قضايا

كاظم لفته جبر: الضمير.. الوجه الآخر للأخلاق

يعد الإنسان ككائن حي، ينمو ويتحرك ويسعى، ويتميز بكونه ذات تسمو بالأشياء خارج موضوعها. فالذات هي ماهية الإنسان التي تكون عالمه الداخلي من الافكار والمشاعر والعواطف وهي تمثل هويته الخاصة. أما الضمير فيمكن عده الأنا الحقيقية للإنسان، كونه متسلح بالمبادئ الأخلاقية والفطرية، وان اي عمل يقوم به الإنسان يخضع لتقييمه، لذا يمكن عد الضمير بأنه آلة نفسية واجتماعية لمعرفه الحقيقة والحكم عليها.

فالضمير بما إنه مرتبط بالحقيقة، معروف أن الحقيقة في هذا العالم نسبية، والسبب يعود إلى تعدد الهويات والبيئات والعوالم المادية والمعنوية بين البشر، فكل فرد ذات تتجسد فيها شخصيته، ولكل واحد من الناس ضمير يحاكم ويضبط تلك الهوية الشخصية للإنسان، لكن يبقى التساؤل ما علاقة الضمير بالذات، وهل هو المسؤول عن جلد الذات.

حقيقة الضمير مفهوم بعيد عن العمليات العقلية و الحسية، ويعمل كمنبه للذات الإنسانية عند قيامها بفعل ما، ويحدث هذا الصوت الداخلي الذي يقلق الإنسان ويجعله في موضع المتهم، بمجرد التفكير بالخطأ، لذلك تجد الانسان عند الكذب تزداد ضربات القلب، بما يمثله هذا الازدياد من ايعاز على الكذب، والبُعد عن الحقيقة .

كما المبادئ والمعايير التي تكون الضمير، تنقسم إلى ثلاثة أنواع : فطري و طبائعي ومكتسب. فما كان فطري فهو خيّر، وهذا ما أكده الفيلسوف الانجليزي (جون لوك) في رسالته حول التسامح: بأن الناس في الطبيعة والفطرة الاولى يتميزون بالمساواة وتجمع بينهم علاقة طيبة وعفوية وهذا المعنى الإيجابي للضمير.

 أما الأخرى فهي المبادئ التي يكتسبها الضمير من المجتمع وتقاليده واعرافه، وهذا المجتمع بدوره يخضع لمتغيرات السلطة بإشكالها القديمة والحديثة، وهي متعددة و متغيرة في كل زمان ومكان، اما جلد الذات يمثل المعنى السلبي لمفهوم الضمير المكتسب وهو مبني على عادات وتقاليد وأعراف المجتمع سواء كانت دينية او اجتماعية أو سياسية.

 وبما ان هوية الإنسان الذاتية متغيرة بين الفطري والطبائعي والمكتسب، فالفطري معروف عنه انه خير وايجابي، لكنه ليس بالضرورة، لأن الفطرة قد تكون الهية وهي حسنة، وقد تكون وراثية وتحمل معنى سلبي لمجتمع معين، لكن هي خيره بالنسبة لمجتمعها الخاص، وهذا يعود لطبائع اسلافنا الثقافية عند درستنا للحضارات.

اي بمعنى ان الحضارة السومرية يتميز ناسها بصفات معينه لازلنا نعمل بها دون وعي بعد ان ترسخت في لا وعينا الجمعي، وهذا ما اشار له كارل يونك في نظرية التحليل النفسي للشخصية وهذا هو الطبائعي .

 أما غياب الضمير واللامبالاة في مجتمع ما يعني سيادة حالة التوحش التي أشار لها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبس. وقد يكون السبب يعود إلى انتقال الإنسان من مرحلة تكوين الذات إلى مرحلة الانمحاء مع الذوات أو الجماعة بصفتها الدينية أو السياسية أو الايديولوجية.

كما ان الضمير هو الوجه الآخر للأخلاق، وبما ان الأخلاق نسبية ومتفاوتة بين الناس، فكذلك الضمير أصبح نسبي ومتغير من فرد إلى آخر كلاً تبع ايديولوجيته وتبعيته الفكرية، فالضمير هو الوزاع الأخلاقي للبشرية،فكل ما هو إنساني يخضع للضمير الفطري، وكل ما هو ايديولوجي وشر ويخضع للمنفعة والغاية، فهو أما طبائعي أو مكتسب نتيجة مواقف نفسية أو اجتماعية، أو اسطورية.

فالضمير الإنساني اصبح ضمير مستتر لا يعبر عن هو أو هي حقاً، بل يعبر عن تقدير لمواقف واشخاص لا يظهرون أمام العلن، وخير مثال لذلك ما يحدث في غزة من قتل ودمار، إذ ان الكيان الغاصب يمثل ضمير الارهاب العالمي للغرب المكتسب والطبائعي. فعلاقة الذات بالضمير علاقة مترابطة لا تنفك عن اي فعل يفعله الإنسان سواء كان فرداً أو جماعة.

***

كاظم لفته جبر

في المثقف اليوم