قضايا

عبد العزيز قريش: درجات الباكالوريا مجرد مدخل إلى علامات استفهام للقياس والمساءلة

هي الحياة البئيسة في المجتمعات البئيسة التعيسة، لا تلد إلا البؤس، ولا تنتج إلا المعاناة والآلام والأوجاع للأفراد العاقلة، والجماعات المتعقلة، والمجتمعات الواعية؛ لأن رحمها متعفن بالفيروسات من الداخل، متعايش معها، مستأنس بها، يحتضنها برفق وحنان لانسجام طبيعته بطبيعتها. فالعدوى متأصلة في بيئتها، تتكيف فيها الجراثيم مع متطلبات تجاوز دفاعات المناعة الذاتية إن أفرزتها أجهزة مناعاتها، فيظل البؤس رفيق دربها ما لم تقف يوما ما، أمام ذاتها حاملة مشرط النقد لاستئصال أورامها، وحرقها في محرقة الأعضاء والجثث المتعفنة، للتخلص منها إلى الأبد. وما لم تفعل المجتمعات البئيسة التعيسة النقد الذاتي ستظل معالم التطور والتقدم سوى طفرات طارئة على الأصل، قد تضمر يوما ما لمفارقتها سياق وجودها الطبيعي.

من هذا المنطلق يتساءل الإنسان العربي والمسلم عما يعيشه من طفرات مدنية متقدمة، تعلو سطح المجتمعات العربية والإسلامية، وكأنها منابع أصيلة فيها، قائمة على أسس متأصلة الجذور في التربة العربية والإسلامية لعصور خلت، مازالت تغذي مصادر التطور والتجديد والنماء بمعين فكرها وإبداعاته وابتكاراته في هذه الأمة المتخلفة. لكن حين يقف الإنسان على حافتها مطلا إلى عمقها، يرى كثيرا من علامات الاستفهام، وأخواتها من علامات الترقيم: التعجب، ونقط الحذف، والشرطتين، والإشارة المائلة، والتنصيص، والقوسين، والقوسين المستطيلين ... فالمظاهر والشكليات براقة وجاذبة واحتفالية في هذه المجتمعات، بينما مضمونها هش جدا، يحمل الكثير من التحديات، إن لم أقل مطبات انتحارية. وسأضرب مثالا للقياس عليه في أغلب القطاعات والمجالات الحياتية والمؤسساتية والبنيات التحتية ـ والبنية التحتية هنا مفتوحة على البنيات الفكرية ـ لهذه المجتمعات والدول. وهو مجال التربية والتعليم والتكوين الذي يشكل الأساس المركزي لخيمة التقدم والتطور، والذي توليه الأمم المتقدمة درجة كبيرة جدا من الاهتمام، فتمركزه قطب مشاريع الدولة، والميزانيات الضخمة، لأنها تعلم أساسا عائده الإيجابي على الأفراد والمجتمع والدولة وتنميتها وتقدمها، وقوتها ومدخلها إلى الاقتصاد القوي والمتين خصوصا أنه يشكل حاضنة الإبداع والابتكار بناء على تكوينه للطاقات الإبداعية البشرية من علماء ومخترعين ومهندسين.. فهو في الأمم المتقدمة والمتطورة، نتائجه ومردوديته وحصيلته تعبر حقيقة عن واقع حاله دون تزييف أو تزوير أو توهيم. فكفاءة المتخرج تعبر عن درجته حقيقة وفعليا، التي تخرج بها. ولا تدل على فارق بين واقع الحال ومستهدف الحال؛ أي تحقيق الهدف المنشود من التربية والتعليم والتكوين في تغطية الفارق بين الوضعية المنطلق والوضعية المستهدفة. بمعنى تحصيل القيمة المضافة للفعل التربوي والتعليمي والتكويني في درجة الكفاءة العلمية والأدائية والفكرية للمتخرج. ولكن في واقع حال الأمم المتخلفة؛ لا تعبر درجة تخرج المتعلم/ة عن درجة كفاءته حقيقة وفعليا وعمليا وإجرائيا، نتيجة وجود فارق بين السطح والعمق، يتكئ على توهيم المتعلمين وأسرهم والمجتمع والدولة أن الدرجات الممنوحة هي درجات حقيقية، تعبر عن كفاءة الأفراد. بينما الحقيقة أن الدرجات في واد، والكفاءة في واد ثان، وبينهما هوة تربوية هشة تعيش على تزييف الحقائق، وتنتعش على ثقافة الاحتفالية والفنتازيا والشعبوية باتجاهين متوازيين هما:

ـ توظيف الاحتفالية والفنتازيا ـ وهي هنا تحمل دلالة الخيال المبدع والوهم والأسطرة والخرافة ـ في وجه المتعلمين وأسرهم والمجتمع والدولة طلبا لرضاهم، وتغطية على قصور الممارسة التربوية والتعليمية والتكوينية في تحقيق أهدافها المقررة رسميا. وتسترا على واقع الحال الذي يشي بوجود اختلالات بنيوية في المنظومة التربوية والتعليمية والتكوينية على مستويي السياسة والتدبير. وهو ما يؤدي إلى رضا هؤلاء على النتائج، خاصة في ظل إيمان المجتمع في إطار ثقافة شعبوية فقيرة وتافهة وقطيعية بالمظاهر في تحصيل المنافع والقيمة الاجتماعية، وربما الاقتصادية. فالشكليات والمظاهر تحتل موقعا متقدما في فكر القطيع والتفاهة والوهم، يعتمدها الأفراد كما الأسر والعائلات تباهيا وتبجحا فيما بينها، وتعتمد الأنظمة السياسية للتفرقة والتسيد والتسلط. والتسابق في ذلك مع خلق صراعات طبقية لأجلها. وقد توظف هذه السلطة التربوية طلبا في استجلاب رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في قطاع التربية والتعليم والتكوين أو تحصيلا لقروض بنكية أجنبية وعالمية. وإذ؛ الاحتفالية والفنتازيا أداة في يد الأغلبية الراقدة المتلذذة بالمصلحجية تلعب على العقل الجمعي للشعبوية والتفاهة والقطيعية، وتبقيه متوهما أن الحقيقة تكمن فيما اتفقت عليه الأغلبية، وما أفاده الاجماع. وتزيف الوعي؛ تخلق فيه منابع الفكر الخرافي والأسطوري بتسطيحه وتسذيجه وتبسيطه، وتذكي فيه اليقينيات الخاطئة والجزميات الفكرية عوامل القناعات الراسخة الثابتة، التي توجه الوعي الفكري للأفراد والجماعات والمؤسسات نحو مسالك معينة مستهدفة لذاتها، وتضبط سلوك العقل الجمعي بقيم وحدثية معينة مستهدفة هي الأخرى كما الحركات والسكنات والمشاعر والأحاسيس، وتشكل الرؤى. وتفقده منابع القوة في ذاته، وهي الفكر النقدي والإبداعي والعلمي والموضوعي، وتنزع عنه أدواته المنهجية من تحليل وتركيب وتشريح ودراسة وبحث وتفكير ... وترمي به في خندق التقليد والعادة المقدسة والروتين؛ المحرم الاقتراب منها، وتطمره بالتراب. فيظل كذلك إلى أن يراجع نفسه ويسائلها عما يفعل بذاته.

ـ توظيف الاحتفالية والفنتازيا في تجريم النقد البناء، ومحاربته ومقاتلته بكل طاقتها وحيويتها، لأنها تراه منبعا للوعي والحقيقة والتطور وطرح البدائل، وتهشيم معمار المصلحجية ومعابدها في المجتمع، وإزاحة ثقافة الشعبوية الفقيرة والتافهة والقطيعية عن العقل الفردي والجمعي لمكونات المجتمع التي تشكل الأغلبية في بناء فكر القطيع بما يحمل من دلالات التخلف والتأخر. وخوفا من إخراجه للمجتمع بكل مكوناته من ظلمة الجهل بالحقائق والمواقع والمفاعيل إلى نور العلم بها والوعي بسلبياتها وكوابحها للتقدم المجتمعي والتطور الإنساني. ما يؤدي إلى الوعي والثورة المخملية في الفكر أو الثورة الحامية في الفعل، نحو تحطيم صروح المصلحجية في المجتمع، وإزاحة كوابح وفرامل التخلف عن طريق النماء والتقدم والتطور على مختلف المستويات والمجالات والقطاعات الحياتية.

