قراءة في كتاب

العراقيون في كتاب: الادب الروسي والعالم العربي (3)

تناولنا في الحلقتين الاولى والثانية اسماء (بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وجميل نصيف وجليل كمال الدين وعبد الملك نوري وغائب طعمه فرمان وخيري الضامن ومحمود احمد السيد وعبد الآله أحمد)، ونستمر في عرض اسماء العراقيين في الحلقة الثالثة هذه من سلسلة مقالاتنا عن كتاب الادب الروسي والعالم العربي بقلم الاستاذه الدكتورة الميرا علي زاده .

نتوقف اولا هنا عند اسم كبير في دنيا الفكر والادب في العراق وهو ذو النون ايوب، والذي جاء اسمه خمس مرات وعلى خمس صفحات في هذا الكتاب . تحدثت المؤلفة في ص.107 عن سنوات حياته وترجماته لبعض نتاجات غوغول ودستويفسكي عن الانكليزية، واستشهدت بكتاب يوسف عز الدين بعنوان – (القصة في العراق . جذورها وتطورها) الصادر في القاهرة عام 1974 حول ايوب وكيف انه كان يميل الى الاتجاه الواقعي ويرى ان الادب الروسي قريب من الادب العربي لانه يتناول مشاكل اجتماعية مشابهة لمشاكل المجتمع العربي واهمها التناقض الاجتماعي والفكري والتصادم بين الثقافة الجديدة والتفكير التقليدي العتيق . وفي ص.108 تتوقف المؤلفة عند مجلة (المجلة)، التي صدرت في الموصل عام 1938، والتي ساهم ذو النون ايوب بتحريرها، ومن المعروف ان هذه المجلة قد ساهمت في نشر الكثير من نتاجات الادباء الروس، ولكن المؤلفة لا تتناول طبيعة الدور المحدد الذي أدٌاه ذو النون ايوب في المجلة بهذا الخصوص. (سبق لقسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد ان انجز اطروحة ماجستير حولها عام 2000 بعنوان – (دور مجلة المجلة في نشر الادب الروسي في العراق) قام بها كامل العزاوي (الدكتور التدريسي الان في قسم اللغة الروسية) باشراف الاستاذ الدكتور جليل كمال الدين)

تنتقل الميرا علي زاده في كتابها بعدئذ الى الحديث عن ترجمة رواية تورغينيف – (الاباء والبنون)، التي قام بها اكرم فاضل عن اللغة الفرنسية وذو النون ايوب عن اللغة الانكليزية، والتي صدرت عام 1950 في بغداد، وتذكر ان هذه الترجمة العربية كانت الاقرب الى النص الروسي الاصلي وهذه ملاحظة صحيحة ودقيقة، الا انها لا تشير الى انها الترجمة الاولى الكاملة في العالم العربي لتلك الرواية الروسية (انظر مقالتي بعنوان – اكرم فاضل وتورغينيف)، (وبالمناسبة فقد سبق لقسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد ان انجز اطروحة ماجستير قامت بها آيات يوسف (الدكتوره التدريسية الان في قسم اللغة الروسية) حول هذه الترجمة لرواية تورغينيف باقتراحي واشرافي العلمي). يمكن القول بلا شك ان الباحثة الميرا علي زاده استطاعت ان ترسم صورة موضوعية ومتكاملة لايوب ودوره في نشر الادب الروسي في العراق . اما بالنسبة لاكرم فاضل نفسه، فقد جاء اسمه في هذا الكتاب اربع مرات في اربع صفحات . المرة الاولى في ص.155 حيث توجد الاشارة الى سني حياته (1918 – 1987) باعتباره واحدا من الذين نشروا نتاجات تورغينيف بشكل واسع في العراق و العالم العربي وهي وجهة نظر صحيحة ودقيقة،اذ يرتبط اسم اكرم فاضل باسم تورغينيف فعلا، ثم يأتي اسمه في ص.179 باعتباره قد نشر في مجلة الاقلام (العدد العاشر لعام 1979) عرضا لكتاب تاتيانا تولستايا ابنة تولستوي عن والدها . ان هذا العرض الوجيزلنشاط اكرم فاضل في هذا الكتاب ودوره في نشر الادب الروسي في العراق و بالعالم العربي يتناسب واقعيا – رغم الاختزال الشديد - مع مكانته الحقيقية ودوره المتميز في هذا المجال عراقيا وعربيا .

