعية، والقيادة المحكمة، والتعامل مع الضغوط، وحل المشكلات، تساعد الأفراد على تحقيق الهدف المنشود والمخطط له.

لقد لعبت القوة الناعمة دوراً حيوياً في تحقيق التغيير الاجتماعي والتنمية، من خلال تعزيز الوعي وتعليم الناس حول قضايا مثل حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والمساواة، فهي تمتلك من الامكانيات والمقومات ما يجعلها أكثر بناءاً للمجتمع وبنفس الوقت أكثر انصهاراً فيه، وفي أقصى درجات التعامل المجتمعي الحرج الأقليمي والدولي. أضافة لمساهمته في تعزيز الثقافة الحوارية والتفاهم المتبادل بين الأفراد، مما يسهم في خلق بيئة من التسامح والتعايش السلمي.

ويستطيع الفرد الذي يتمكن من أدواته في القوة الناعمة والبناء الفكري بناء علاقات اجتماعية صحية ومتينة، فهو يتمتع بقدرة أكبر من غيره على فهم مشاعر الآخرين وكيفية التعامل معهم بفعالية متقنة دون الدخول في توترات لا نهاية لها. كما يمكنه التأقلم بشكل أفضل مع التحولات والمتغيرات التي تحيط من حوله، مما يساعده على التغلب على الصعاب والتحديات بسلاسة.

باختصار، يظهر أن القوة الناعمة والبناء الفكري يلعبان دوراً حيوياً في تمكين الفرد والمجتمع في مواجهة التحديات الراهنة ولها الانعكاس والتأثير الإيجابي على العالم بأسره.  لذا فأن تعزيز هذه القوى والمهارات تشكل استثماراً مهماً في بناء مستقبل أكثر استدامة وتقدماً، كما يمكن القول إنها تعد أداة فعّالة في مواجهة التحديات الفكرية التي تعصف بعالمنا اليوم، وتساهم في بناء عالم أكثر تفاهماً وسلاماً وهدوء.

واشارة الى كل ما تقدم، يجب أن ندرك أن القوة الناعمة والبناء الفكري للإنسان هما عنصران أساسيان في وعي المرحلة والتطورات الثقافية والسياسية والاجتماعية، ومن خلال تعزيز هذه الجوانب وتطويرها، يمكن للفرد أن يحقق التوازن والنجاح في حياته الشخصية والمهنية وأن يساهم بفاعلية في بناء مجتمعات تهدف للسلام والابتعاد عن كل ما يسعى الى إيقاد فتيل الحروب والتناحر والصراعات، أو الشعور بالدونية مقابل الآخر.

اهمية القوة الناعمة في مواجهة التحديات الفكرية المعاصرة والراهنة.

تشكل القوة الناعمة قوة سياسية وغير سياسية في آن واحد، إن كان ذلك في ظروف الحرب أو السلم، من خلال مواجهة التحديات المعاصرة والراهنة، حيث تشير هذه القوة إلى القدرة على التأثير والتغيير باستخدام الجاذبية والإقناع بدلاً من القوة العسكرية أو الاقتصادية، إذ تتمثل أهميتها وابعادها في مجموعة من الجوانب؛ منها الأفلام والمسلسلات والموسيقى والأدب التي تؤثر على وجدان الناس وتغيير وجهات نظرهم، حيث تلعب دوراً كبيراً في نقل القيم والثقافة والفكر من مجتمع إلى آخر، كما يمكن استخدام الثقافة بأنواعها والتبادل الثقافي كوسيلة لمد وبناء الجسور بين الشعوب، من أجل تعزيز التفاهم المتبادل وتقارب الأفكار، بعقد المؤتمرات الثقافية والمهرجانات الفنية، وزرع روح المحبة ونبذ العنف بكل اشكاله، وخلق أجيال واعية تفهم وتعي دورها داخل المجتمع والدولة.

كما شكلت الدبلوماسية والتعاون الدولي كأحدى أوجه القوة الناعمة وادواتها في تعزيز العلاقات الدولية وتحقيق السلام، من خلال مكافحة التطرف بكل أشكاله وخاصة التطرف الفكري، وذلك  من خلال تقديم رؤى بديلة ومثيرة للاهتمام للإيمان بها، وتعزيز الحوار البناء بين ثقافات المختلفة لدول العالم وشعوبها واحترام قيمها، فضلاً عن دورها الذي يساعد في بناء الهوية الوطنية وتعزيز التميز الثقافي، وهذا ما يعزز بدوره الإنتماء الوطني والولاء للمجتمعات، ويساهم في تعزيز الاستقلال الثقافي والفكري للأمة.

لقد لعبت القوة الناعمة دوراً في تعزيز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان عن طريق نشر الوعي بأهميتها وتعزيز المبادئ الأساسية للحرية والعدالة والمساواة، وأسست العديد من الدول في العالم مؤسسات تبحث وتقدم دروس وبحوث شتى في مجال القوة الناعمة وأدواتها والآليات المتبعة واهميتها لدى المجتمعات في تحقيق أهدافها بالطرق التي تبعدها عن النزاعات والصراعات الدولية والاقليمية والعنصرية والاثنية والعشائرية، بل السعي الى زرع روح التسامح والتقارب واحترام الرأي والرأي الآخر.

***

د. عصام البرام - القاهرة

في المثقف اليوم