فالاحتفالية والفنتازيا أداة تلتمسها المصلحجية والشعبوية لخلق حالة مستدامة وممنطقة من تبسيط القضايا المعقدة على مختلف مواضيعها وإشكالياتها ومشاكلها، كبيرة كانت أم صغيرة، ليبدو عائدها غير مؤثر أو مؤثر بشكل بسيط وصغير، لا يرقى إلى الانشغال به؛ فهي تغيب بالتبسيط والتسطيح العوامل الأساسية في تلك القضايا، والحقائق والأدلة، والتفاصيل والفروق الدقيقة فيها، التي تستدعي حلولا متوازنة وشاملة. وتعمل على خلق الشروخ والانقسامات بين الطبقات والتوجهات، وإثارة العواطف والمشاعر والاثنية، مما يديم التوترات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والعقائدية بما تنتفع منه، وربما تديم الانغلاق على الذات والتقوقع فيها إغلاقا لمنافذ الآمال والطموحات، وبما يسمح لها الانتفاع من الوضع القائم وتسييد وجودها، ونشر وإشاعة المعلومات المغلوطة المضللة وتضليل الجمهور قصد توجيهه إلى ما تريد. وهي بهذا تقوض القيم الإيجابية في المجتمع من استقلالية وحرية والرأي المخالف والتنوع، كما تقوض المؤسسات الديمقراطية من قبيل القضاء والإعلام والبرلمان، بإظهارها ـ وهما ـ امتدادا عضويا للنخب التي تعارض إرادة المجتمع في تحقيق مطالبه، ومشروعاته النهضوية والتحررية.

فهي تعمل على إضعاف قيمة الحوار مع الآخر والتفاهم معه، وتقلل من قبول الآخر اختلافا، وترفع من قيمة الرأي الواحد والوحيد بدعوى امتلاكه وحده الحقيقة، وتشيع الفكر الشمولي على المجتمع والأحادية الفكرية؛ وغالبا، ما تدعي ذلك لصالحها. ما ينفي التوافق والحلول الوسطية من المجتمع، وإعدام الإيمان في المجتمع بقيمة التعاون والتكامل والتآزر في شد اللحمة المجتمعية وتمتين عواملها. كما أنها تعمق الهوة والفجوة بين الواقع والمنتظرات، فترفع من درجة وكمية توقعات الأفراد والجماعات بطريقة غير واقعية، كما يقع في الاحتفالية والفنتازيا السياسية ووعودها البراقة الحالمة الكاذبة، التي تذكي في المجتمع قابلية الأحلام ودرجتها، والتعلق بالغائب الآتي بتبني تلك الوعود الفارغة والكاذبة، مما يقود في نهاية المطاف الجماهير الشعبية إلى خيبة الأمل والإحباط وفقد الثقة في كل شيء، عندما لا تتحقق تلك الوعود.

والاحتفالية والفنتازيا بما تحمل من دلالة الشعبوية، بتهريجها وتسطيحها وتبسيطها للأمور المعقدة ومشاكلها وإشكالياتها وقضاياها، تقدم لها حلولا ترقيعية آنية وظرفية، تغيب عنها النظرة الاستراتيجية والدراسة العلمية، ما يعقدها ويؤزمها بما تحمل تلك الأطروحات من مشاكل إضافية، بمعنى تأزيم المأزم بحلولها المؤقتة الترقيعية أو الصيانية. وتحضرني هنا الكثير من المقترحات والحلول لمشاكل معقدة في المنظومة التربوية والتكوين، سأختار منها واحدة للمثال لا للحصر. ذلك أن منظومتنا عاشت في مرحلة ما نقصا حادا في الموارد البشرية، فذهبت لحل هذه المشكلة إلى التوظيف المباشر، بمعنى التحاق هيئة التدريس مباشرة بالممارسة الصفية بعد النجاح في مباراة التوظيف، ودون تكوين أساس، أي من المدرج الجامعي إلى فضاء الحجرة الدراسية، بدعوى الحاجة الملحة التي تستدعي الاستعجال في الحل. ما أدى إلى ضعف الكفاءة المهنية لدى الممارس البيداغوجي، وضعف التعلم عند المتعلم/ة وكفاءته. كما أن مباريات التوظيف في هذا القطاع مازالت تستقطب المستوى الضعيف الأكاديمي للتوظيف. ذلك أن اختبارات وتقويمات مباراة التوظيف تدل دلالة إحصائية على ضعف درجات المتبارين؛ وبحكم الحاجة للمورد البشري وسدا للحاجة ـ التي يجب عدم العمل بها في قطاع التربية والتكوين بالمطلق ـ تضطر لجان المباراة إلى إلحاق الدرجات القريبة من المعدل وما تحتها بلائحة الناجحين في المباراة، وهو ما ينعكس سلبا على المستوى المهني للمورد البشري من جهة أولى، وعلى مستوى أداء المتعلم/ة وناتج التعلم من جهة ثانية، وأخرى ثالثة على مستقبل البلاد والعباد.

