قضايا

قاسم حسين صالح: سيكولجيا الأعياد.. في الديانات

ينفرد الدين بأن ما كتب عنه من مجلدات وكتب ومقالات يفوق ما كتب عن اي موضوع آخر، سواء من قبل الفلاسفة والمفكرين ورجال الدين والمؤمنين والملحدين. حتى نحن السيكولوجيين ، ابتكرنا فرعا جديدا في علم النفس بعنوان (علم النفس الديني) وقبلها ابتكرنا (سيكولوجية العقيدة) وبعدها (التحليل النفسي) للدين عند فرويد ونقيضه يونغ، الى اريك فروم وصولا الى احدثهم سيريل بيرت الذي اوضح بأن " عالم النفس يدرس الدين لا ليكتشف كونه حقا او باطلا، فذلك من شأن المؤمنين بعقيدة ما تظن انها الحق وغيرها من العقائد هو الباطل،  مما قد ينجم عنه خصومات وجدالات ، وربما عداوات وحروب.. بل المهم هو دراسة الدين كظاهرة بشرية ، وانتاج للعقل الانساني،  وسواء كان هذا الدين توحيديا او كان تعدديا ، روحيا او وثنيا ".

ولا يعنينا هنا نشأة الاديان وتاريخها وانقساماتها ومناهجها المختلفة.. والانبياء والحكماء والحركات التي قادوها، والحروب التي يسمونها مقدسة ويسميها اخرون وحشية، والمتشككون الذين يرتابون حتى في وجود بعض الانبياء،  والتناقضات والخلافات في نصوص الاديان. كل هذا لا يعنينا هنا انما التنويه او التنبيه الى تشخيص حقيقة سيكولوجية جميلة امتازت بها كل الأديان.. هي انها ابتكرت اجمل المناسبات.. الأعياد.. وجعلوها تتجدد كل سنة!

سيكولوجيا العيد

يتميز العيد بطقوس دينية واجتماعية.. الجميل فيها انها مزجت موروثات الماضي وعصرنة الحاضر، وحافظت على رونقته وأصالته. ومع ان مظاهر الأحتفاء به تختلف من شعب الى آخر ، الا ان صلاة العيد وزيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء ، وتبادل التهاني والتبريكات، واقامة الولائم والحلويات.. وفرح الأطفال بثياب العيد (والعيديات).. تعد من اجمل حالات تجسيد الخير والطيبة والمحبة والتسامح والألفة

في المجتمع التي تتوحد فيها نفوس اكثر من ملياري مسلم في العالم مع انهم من قوميات واجناس مختلفة. ليس هذا فقط ، بل ان الإحساس بالفرح يدعم البعد النفسي الاجتماعي خاصة في وقت الأزمات والطوارئ، ويؤمن دعامات نفسية واجتماعية تعد الأساس نحو الاستقرار النفسي الاجتماعي.

وينبهنا علماء الأجتماع الى ان مناسبات الأعيد الدينية تسهم في إرساء التكافل الاجتماعي والمساعدة على انسجام الناس وتواصلهم، وتحسين العلاقات فيما بينهم. فبابتسامة صادقة في وجه الآخر، وإلقاء تحية أو تهنئة، يمكن أن تحقق الكثير، وتقلص من العنف ومن المشاحنات، وتسهم في بناء مجتمع مستقر نفسيا. وينبهون ايضا الى قضية مهمة هي أن الأزمات الأجتماعية التي تصيب الكثير من أفراد المجتمع بحالات اكتئاب وقلق فأن مناسبات الأعياد الدينية تدخل مشاعر الفرحة والبهجة في نفوسهم ، وتدفع الفرد الى ان يكون اكثر ايجابية في علاقته مع أفراد بيئته ومجتمعه، وأكثر تكيفا للظروف والمتغيرات الاجتماعية، وأكثر إدراكا لتطوير تصرفاته مع الآخرين. ما يعني ان العيد ليس مجرد يوم سعيد، بل انه يجعل الفرد يعيد النظر في أسلوب عيشه وطريقة تفكيره.. ليمتد تأثيره على باقي ايام السنة.

ويقف علماء النفس وعلماء الاجتماع بالضد مما يقوله فلاسفة وكتّاب بأن هذه الأعياد خدعة او ترف ثقافي او سفاهة او ممارسة فارغة المعنى، ويتفقون بانها فعل جماعي يتوهج بالمعنى والسمو لا تستطيع رتابة الحياة اليومية أن تمنحهم إياها، وأن الأنسان بحاجة ماسة لمثل هذه الأفراح والمسرات لتفريغ المكبوتات والضغوطات، وتسريح جوانب كثيرة من الرغبات الدفينة، لاستعادة شعوره بالحياة الطبيعية المتوازنة، وبعث الأمل والتفاؤل حيث تتقوى المهارات والقدرات الاجتماعية والعاطفية، مما يساعد على خلق عالم مريح تحلو فيه الحياة.

شكرا لكل الأديان انها ابتكرت اجمل وسيلة سيكولوجية لأشاعة انبل الحاجات عند الانسان.. التسامح والمحبة بين الناس، وادخال الفرح والسرور الى النفس البشرية.. مع خالص التهاني والتبريكات بعيد الأضحى المبارك معطرة برائحة العراق.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم