تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءة في كتاب

قراءة واقتباسات في كتاب: «مهزلة العقل البشري» لعلي الوردي

السعيد بوشلالق- كان أول إصدار لكتاب «مهزلة العقل البشري» في طبعته الأولى عام 1959، وفي طبعته الثانية عام 1994. صدر عن دار كوفان لندن، توزيع دار الكنوز الأدبية بيروت لبنان.

- الدكتور علي الوردي عالم اجتماع عراقي (1913 – 1995)

- يتكون الكتاب من مقدمة واثني عشر فصلاً وخاتمة، موزعة على 302 صفحة، الفصول عبارة على مقالات هي: (- طبيعة المدنية، - منطق المتعصبين، - علي بن أبي طالب، - عيب المدينة الفاضلة، - أنواع التنازع وأسبابه، - القوقعة البشرية، - التنازع والتعاون، - مهزلة العقل البشري، - ما هي السفسطة، - الديمقراطية في الإسلام، - علي وعمر، - التاريخ والتدافع الاجتماعي، - خاتمة المهزلة بعض رجال الدِّين.) أغلب هذه المقالات جاءت ردّاً على الكُتاب الذين انتقدوا ما جاء في كتابه “وعاظ السلاطين”، إذن هذا الكتاب «مهزلة العقل البشري» جاء دعماً وإسناداً للأفكار التي طرحها الدكتور علي الوردي في كتابه السالف الذكر. فالكاتب انتقد أصحاب البرج العاجي الذين أسماهم “الطَّوبَائيين”، الرافضين لأي تغيير فكري يُطرح على المجتمع.

- يقول علي الوردي في مقدمة كتابه «مهزلة العقل البشري»: (كتبتُ هذا الكتاب فصولاً متفرقة في أوقاتٍ شتى وذلك بعد صدور كتابي الأخير “وعاظ السلاطين”، وهذه الفصول ليست في موضوع واحد. وقد يؤلف بينها أنها كُتِبتْ تحت تأثير الضجة التي قامت حول كتابي الأخير. وأحسب أنها ستُرضي قوماً وتُغضِب آخرين. ولستُ أريد أن يرضى عني جميع الناس، فرضاً الناس غاية لا تنال… حسبي أن أفتح الباب للقراء لكي يبحثوا ويتناقشوا، والحقيقة هي في الواقع بنت البحث والمناقشة.) ص 07

- ويصب الدكتور علي الوردي جم غضبه على فئة مِن رجال الدِّين فيقول في مقدمة كتابه: (يحاول بعض المتحذلقين من رجال الدِّين ادعاء التجديد فيما يكتبون ويخطبون وتراهم لذلك يحفظون بعض الألفاظ والمصطلحات الحديثة يتلقفونها من المجلات والجرائد المحلية ثم يكررونها في كلامهم إذ يحسبون أنهم بهذا قد صاروا مجددين، ويحلو لبعضهم أن يُقال عنه أنه جمع بين القديم والحديث ثم يرفع أنفه مغروراً بهذا العلم العجيب الذي وعاه في صدره. ينبغي أن يفهم هؤلاء أن التجديد في الفكر لا يعني التشدق بالمصطلحات الحديثة، إنه بالأحرى تغيير عام في المقاييس الذّهنية التي يجري عليها المرء في تفكيره.) ص 09

- ويرى أنّ الفكرة ينبغي أن تكون عملية ممكنة التطبيق إذ (لا يكفي في الفكرة أن تكون صحيحة بِحدِّ ذاتها. الأحرى بها أن تكون عملية ممكنة التّطبيق. وكثيراً ما تكون الأفكار الّتي يأتي بها الطُّوبائيون مِن أصحابِ البرج العاجي رائعة ولكنها في الوقت ذاته عقيمة تضر النّاس أكثر مما تنفعهم.) ص 13

- ويدعو الكاتب إلى التّطور فيقول: (إنّ مِن المفاهيم الجديدة الّتي يؤمن بها المنطق الحديث هو مفهوم الحركة والتّطور. فكل شيء في هذا الكون يتطور مِن حال إلى حال ولا رادّ لتطوره. وقد أصبح مِن الواجب على الواعظين أن يدرسوا نواميس هذا التّطور قبل أن يُمطروا النّاس بوابل مواعظهم الرّنانة.) ص 13

- ويُخاطب الواعظين قائلاً:(على الواعظين أن يفحصوا قوة التّيار قبل محاولتهم أن يُقاوموه. إنّ عليهم بعبارة أخرى أن يفهموا أو أن يسكتوا.) ص 16

- نقاط على هامش كتاب: «مهزلة العقل البشري» لـ علي الوردي

- رغم أن كتاب «مهزلة العقل البشري» لعلي الوردي قد صدر في عام 1959 إلاّ أنِّي أجد روح مضمونه لا زالت تخيّم على عالمنا العربي والإسلامي في زمننا هذا، إذ أن المشاكل التي انتقدها الكاتب بقيت تشكل تهديداً من الماضي على حاضره ومستقبله..

- يبحث الكاتب في مواضيع اجتماعية لفهم الطبيعة البشرية، من خلال منطق علم الاجتماع..

- بعد قرأتي لهذا الكتاب أجد أنّ الكاتب كان أحرى به أن يخُص عنوان الكتاب فيسميه (مهزلة العقل الإسلامي) بدلاً من العقل البشري، فالعقل العربي والإسلامي قد تم مغالطته وخداعه طيلة القرون الماضية والزّجِّ به في أتون الصراع الطائفي المقيت الشِّيعي السُّنّي الّذي لا زالت انعكاساته السلبية معيقة تكبل الأمة وتسحبها إلى الخلف وتمنعها من الاندفاع في حركة التّاريخ. وكأن التّاريخ الإسلامي قد توقف نهائياً وتجمد دون حراك عند تلك المأساة القاسية التي تقاتل فيها المسلمين في موقعة صفين والجمل ومأساة كربلاء...

- النسبة الغالبة مِن محتوى الكتاب خصصها الكاتب للحديث عن ذلك الخلاف المفتعل الشِّيعي السُّني. أصوله وأسبابه وتفاعلاته.

2259 مهزلة العقل البشري- اقتباسات من كتاب: «مهزلة العقل البشري» لـ علي الوردي

1 - الفصل الأول: طبيعة المدنية

- (إن الاتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً، فاتحاد الأفراد يخلق منهم قوة لا يُستهان بها تجاه الجماعات الأخرى، وهو في عين الوقت يجعلهم عاجزين عن التطور أو التكيف للظروف المستجدة.) ص 20

- (الإنسان الّذي يعيش في مجتمع متحرك لا يستطيع أن يحصل على الطمأنينة وراحة البال الّتي يحصل عليها الإنسان في المجتمع الرّاكد. إنّه يُجابه في كُلِّ يوم مشكلة، ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلة أخرى.وهو في دأبٍ متواصل لا يستريح إلاّ عند الموت.) ص 21

- (إنّ النّفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التّطور الصّاخِب.) ص 21

- (يُخيل إلى بعض المغفّلين من المفكرين أن المجتمع البشري قادر على أن يكون مطمئناً متمسكاً بالتقاليد القديمة من جهة، وأن يكون متطوراً يسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الأخرى، وهذا خيال غريب لا ينبعث إلاّ في أذهان أصحاب البرج العاجي الذي يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه.) ص 22

- (يقول توينبي، المؤرخ المعروف، أن الصفة الرئيسية التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الإبداع. فالحياة البدائية يسودها التقليد بينما الإبداع يسود حياة المدنية.) ص 22

- (يعتقد السُّذج مِن المفكرين بأن مِن الممكن تجزئة المدنية. أي أنهم يظنون بأنهم قادرين على تنقية المدنية مِن شقائها وقلقها مع الاحتفاظ بإبداعها وتجديدها. وهذا رأي لا يستسيغه المنطق الحديث. فالمدنية كُلٌّ لا يتجزأ. فإن هي جاءت إلى مجتمعٍ جلبت معها محاسنها ومساوئها معاً. إنّ مِن المستحيل الفصل بين حسنات المدنية وسيئاتها.) ص 26

- (إنّ التّجديد في الأفكار هو الّذي يخشاه مشايخ الدِّين لا الأفكار ذاتها.) ص 28

2 - الفصل الثاني: منطق المتعصبين

- (إن الذين يُمارسون المنطق القديم في هذا العصر يُشبهون أولئك الأبطال، مِن طراز عنترة العبسي، الذين يهجمون بالسيف على جندي حديث يحمل بيده رشاشاً سريع الطلقات. فهم مهما تفننوا في إبداء ضروب البسالة والشّجاعة فإنّ الرّشاش يحصدهم في أرجح الظّن، حيث لا ينفعهم آنذاك بسالة ولا حماسة.) ص 38

- (إنّ مِن شرائط المنهج العلمي الدّقيق أن يكون صاحبه مشككاً حائراً قبل أن يبدأ بالبحث. أما أن يدّعي النظرة الموضوعية وهو منغمس في إيمانه إلى قمة رأسه فمعنى ذلك أنّه مُغفّل أو مُخادع.) ص 40

- (لم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من مكيدة الحق والحقيقة. ولست أجد إنساناً في هذه الدنيا لا يدعي حبّ الحق والحقيقة. حتى أولئك الظّلمة الذين ملأوا صفحات التّاريخ بمظالمهم التي تقشعر منها الأبدان. ولا تكاد تستمع إلى أقوالهم حتى تجدها مفعمة بحبِّ الحق والحقيقة. والويل عندئذ لذلك البائس الذي يقع تحت وطأتهم. فهو يتلوى من شدّة الظّلم الواقع عليه منهم بينما هم يرفعون عقيرتهم هاتفين بأنشودة الحق والحقيقة.) ص 41

- (إنّ مِن الظلم حقّاً أن نُعاقب النّاس على عقائدهم الّتي لُقِنوا بِها في نشأتهم الاجتماعية.) ص 43

- (كان القُدماء يصفون الدليل القوي الواضح بأنه الشمس في رابعة النّهار. ونسوا أنّ الشّمس نفسها على شدة وضوحها لا تصلح دليلاً كافياً لدى الإنسان إذا كان أعمى، أو إذا كانت الشّمس محجوبة عنه بغلافٍ سميك.) ص 45

- (العقل البشري لا يحس بوطأة الإطار الموضوع عليه إلاّ إذا انتقل إلى مجتمع جديد، ولاحظ هناك أفكاراً ومفاهيم مغايرة لمألوفاته السابقة، إنّه يشعر عندئذ بأنّه كان مثقلاً بالقيود الفكرية وأن فكره بدأ يتفتح.) ص 47

- (الإنسان كلما ازداد تجوالاً في الأفاق وإطلاعاً على مختلف الآراء والمذاهب انفرج عنه إطاره الفكري الذي نشأ فيه واستطاع أن يحرر تفكيره من القيود قليلاً أو كثيراً. وكلما كان الإنسان أكثر انعزلاً كلما كان أكثر تعصباً وأضيق ذهناً.) ص 47

3 - الفصل الثالث: علي بن أبي طالب

- (إنّنا ندرس التاريخ لكي نستفيد منه لحاضرنا ومستقبلنا. هذا هو مقصد الشُّعوب الحية من دراسة التّاريخ. ومن السخرية أن نتجادل على أمر مضى عليه ثلاثة عشر قرناً من غير أن ننتفع منه لحاضرنا أو مستقبلنا شيئاً... ونحن حين ندرس التّاريخ نريد أن نستشف منه تنازع المبادئ فيه، ونتخذ الأبطال رموزاً لتلك المبادئ.) ص 53

- (إن نظام الأكثرية الذي تقوم عليه الديمقراطية الحديثة لم يقم إلاّ بعد توافر شروط عديدة، أهمها: انتشار التعليم ووعي الرأي العام وتكون الأحزاب السياسية وارتفاع شأن الصحافة وما أشبه... وكلما اشتد وعي الناس وانتشر التعليم ازدادت مقدرة الأكثرية على أن تفرض رأيها على الحكام.)  ص 57

- (إن المسلمين اليوم، يدرسون التّاريخ لكي يعرفوا أنّ فلاناً كان أشجع وأعلم وأفضل مِن فلان، لا يزيدون على ذلك شيئاً. بينما هم سادرون في وضعهم الاجتماعي السيئ، فلا يحاولون أن يعتبروا بما في التّاريخ مِن عظاتٍ بالغات.) ص 58

- (يُحكى أن رجلاً كان كثير البُكاءِ على الحسين بن علي – رضي الله تعالى عنهما – وكان لا يفتأ حين يذكر الحسين أن يقول: ليتني كنت معه فأفوز فوزاً عظيماً. وشاء القدر أن يرى هذا الرّجل الحسين في منامه وهو مُحاطٌ بالأعداءِ مِن كلِّ جانبٍ، وحيداً يستغيث فلا يُغيثه أحد. ونظر الرّجلُ إلى الجيشِ العرمرم الّذي كان يُحاصرُ الحسين في كربلاء وسيوفه تلمعُ في الفّضاء وقد امتلأتْ ساحة المعركة بِجُثثِ القتلى تسيل منها الدِّماء. عند ذاك أدرك الرّجل شدّة الخطر المحيط بالحسينِ وبِمَن يُريد أن ينصره. فخفض الرّجلً رأسه وأخذ يُهرولُ بين التِّلال مخافة أن يراه الحسين فيستدعيه لنصرته. ولكن الحسين رآه على أي حال فاستدعاه وأعطاه دِرعاً وسيفاً وطلب منه أن يُناضل دونه. ولم يكد صاحبنا يستلم الدِّرع والسّيف، حتى أطلق ساقيه للرِّيح لا يلوي على شيءٍ. إنّه لم يكتف بِخذلان الحسين، بل سرق سيفه ودرعه أيضاً مع الأسف الشّديد.) ص 58

- (كلنا ننادي بالحق والحقيقة عندما نخطب أو نتجادل أو نتلو القصائد الرنانة. ولكننا نفعل ذلك لأننا نشعر في قرارة أنفسنا بأن هذه الأقوال التي نتشدق بِها سليمة لا ضرر منها ولا مسؤولية عليها. حتى إذا جد الجد وصار الحق معارضاً لما نحن فيه أسرعنا إلى جعبتنا المملوءة بالأدلة العقلية والنّقلية فاخترنا منها ما يُلائم موقفنا وصورّنا الحق بالصُّورة الّتي ترضينا. ثم لا ننسى بعد ذلك أن نواصل تلاوة القصائد الرّنانة مِن جديد.) ص 58

- (أصبح النّاس اليوم يَلهجون بحبِّ علي ويتغنون بأماديحه فلا يعترض عليهم أحد. وبهذا نسي النّاس الوضع الدّقيق الّذي كان حُبُّ علي فيه يعني السِّجن والعذاب أو ضياع النّفس والمال. ترك النّاسُ علياً في حياته ثُمّ تمسكوا به بعد وفاته وتلك هي المأساة الكبرى!.) ص 66

- (إذا اتسعت الفجوة بين الحاكم والمحكوم صار المحكوم يعاكس كل دعوة يدعو إليها الحاكم. والمحكوم يجد نفسه آنذاك مدفوعاً إلى الغُلو في حُبِّ أي شخص يكرهه الحاكم أو يدعو إلى سبِّه.) ص 67

4 - الفصل الرابع: عيب المدينة الفاضلة ّ

- (كلّ إنسان ميال إلى الاستبداد والظلم حين يُترك على دست الحكم مُنفرداً يحكم كما يشاء. يقول الإمام علي: “مَن ملك استأثر”. وهذه كلمة تُفصح عن طبيعة الإنسان إفصاحاً بليغاً.) ص 71

- (قيل أن شخصاً علم القطط أن تحمل الشُّموع له على مائدة الطّعام. فجاء أحد ضيوفه وهو يحمل في جيبه فأراً ثُمّ أطلقه على المائدة. وسرعان ما انطلقت القطط وراءه ورمت بالشُّموع على المائدة لتحرقها وتحرق مَنْ كان يأكل منها. إنّ الذي يُريد أن يُغير طبيعة الإنسان بواسطة الموعظة والكلام المجرد لا يختلف عن الذي علّم القطط حمل الشُّموع. فالنّاس يستمعون له ويتأدبون أمامه ويسيرون بين يديه بوقارٍ كأنهم أنبياء. ولا تكاد ترمي لهم بشيء ثمين حتى ينطلقوا وراءه متكالبين، إذ ينسون ما قال لهم الواعظ وبماذا أجابوه.) ص 71

- (لعلنا لا نُغالي إذا قلنا أن معظم أفكار القدماء هي أفكار رائعة وجميلة ولكن فيها عيب كبير هي أنها غير عملية.) ص 73

- (إذا رأينا فكرة جميلة لا يتبعها النّاس على توالي الأجيال فمعنى ذلك أنّ العيب فيها لا في النّاس.) ص 74

- (كلما ازداد الإنسان غباوة ازداد يقيناً بأنه أفضل مِن غيره في كلّ شيء.) ص 75

- (الإنسان مجبولٌ أن يرى الحقيقة مِن خلال مصلحته ومألوفات محيطه. فإذا اتحدت مصلحته مع تلك المألوفات الاجتماعية صعب عليه أن يعترف بالحقيقة المخالفة لهما ولو كانت ساطعة كالشّمس في رابعة النّهار.) ص 76

- (الحياة، عبارة عن تفاعل وتناقض وتنازع. ولولا ذلك لما كان هناك شيء اسمه حضارة أو مجتمع.) ص 77

- (الدِّيمقراطية عادة اجتماعية قبل أن تكون فكرة طوبائية. ونحن نحتاج إلى ممارسة تلك التّجارب القاسية جيلاً بعد جيل، فنقوم بِها ونقع عدة مرات، حتى يتغلغل منطق الدِّيمقراطية في صميم مفاهيمنا وتقاليدنا، وعندئذ نخرج مِن قوقعتنا الفكرية القديمة إلى عالم واسع يكون فيه التّنازع والتّعاون صنوين لا يفترقان.) ص 84

5 - الفصل الخامس: أنواع التّنازع وأسبابه

- (الإنسان مجبول على التّنازع في صميم تكوينه فإذا قلّ التّنازع الفعلي في محيطه لجأ إلى اصطناع تنازع وهمي..) ص 88

- (إن التّنازع صفة أساسية في الطّبيعة البشرية. حتى التّعاون ما هو إلاّ صورة مِن صور التّنازع. فالإنسان يتعاون مع بعض النّاس لكي يكون أقدر على التّنازع ضد البعض الآخر.) ص 89

- (الإنسان مجبول قان يرى في نفسه الفضل أو الامتياز على أقرانه في أمر مِن الأمور. فهو إذا وجد النّاس يحترمون أحد أقرانه لصفةٍ ممتازة فيه، حاول أن يُنافسه فيها. فإذا عجز عن ذلك ابتكر لنفسه المعاذير وأخذ يقول بأنّ تلك الصِّفة لا أهمية لها، وأنّ هناك صفة أخرى أهم منها وأنفع للمجتمع. ثُمّ يحاول أن ينسب هذه الصِّفة الأخرى لنفسه لكي يشعر مِن جرائها بالامتياز على وجه مِن الوجوه.) ص 94

- (يعزو كارفر التّنازع البشري إلى سببين. أولهما هو استحالة إشباع الحاجات البشرية كلها، وثانيهما هو حُبُّ الإنسان نفسه وتقديره لها أكثر مما يستحق.) ص 95

- (إن رجال الدِّين يغفرون للسلاطين حين يرونهم يتنافسون على الإمارة ويتكالبون ويتنازعون، ويطلب كل منهم زيادة نصيبه على حساب الآخرين. فهم يغفرون لهم ذلك ولكنهم لا يغفرون لعامة النّاسِ أن يطالبوا وأن يحتجوا وأن يسعوا في سبيل المزيدِ مِن كل شيء.) ص 99

- (إن وعاظ السّلاطين يذمُّون كلّ فتنة تقوم في وجه السُّلطان، فإذا نجحت تلك الفتنة واستتب لها الأمر أخذ الواعظون يطلبون مِن النّاسِ إطاعة السُّلطان الجديد وينسون بذلك طاعة وِليّ أمرهم السابق..) ص 100

6 - الفصل السادس: القوقعة البشرية

- (الإنسان كما نلاحظه اليوم، أناني يعيش داخل قوقعته الذّاتية، وهو لا يرى الحقيقة إلاّ مِن خلال هذه القوقعة المُحصّنة.) ص 104

- (إنّ كلّ طائفة مِن النّاسِ تعتقد أنّ ثقافتها هي الصّحيحة وأنّ قيمها الاجتماعية هي المعيار الثابت الذي يميز به الحق عن الباطل. والإنسان الذي ينشأ في مجتمع معين لا بد أن يتأثر بمقاييس ذلك المجتمع مِن حيث يشعر أو لا يشعر.) ص 104

- (إنّ القوقعة البشرية تكون في أوج قوتها أثناء سنوات الطُّفولة الباكرة. فالطِّفل إذ يرى الدُّنيا بمنظار عواطفه وملذاته. وهو لا يستطيع أن يُفرِّق بين الحقيقة الموضوعية وبين عاطفته نحوها. فالحسن في رأيه حسن لأنه محبوب لديه أو لذيذ. والحسن ينقلب قبيحاً حالما يصير مكروهاً أو مؤلماً... يكبر الطِّفل وينضج عقله وقد يُصبح مِن المُحنكين أو الحُكماء ولكن بقية من هذه النظرة القوقعية تبقى في قرارة نفسه قليلاً أو كثيراً. وكلما ازدادت حنكة الإنسان وتجاربه ضعفت فيه تلك النظرة ولكنها لن تموت أبداً.) ص 105

- (يصعب على الإنسان أن يتخلص من قوقعته الذّاتية مهما حاول. فهي تكتنفه مِن حيث لا يشعر بِها، إنّها تجعله يضخم محاسنه الخاصة في الوقت الذي يضخم فيه مساوئ منافسيه وخصومه.) ص 106

- (الإنسان مجبول أن ينسى مساوئه ويتذكر محاسنه تذكراً لا يخلو مِن مبالغة.) ص 106

- (مزية الفلاسفة أنهم يتكلمون فلا يرد عليهم أحد مخافة أن يتهمه النّاس بالغباوة أو الغفلة أو الجهل.) ص 110

7 - الفصل السابع: التّنازع والتّعاون

- (يقول ابن خلدون: إنّ التّنازع عنصر أساسي مِن عناصر الطبيعة البشرية. فكُل إنسان يُحِبّ الرئاسة وهو لا يتردد عن التّنازع والتّنافس في سبيلها إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك.) ص 115

- (إن المجتمع البشري لا يمكن أن يخلو مِن تنازع كما لا يُمكن أن يخلو مِن تعاون. كلا الأمرين متلازمين في حياة النّاس. ولا يمكن أن يظهر أحدهما إلاّ ويظهر الآخر معه ليحد منه ويتمم وجوده. إنّ التّنازع والتّعاون هما دعامتا الاجتماع البشري.) ص 116

- (إنّ التّنازع والتّعاون متلازمان في الإنسان لا ينفك احدهما عن الآخر. فلا يستطيع الإنسان أن يتنازع مع جميع النّاس إلاّ إذا كان مُصاباً بعلةٍ نفسية. إنّه حين يتنازع مع فريقٍ يجد نفسه مُضطراً إلى التّعاون مع فريق آخر. وهكذا تنشأ الجماعات والأحزاب والكتل السياسية والفرق الدِّينية. وكلما لاحظت نِزاعاً في جانبٍ فاعلم أنّ هناك تعاوناً في جانبٍ آخر.) ص 118

- (لا شك أن التنازع مُضرٌ بالإنسان ولكنه نافع له أيضاً. فهو الذي يحفِّز الإنسان نحو العمل المثمر والإبداع. وبِه يشعر الإنسان بأنه حي ينمو. فلو كان الناس متآخين إخاءً تاماً، يبتسم بعضهم لبعض ويعانق بعضهم بعضاً ثم يذهب كل منهم في طريقه من غير منافسة أو تكالب لشعروا بأن الموت خير لهم من هذه الحياة الرتيبة.) ص 118

- (المجتمع الذي تسوده قوى المحافظين يتعفن كالماء الرّاكد. أما المجتمع الذي تسوده قوى المجددين فيتمرد كالطُّوفان حيث يجتاز الحدود والسُّدود.. والمجتمع الصّالح ذلك الّذي يتحرك بهدوء فلا يتعفن ولا يطغى، إذ يتوازن فيه قوى المحافظة والتّجديد فلا تطغى إحداهما على الأخرى.

إنّ المحافظين يدعون دوماً إلى صيانة التّماسك الاجتماعي. وهم يُقدسون وحدة الجماعة ويُكفِّرون من يشق عصا الطّاعة عليها. أما المجددون فيدعون مِن جانبهم إلى التّطور أو الثورة ولا يُبالون بوحدة الجماعة بمقدار ما يُبالون بالتكيف أو التّقدم.) ص 120

- (يقول مانهايم: إن الأفكار البشرية على نوعين متضادين:

1 – الأفكار المحافظة التي تؤيد النِّظام القائم وهو يُسميها Ideologies .

2 – الأفكار المعارضة التي تدعو إلى نظام مثالي وهو يُطلق عليه Utopias.

ويذهب مانهايم إلى أنّ أصحاب المصالح القائمة هم دعاة مِن أولي الأفكار المحافظة. فهم يدعون إلى تدعيم الواقع الرّاهن، فليس في الإمكان أبدع مما كان. وكلّ إصلاح يُعد في رأيهم مُربِكاً للمجتمع ومقلقاً لنظامه القائم.) ص 127

8 - الفصل الثامن: مهزلة العقل البشري

- (ثبت اليوم أنّ العقل البشري صنيعة مِن صنائع المجتمع. وهو لا ينمو أو ينضج إلاّ في زحمة الاتصال الاجتماعي... إنّ أي إنسان لا ينمو عقله إلاّ في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له.) ص 133

- (إن من مزايا هذا العصر الذي نعيش فيه هو أن الحقيقة المطلقة فقدت قيمتها وأخذ يحل محلها سلطان النسبية فما هو حق في نظرك قد يكون باطلاً في نظر غيرك. و ما كان جميلاً أمس قد ينقلب قبيحاً اليوم . كل ذلك يجري في عقلك وأنت ساهٍ عنه كأن الأمر لا يعنيك.) ص 134

- (ليس مِن الممكن أن نقول عن شيء أنّه غير معقول بمجرد أن نراه مخالفاً لمألوفاتنا السابقة. إنّ ما نقول عنه اليوم أنّه غير معقول، قد يُصبح معقولاً غداً.) ص 143

- (إنّ الحقيقة ليست إلاّ فرضية يفترضها الإنسان كي يستعين بها على حل مشكلات الحياة. فالحقيقة المطلقة غير موجودة وإن هي وجدت فالعقل لا البشري لا يفهمها أو هو لا يريد أن يفهمها لأنها لا تنفعه في الحياة. إنّ الإنسان في حاجة إلى الحقيقة النسبية التي تساعده على حل مشكلاته الراهنة. و كثيراً ما يكون الوهم أنفع له من الحقيقة المطلقة المعلقة في الفراغ.) ص 146

- (المنطق الحديث قد أنكر وجود الحقيقة المطلقة عملياً ونظرياً، وهو يرى في كلِّ فكرةٍ جانباً مِن الصواب في حدود الإطار الخاص بها. والفكرة الّتي هي مغلوطة في نظرك قد تكون صحيحة في نظر غيرك لأنه يراها بمنظاره الّذي فرضه المجتمع عليه أو فرضته مصالحه الخاصّة أو عقده النفسية.) ص 151

9 - الفصل التاسع: ما هي السّفسطة؟

- (مِن محاسن السّفسطة أنّها غير منافقة. فهي تؤمن بالحقيقة النسبية قولاً وفعلاً. أمّا أصحاب المنطق القديم فهم يؤمنون بالحقيقة المطلقة نظرياً ويخالفونها عملياً... فكل فريق يُدافع عن الحقيقة التي يشتهيها ثُم يدعي بعد ذلك أنه من طلاب الحقيقة الخالدة التي تصلح لكل زمان ومكان.) ص 153

- (يجب أن لا ننسى أن الطُّغاة الذين كانوا يشترون آلاف الجواري بأموالِ الأمة كانوا يجدون حولهم عدداً كبيراً مِن الفقهاء العظام يؤيدونهم فيما يفعلون ويأتون بالأدلة العقلية والنّقلية للبرهنة على أن ذلك موافق لما أمر الله به رسوله.) ص 154

- (كان أفلاطون يرى بأن العدل عبارة عن فكرة مجردة يمكن الوصول إليها عن طريق التّفكير السّليم. أما السفسطائيون فكانوا على العكس من ذلك يرون العدل من صنع التّاريخ ونتيجة من نتائج التفاعل الاجتماعي. ومعنى هذا أن العدل ليس فكرة مجردة قائمة في الفراغ، إنّما هو صنيعة التّطور التّاريخي ولا تعينه إلاّ حجة البشر المساهمين في تكوين التّاريخ.) ص 155

- (ذهب السفسطائيون إلى أن الحقيقة هي تناقض ونزاع. فكل إنسانٍ يرى الحقيقة حسبما تقتضيه مصالحه وشهواته، وبتنازع هذه الحقائق الفردية تنبعث الحقيقة الوسطى التي تنفع النّوع الإنساني بوجه عام. ولو أن القدماء فهموا هذه النظرية السفسطائية حق فهمها وأعطوها ما تستحق من عناية لاختفى جزء كبير من الظلم الذي كان يعج به التّاريخ القديم.) ص 155

- (كان الفكر البشري، ولا يزال، محتاجاً إلى نوعين مِن الآراء يتنازعان ويتفاعلان: الآراء الأفلاطونية والآراء السوفسطائية. تلك تصعد به إلى السّماء وهذه تنزل به إلى الأرض. وعند هذا يتضح للبشر ماهية الحقيقة مِن كلتا وجهتيها.) ص 166

- (رأيت ذات يوم رجلاً من العامة يستمع إلى خطيبٍ وهو معجبٌ به أشدّ الإعجاب. فسألته: ماذا فهمت؟ فأجابني وهو حانق: وهل أستطيع أن أفهم ما يقوله هذا العالم العظيم!. يظن هذا المسكين أن من شروط العظمة في الفكر أن يكون غامضاً غير مفهوم، فإذا اتضح كلامه وأدرك المستمعون معناه بسهولة، إنحط من مكانته العالية التي كان فيها.) ص 167

- (إنّ العدل لا يتأتى إلاّ إذا توازنت قوى الخصوم المتضادة، وكلما تعادلت هذه القوى كان ذلك ادعى إلى العدلِ وأكثر قُرباً منه. ومعنى هذا أن العدل «صيرورة اجتماعية» أكثر مما هو فكرة مطلقة معلقة في الفراغ.) ص 170

10 - الفصل العاشر: الدِّيمقراطية في الإسلام

- (بدأ الإسلام في أول أمره نظاماً ديمقراطياً ولكن الدِّيمقراطية اختفت منه بعدما رفع معاوية المصاحف وقال للمسلمين: تعالوا نحتكم إلى كتاب الله. وكانت نتيجة الاحتكام إلى كتاب الله أن تولى يزيد أمر المسلمين وقال:

لعبت هاشم بالملك فلا    خبر جاء ولا وحي نزل.) ص 178

- (يُروى أن أبا بكر اعتاد قبل خلافته أن يحلب للضعفاء من جيرانه أغنامهم كرماً منه ورفقاً بهم. فلما تولى الخلافة سمع جارة له تقول: «اليوم لا تحلب لنا...» فقال: «لعمري لأحلبنها لكم...» وأخذ يحلبها فعلاً. وشتم رجل أبا بكر شتماً مقذعاً فقام أبو برزة يقول: «يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه.» فأجابه أبو بكر: «اجلس. ليس ذلك لأحد إلاّ لرسول الله.») ص 178

- (والأعجب من هذا أن عبد الله بن عمر أبى أن يُبايع علياً ثم طلب الإذن بالسفر. فلما طولب بكفيل يكفله، أبى أن يأتي به، فقام الإمام يكفله بنفسه. ولم يشهد التّاريخ حاكماً يكفل رجلاً أبى بيعته ورفض أن يُطيعه. وتلك لعمري آية مِن آيات الدِّيمقراطية يعجز عن الإتيانِ بها كثيرٌ مِن النّاسِ.) ص 179

- (يقول عباس محمود العقاد: أن النِّزاع بين علي ومعاوية لم يكن خلافاً على شيء واحد يتجسم فيه النِّزاع بانتصار هذا أو ذاك، ولكنه كان خلافاً بين نظامين متقابلين وعالمين متنافسين: أحدهما يمثل الخلافة الدِّينية والآخر يمثل الدّولة الدُّنيوية.) ص 185

- (كل حركة اجتماعية في التّاريخ بانية وهادمة في آن واحد. فهي تهدم النِّظام القديم لكي تحل محله نظاماً جديداً أقرب إلى روح العدل مما مضى.) ص 197

- (لقد استبدلت الدِّيمقراطية الحديثة مبدأ الحكم الإلهي بمبدأ المحاسبة والمراقبة كما قال مونتسكيو. وأصبح الحاكم اليوم فرداً من النّاس تستخدمه الأمة في شؤونها العامة فإذا رأت منه اعوجاجاً صفعته على وجهه وأنزلته عن كرسيه الوثير.) ص 199

- (إنّ الثّورة في مفهومها العلمي كما قال هبرله، لا تعني العُنف بالضّرورة. فالجالس في بيته قد يُعدُّ ثائراً إذا كان مؤمناً بحقوق الإنسان كما جاءت بها الثورة الفرنسية أو غيرها من الحركات الاجتماعية الكبرى.) ص 200

11 - الفصل الحادي عشر: علي وعُمر

- (مشكلة العقل البشري أنّه إذا ركز انتباهه على مناقب شخص أو على مثالبه، استطاع أن يأتي منها بشيء كثير. فهو إذا أحبّ شخصاً استطاع أن يجعل كلّ أعماله مناقب، وإذا أبغضه حولها إلى مثالب.) ص 204

- (الأجانب حين يقرؤون تاريخ الإسلام الأول يجدون الصّفاء تاماً بين علي وعُمر. فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عُمر. وكان عُمر يستشير علياً في كثيرٍ من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عُمر في حياته وبعد مماته.) ص 205

- (لا شك عندي أن عُمر كان يُريد الخلافة لنفسه، وقد سلك من أجل هذا الغرض سبلاً شتى. ولكنه عندما تولى الخلافة أحسن التّصرف بها وكان فيها إماماً عادلاً يندر أن يظهر في التّاريخ له مثيل. والظّاهر أن علياً غضب من عُمر في أول الأمر ثُمّ رضي عنه عندما وجده عادلاً لا يخشى في الحقِّ لومة لائم. عقيدتي في علي بن أبي طالب أنّه لا يُريد الخلافة من أجل مصلحته الخاصّة. إنّما كان يُريدها لكي يُحقق بها مبادئ الثائر الأعظم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولهذا وجدناه مِن أكثر النّاسِ انقياداً واحتراماً ونُصحاً لأبي بكر وعُمر. فقد وجدهما يفعلان ما يُريد أن يفعله هو بالذّات. فإذا حصل الغرض زال سبب الخُصومة.) ص 206

- (الواقع أنّ علياً وعُمر وأبا بكر كانوا من حزب واحد، هو حزب الثّورة المحمدية. ولهذا وجدناهم يُناوئون قُريشاً ويُفضلون عليها سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصُهيب الرُّومي. أما ما حدث بينهم مِن خُصومةٍ طفيفة في يومٍ مِن الأيامِ فلا يستوجب أن يكون شعاراً لنزاعٍ اجتماعي عام يقتتل النّاس فيه ويتلاعنون.) ص 207

- (عيب مؤرخينا أنّهم ينظرون في الحوادث الماضية بمنظارهم الحاضر ويقيسونها بمقياس عصرهم. وهذا هو سبب عجزهم عن حلِّ كثيرٍ مِن الألغاز الّتي انطوت عليها صفحات التّاريخ. المؤرِّخ الحقيقي هو الّذي يعيش في الوقائع الّتي يدرسها ويجعل مِن نفسه أحد القائمين بها، ويُشّبع ذهنه بالمفاهيم الّتي كانت سائدة فيها.) ص 207

- (الإنسان لا ينسى آلامه الماضية بسهولة.) ص 210

- (إنّ المفاهيم المنطقية لا تُقنع إلاّ أصحابها أما النّاس فلهم مفاهيم أخرى. ومَنْ يُريد أن يُطبق أقيسة المنطق في أُمور المجتمع باء بالفشل الذّريع.) ص 211

- (إن التّجاوب النّفسي بين الحاكم والمحكوم أمر ضروري في قيام العدل الاجتماعي. وإذا نشأت الفجوة بينهما ضاعت المقاييس وتبعثرت المواهب والكفايات حيث تمسي لا فائدة منهما.) ص 218

- (النّاس لا يثورون مِن جراء ظلم واقع عليهم. إنّما يثورون مِن جراء شُعورهم بالظُّلم. فالشُّعور بالظُّلم هو أعظم أثراً في النّاس مِن الظُّلم ذاته.) ص 220

- (نحن ندرس التّاريخ لكي نستفيد منه في تثّقيف أنفسنا وترّبية أبنائنا. وإذا درَسناه في سبيل التّعصب لرجلٍ دون النّظرِ في مبادئه كان ذلك دليلاً على أنّنا دُعاة شعوذة لا دُعاة إصلاح.) ص 235

12 - الفصل الثاني عشر: التّاريخ والتّدافُع الاجتماعي

- (دأب المؤرخون القدماء على النّظر في التّاريخ مِن ناحية واحدة وإهمال النّاحية الأخرى منه. فهُم ينظرون مِن ناحية الملوك ويُهملون ناحية الشُّعوب.

والّذي يقرأ التّاريخ من هذه النّاحية «الملوكية» لا يُفهم منه غير الإعجاب بما تم على يد السّلاطين المترفين مِن فتح عريض وعمران باذخ. وهو إذن لا يُبالي بما عانت الشُّعوب المحكومة مِن استعباد وحرمان.  فهو يحسبها كالأغنام لا إحساس لها. فإذا ثار ثائرٌ منهم قال المؤرخون عنه أنّه يُريد إفساد الأرض وتمزيق شمل الأمة.

يأخذ المؤرخون وجهة نظر الحاكم وينسون وجهة نظر المحكوم. ولهذا يصح أن نصف التّاريخ القديم بأنّه أعرج يمشي على قدمٍ واحدة. ويؤسفنا أن نرى كثيراً مِن المؤرخين في هذا العصرِ يكتبون على هذا المِنوالِ القديم، وكأنهم لا يزالون كأسلافهم يعيشون على فضلات موائد الحكام وينتظرون جوائزهم.

إنّ التّاريخ البشري في الواقع عبارة عن صيرورة وحركة دائبة. والحركة لا تظهر إلاّ إذا كان فيها تفاعل بين عاملين متعاكسين. فالعامل الواحد معناه السُّكون والجمود.) ص 251

- (إن معظم المؤرخين القدامى يكتبون التّاريخ في هذا الضّوء. فهم يحمدون للسلاطين ما فتحوا وما عمروا، ويشجبون الشُّعوب المفتوحة على ما شكوا منه أو ثاروا له. فالتّاريخ عندهم عبارة عن سجل للفتح والعمران. أما المبادئ التي نادى بِها الثائرون فهي زندقة أو دعوة إلى الشّغب والفوضى.) ص 252

- (إنّ الكتب المدرسية عندنا تعلم التّلاميذ على أن يكونوا ضُباطاً عسكريين، لا عُلماء باحثين. فهي تُصوِّر لهم التّاريخ بصورة زاهية مملوءة بأدوات التّرف والغالبة. أما شعور المغلوب الّذي ملأ الزّمان بأنينه وشكواه فهو بعيدٌ عن مخيلة التّلاميذ. ولعلهم يحسبونه غير مُحِق في الحياة. ومن كان ضعيفاً أكلته الأقوياء!.) ص 253

- (إنّ الأفكار السُلطانية نشرها بين المسلمين أولئك الكُهان الّذين عاشوا على فضلات موائد المُترفين، إذ هي أفكار تُخدِّر عقول المسلمين وتجعلهم يرضخون لجور حكامهم ويُهملون ما جاء به القرآن من مبادئ الحركة والتّدافع الاجتماعي. ولو فهم المسلمون مقاصد القُرآن حقّ فهمها لما استطاع السّلاطين أن يستغلوها باسم الدِّين أو يتلذذوا بأمر الله. الواقع أن كثيراً مِن خلفاء المسلمين لا يختلفون عن فرعون إلاّ قليلاً. فهم مترفون سفاكون وحجتهم في ذلك: «إنّا وجدنا آباءنا على ملة وإنّا على آثارهم مقتدون».) ص 254

- (يقول نيتشه: «الدين ثورة العبيد». ويقول ماركس: «الدين أفيون الشعوب». وفي الحقيقة إنّ الدِّين ثورة وأفيون في آن واحد. فهو عند المترفين أفيون وعند الأنبياء ثورة. وكل دين يبدأ على يد النبي ثورة ثم يستحوذ المترفون عليه بعد ذلك فيُحولونه إلى أفيون. وعندئذ يظهر نبي جديد فيعيدها شعواء مرة أخرى.) ص 255

- (إنّ كل دين يحتوي على ظاهر وباطن. أمّا باطنه فيتمثل بالمبادئ الاجتماعية التي دعا إليها النّبي في أول أمره. ولا يكاد يمر الزّمن على الدّين حتى يستلم زمامه الكُهان. وعندئذ ينسى النّاس مبادئ الدّين الأولى ويهتمون بالطُّقوس الشّكلية. إذ يتخيلون الله كأنّه سلطان من السّلاطين لا يريد من رعيته سوى إبداء الخضوع له ولا يبالي فيما سوى ذلك بشيء.) ص 257

- (يقول الحسين بن علي - رضي الله عنهما -: «النّاسُ عبيدُ الدُّنيا، والدِّين لعق على ألسنتهم، يحطُّونه ما درت معائشهم، فإذا مُحِصوا بالبلاء قلّ الدّيانون.» وهذه حكمة اجتماعية يجب على الباحث المحايد أن يضعها أمام نظره حين يدرس تاريخ أمة مِن الأمم.) ص 266

- (إنّ الدِّين له دوره في التّاريخ، كما أنّ للدّولة دورها فيه. ومن ينبغي أن يدرس التّاريخ بمنظار أحدها ويُهمل المنظار الآخر كان كمن يشتهي مِن التّاريخ أن يقف. وهذا مستحيل.) ص 267

- (إن الدِّين والدّولة أمران متنافران بالطبيعة. فإذا اتحدا في فترة من الزّمن كان اتحادهما مؤقتاً ولا مناص من أن يأتي عليهما يوم ويفترقان فيه. وإذا رأينا الدِّين ملتصقاً بالدّولة زمناً طويلاً علمنا أنه دين كهان لا دين أنبياء.) ص 267

- (إنّ الإنسان لا يطلب الحق مِن أجل الحق ذاته. فالحق سلاح يستخدمه الإنسان في حاجاته أكثر مما هو هدف مطلق يقصده لذاته. وحين يتنازع النّاس حول حق مِن الحقوق، إنّما هم ينشدون به مصالحهم الخاصّة. فإذا تناقض الحق مع المصلحة كانت المصلحة أولى بالإتباع. والإنسان حين يسعى وراء مصلحته الخاصّة يُغطي سعيه ببرقع مِن الحجج المثالية ليُدعم بها موقفه.) ص 272

- (يحتفل الشِّيعة في أيامنا هذه بمقتل الحسين احتفالاً ضخماً. فهم يذرفون فيه الدّمع الغزير، ويلطمون الصُّدور والظّهور ويجرحون الرؤوس. ولنا أن نقول إنّ احتفال الشِّيعة هذا قد أمسى «طقوسياً» ليس فيه مِن روحه الثّورية الأولى شيئاً. يبكي أحدهم على الحسين في مجلس التّعزية ثم لا يبالي بعد ذلك أن يسير في النّاس سيرة يزيد. وإنِّي لأنظر أحياناً إلى بعض المتزعمين الّذين يتصدرون المواكب أو يقيمون الولائم باسم الحسين، فأراهم لا يختلفون في أخلاقهم عن بني أمية ولست أستبعد مِن أحدهم أن يقتل الحسين حين يأمره يزيد أو يغمز له معاوية. إنّهم يبكون على الحسين في شهر محرم ثُمّ يقتلونه في الأشهر الأخرى.

أسس هذه الطُّقوس بنو بويه. وهم سلاطين يريدون أن يدعموا ملكهم بها. وبهذا انقلبت تلك الشّهادة الكُبرى إلى ألعوبة يلهو بها السّلاطين ويضحكون بها على ذقون النّاس.) ص 287

- (صار المسلمون لا يفهمون مِن الدِّين سوى القيام بالطُّقُوس الشّكلية، ثُم يرفعون أيديهم بالدُّعاء: «اللهم انصر الدِّين والدّولة». أمسى الدِّين والدّولة في نظرهم شيئاً واحداً. فالمعارض للدّولة هو عدو الدِّين، والمصلح الدِّيني هو معارض للدّولة. ولم يبق لسلطان المسلمين إلاّ أن يقول ما قال فرعون: «أنا ربكم الأعلى!».) ص 288

13 - خاتمة المهزلة: بعض رجال الدِّين

- (دأب رجال الدِّين عندنا على اعتبار قومهم خير الأقوام. ولهذا نراهم لا يعرفون مِن دنياهم سوى تمجيد عقائد قومهم وثلب عقائد الآخرين. فهم يرون الفضيلة في التّعصب الطّائفي أو القومي أو القبلي. والفاضل في نظرهم هو الّذي يُدافع عن طائفته في الحقِّ والباطل، وينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً.) ص 296

- (إنّ رجال الدِّين يُمثلون الدِّين في نظر النّاس. وكلّ عمل سيء يقترفونه إنّما يهدمون به الدِّين مِن حيث لا يشعرون. فالإنسان مجبول على تقدير الأمور بمظاهرها. ومظهر الدِّين أصبح منوطاً برجال الدِّين، فإذا ساء مظهرهم ساء مظهر الدِّين معهم. وقد مقتاً عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون!.) ص 298

- (الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد.) ص 300 .

 

أ. السعيد بوشلالق

 

 

في المثقف اليوم