فالاحتفالية والفنتازيا في اختبار الباكالوريا بفكرها الشعبوي، تقدم نتائجه بأبهى صورة، وأعلى الدرجات، تكاد تموقع المتعلم/ة موقع الممارس البيداغوجي، داخل ظروف غير مناسبة للتعليم والتعلم، وفي غياب متطلبات وحاجيات وحاجات غير متوفرة، فضلا عن الإضرابات التي تستغرق مساحة ومسافة طويلة من السنة الدراسية، يغيب عنها التدريس إلا ما قل. فتجد تلك النتائج تحمل مفارقات واضحة وفاضحة، ففيها مفارقة درجات المراقبة المستمرة المرتفعة، ودرجات الاختبار المنخفضة، ما يعبر عن كفاءة المتعلم/ة الحقيقية، وتحصيله العلمي المتدني، وضعف اكتسابه للكفايات والمهارات والقدرات المستهدفة. فالعقل يفيد إمكانية ورود الدرجات العليا والمرتفعة في العلوم الحقة، لكن في العلوم الإنسانية لا يمكن أن تتقبل ذلك، نظرا لعوامل عدة تنعكس على الإجابات. في مقابل أن التقويم في العلوم الإنسانية في الاختبارات الإشهادية يظل تقويما ذاتيا لا موضوعيا؛ لافتقاده المحكات والمعايير والبنود، التي تقيس الحقائق بموضوعية. فالتقويم يكون تقريبيا من خارج إلى داخل الاختبار، لا من داخله إلى خارجه. والجميع يعلم أن التقويم في العلوم الإنسانية مهما حاول أن يكون موضوعيا ودالا إحصائيا على صدق درجاته، يتعدد بتعدد الفهم الذاتي للمصححين، لأن أجوبته صامتة غير ناطقة بحقيقة درجاتها، والمصحح بحصيلته التربوية والأكاديمية والقيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية، وبسحنته الواقعية الطبعية والتطبعية، يشكل القراءة الخارجية لهذه الأجوبة الصامتة وتفسيرها وتقدير درجاتها. وهنا يقع التفاوت بين درجات المصححين لنفس الأجوبة. وعليه؛ تحمل درجات البكالوريا تفاوتا بين درجات المصححين لنفس بنود الاختبار نتيجة خارجية التصحيح. عكس العلوم الحقة، فالأجوبة تنطلق من الداخل إلى الخارج بدلالة واحدة، تتوحد حولها تقديرات المصححين، نظرا لموضوعيتها الذاتية.

إن درجات البكالوريا تتطلب في العلوم الإنسانية أن تقصد تقويم الكفايات والمهارات والقدرات والحقائق عبر وضع محكات، تتضمن معايير التقويم وبنودها التفصيلية التي تقيس بصدق وبثبات وبموضوعية الأجوبة، وتثبت حقيقة كفاءة المتعلم/ة ودرجتها. أما ما يحصل الآن من قبل الاحتفالية والفنتازيا بفكرها الشعبوي وشعوذتها التربوية في تقويم الاختبارات، فذلك سبيل لتزييف العقل والوعي، ومسلك إلى انهيار المنظومة التربوية والتكوينية، وفقدان الثقة بها وبمكوناتها، والسعي إلى مغادرتها نحو مدارس وعوالم معرفية افتراضية وأدوات ووسائل مستحدثة وجديدة، خاصة ما تعلق بالذكاء الاصطناعي الذي سيلغي دور الممارس البيداغوجي من الفعل التعليمي، ما لم يستدرك الأمر بحفاظه على موقعه بالسلطة المعرفية التي تفوق الذكاء الاصطناعي، وبإبداعه التربوي والمعرفي والتقني.

وبناء على هذه المفارقة، نجد منظومتنا التربوية في المراتب المتأخرة من التقويمات الدولية، والتصنيفات العالمية. كما أن هذه المنظومة تشهد فائضا في منح الشهادات الأكاديمية والمهنية، مقابل وجود شح في الإنتاج العلمي الجاد والحقيقي. وفي المشاركة في الإنتاج المعرفي العالمي، وفي القيمة المضافة للعلم والمعرفة في واقعنا المعيش. فحقيقة أن هناك بعض الكفاءات العلمية العالمية المتميزة أكاديميا وعلميا وإبداعيا، التي يعترف بكفاءتها العالم، لكن لا تشكل القاعدة وإنما الاستثناء. فالقاعدة الواسعة المتعلمة المالكة للشهادات الأكاديمية والمهنية عازفة عن اِلإنتاج والإبداع. وهي القلة القليلة من الكفاءات الأكاديمية والمهنية التي تتعاطى مع الإنتاج العلمي والبحث والإبداع الفكري. كما أن ثقافة المجتمع تتجه نحو الفكر الشعبوي والتفاهة والسخافة طلبا للمصلحة والمنفعة، فضلا عن ترصيد كم هائل من المتابعات والمشاهدة المؤسسة للشهرة، حتى بتنا نعيش مع تحليل التفاهة والسخافة للقضايا الفكرية والمشاكل والإشكاليات الاجتماعية والفكرية والثقافية والتنموية والاقتصادية، بما يجلب للقارئ والمتابع والمشاهد الامتعاض، والشجب الصامت في أغلب الأحوال أو العزوف عن التعاطي مع المتابعة والقراءة والبحث بالانكماش الفكري والانحصار الذاتي. وتعمل عدة جهات ومؤسسات ومنظمات وشرائح اجتماعية وثقافية وفكرية وفنية وسياسية ... في نشر هذه الثقافة المهترئة على الملإ، والعمل على تطبيعها في المجتمع، وتغميسه في أمراضها المتنوعة. ما يستوجب الوقوف عند هذا الواقع المر والهزيل بمجموعة من علامات استفهام مركزية وأساسية، تسائل التفصيلات والتقديرات والأطروحات عما تفعل وفعلت بالمجتمع ومصيره، وعن القيم الإضافية التي راكمتها لصالح المجتمع وتقدمه ونمائه، ولصالح الإنسان والأجيال القادمة. والتساؤل عن المصير والمآلات؛ من حيث الاتجاه والهدف والمدخلات والسيرورات والنتائج. فسؤال إلى أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ وبماذا؟ ومتى؟ كفيل بوضعنا على السكة الصحيحة، وتشكيل الرؤية الصحيحة للواقع، والتوجه الصادق نحو المستقبل.

وما يجري في درجات الباكالوريا، ودلالاته الإحصائية، يمكن القياس عليها في مجمل المجالات الحياتية والقطاعات الرسمية المختلفة، تستوجب هي الأخرى جملة من علامات الاستفهام حول دورها وقيمتها المضافة في رفد مصادر نماء المجتمع والأفراد والدولة وتنميتهم، وهي علامات أسئلة جديرة بالطرح ومشروعة. ولا ضير في وقفة مع الذات بالنقد الذاتي لتصحيح الواقع والأدوات والأطروحات والسيرورات وتعديل النتائج أو تحصيل الغايات والأهداف. ومنه؛ يمكن لهذه الورقة أن تثير حفيظة وحمية الشعبوية التربوية، التي قد تتهمها بمجانبة الصواب أو الخروج عن الواقع أو ربما الطعن في كفاءتها وكفاية أدائها التربوي والتكويني. وهي حتما ستساهم لدى العقلاء على التفكير النقدي لسيرورة الفعل التربوي والتكويني طلبا لاستثمار الإيجابيات وتجاوز السلبيات والتحديات، بغية إحداث الطفرة المطلوبة في التغيير والتطوير. والورقة وهي تحطم قدسية وحرمة هذا الطوطم، تستهدف تثوير التفكير في هذا المعطى الواقعي، الذي لا يقبل السكوت عنه بمنطق العقل والغائية، وتأسيس رؤية واضحة ووعي ناضج بهذا المشكل المخملي، الذي يفعل سلبيا في تهشيم جودة الممارسة الصفية، ويهدم المعمار الفكري للأمة.

***

عبد العزيز قريش

في المثقف اليوم