نتوقف الان عند اسم عراقي كبير في دنيا الثقافة العراقية وهو نعيم بدوي، ويرتبط هذا الاسم بالنسبة للعراقيين قبل كل شئ بتشيخوف، اذ انه ترجم عدة نتاجات له، وقد سبق لي ان كتبت مقالة قصيرة عنه في مجلة الف باء في التسعينات بعنوان (نعيم بدوي والادب الروسي) ولا امتلك نسخة منها الان مع الاسف . جاء اسم نعيم بدوي مرة واحدة فقط في هذا الكتاب ص.409 باعتباره مترجما لمقالة عن تشيخوف بعنوان (شخوص في حياتي) بقلم افيلوفا نشرت في مجلة الاقلام لعام 1986 (العدد4)، ولا توجد هناك تعليقات او هوامش او تعريف به من قبل المؤلفة، وهذا شئ مؤسف حقا بالنسبة لهذا العلم الكبير في دنيا الثقافة العراقية .

الاسم التالي في مقالتنا هذه حول الاسماء العراقية في هذا الكتاب هو عامر عبد الله . لقد فوجئت شخصيا بالاشارة الى هذا الاسم السياسي الكبير عندما تصفحت الكتاب لاول مرٌة، اذ انني لم اكن اعرف بمساهمة عامر عبد الله بموضوعة الادب الروسي في العراق، ولكني وجدت هناك انه قد ترجم كتابا مهما في الادب الروسي عام 1946 بعنوان – (اربع قصص عالمية)، وقد ضمٌ قصصا مختارة من نتاجات ادباء روس هم كل من – كوبرين وغوركي وغوغول وتولستوي، ويؤسفني انني لم أطٌلع على هذا الكتاب سابقا، بل لم اكن اعرف به أصلا، وأود ان احيي الميرا على زاده على هذه المعلومة المهمة والقٌيمة والجديدة بالنسبة لي (وأظن ايضا انها معلومة جديدة بالنسبة للكثيرين من القراء) في اطار موضوعة الادب الروسي في العراق. لقد جاء اسم عامر عبد الله ثلاث مرات في هذا الكتاب، الاولى في ص.115 والثانية في ص. 227 والثالثة في ص.234، ولم تتحدث الباحثة عن تفصيلات وملاحظات وآراء بشأن هذا الكتاب والمستوى الفني بشأن ترجمته، الا انها أشارت الى اسم الشخص الذي كتب مقدمة لهذا الكتاب وهو عبد الجبار وهبي (ابو سعيد)، والذي اود ان اتوقف عند اسمه هنا، ضمن الاسماء العراقية التي وردت في هذا الكتاب . لقد جاء اسم عبد الجبار وهبي مرة في ص.227، ومرة اخرى في ص. 235، حيث أستشهدت بقوله في تلك المقدمة الى اعتبار قصة غوغول في ذلك الكتاب نموذجا متميزا للفن الواقعي المرتبط بحياة الشعب (وهو موقف ايديولوجي واضح طبعا وينطلق من الموقف الفكري والسياسي لعبد الجبار وهبي و يتطلب اثباتا دقيقا وواقعيا بلا شك). ان الاشارة الى اسمي عامر عبد الله وعبد الجبار وهبي ضمن الاسماء العراقية المرتبطة بالادب الروسي في العراق هي ظاهرة جديدة وطريفة ومهمة في مسيرة وتاريخ الثقافة العراقية وتاريخها، ولم يسبق لنا ان تحدثنا حولهما، واود هنا ان اعبٌر عن شكري و امتناني للباحثة الميرا علي زاده لانها ذكٌرتنا بهذين الاسمين الكبيرين في هذا المجال، واتمنى ان يبحث المهتمون بهذا الموضوع عن هذا الكتاب المنسي وان يجدوه وان يعيدوا نشره لاهميته التاريخية والفكرية، ولكي يتسنى لنا دراسته من جديد، وتحديد قيمته الادبية والفنية في ضوء المستوى العلمي الحالي لمتطلبات الترجمة والنقد الادبي المعاصر وضوابطه، وهذه مسألة مهمة جدا بالنسبة لنا جميعا في الوقت الحاضر، وانا على قناعة تامة بامكانية كتابة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية ببغداد عن هذا الكتاب التاريخي المهم، اذ يمكن دراسة تلك المقدمة ومقارنة النصوص المترجمة مع النص الروسي للقصص .

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم