قراءات نقدية

نص حنجرة بطعم الشمس .. شعرية الحمولة النفسية عند تقاطعات بصرية ـــ سمعية

ahmad alshekhawiلا شك في أن التجربة الشعرية للمبدع الريادي شينوار إبراهيم ـــ عموما ــــ تكتسحها اتجاهات الحجاج الهادئ كـــوبر للتيارات النفسية الغاضبة في إدانتها للحاكم الفاشل المستبد والمحرك الأول لدمى راهن التناقضات والفوضى و الدموية و الزيف.

شعرية عالمية منفتحة و متفرّدة تقترح القصائد وتقدّمها للمتلقي على أنها مجموعة وحزمة عوالم لا متناهية تتداخل وتتكامل لتستنطق المكنون وتفضحه وترسم آفاقا على قدر الكامن في الذات من أصوات غاضبة متمردة على الظرفية بمنأى عن الأحقاد العرقية أو الإيديولوجية أو العقدية.

شعرية راقية تتخطى لغة اللوحة وشتى خطابات ألوان الحلّة القزحية الصامتة كوجبة جمالية للعين والروح على حدّ سواء، تجتاز كل ذلك لتلامس بل وتُغرق في فضاءات رمزية كما ينسجها ويؤثث لها الصوت الداخلي الصاعق والمنحاز إلى صفوف خدمة الهمّ الإنساني والتّرسيخ لمنظومة قيمية على رأسها الحرية وحق المواطنة والكرامة.

والمادة التي نحن بصدد مقاربة نسبية لها، تؤكد الطرح السابق وتدعمه وتتناغم مع نظريتنا المروجة لخصوصية شاعرنا وتميّزه بتعبيرية لا تكتفي بإشباع فني يطال الجوارح بل تتعداه إلى يثير مكامن الصمت في ذهنية المتلقي ليحرضها على محاكاة الصوت الوجداني الداخلي للذات الشاعرة والتجاوب معه انتصارا للحالة الإنسانية انتهاء.

حنجرة بطعم الشمس

هكذا نجد ثيمة ( بصري ــ سمعي ) تسطع كعنونة لتنثر درر الرؤى الإستشرافية عبر جسد النص كاملا وتتيح إمكانات تنوع إيقاعاته وفق ما يبرز بعض قناعات ذات إبداعية تضع الحرية سلم الأولويات المساهمة في تشخيص الظاهرة ومن ثم معالجتها.

حنجرة الحرية

تخترق جدران الصمت

أيها الحكام...

تسير نحو الشمس

تحطم دروب الليل...

وتصافح الريح الأقدام

لربيع استيقظ

من نوم ثقيل...

أنتم

تزحفون بعرباتكم

مجلجلة بالموت

لإطفاء الصوت القادم

صوت...

يدون للحياة اسمها...

من ذات تلبسها هواجس الحرية وباقة حقوقية يفتقدها المواطن العربي ويتوهج حنينه إلى استشعار نكهتها حتى في منامه .

ومن نقاط معينة لكنها خفية، كأنها فوهة بركان يغلي ما يلبث أن ينفجر .

و من أول نواة للحمولة النفسية وعن وعي تام بقوانين ودساتير لعبة قذرة لواقع سياسي يستعبد سدنته . من كهذه بؤر يتعالى الصوت المعارض الساخط ليُمسرح عملية شجب الممارسات النفعية والقمعية والفرعونية للحاكم تجاه رعيته.

لحظة كابوسية يعيشها المواطن المقهور المأزوم وهو يعاين موجات أشكال العبث بحقوقه وبأحلامه المشروعة و العصف بمصيره.

وإذن... ليس كالحرية صوتا يدخل في تشكيل خطاب ساخر لاذع قد تُرتجى جدواه من خصّ طينة حكام النكسة والهزيمة به، واستشراف ملامح ربيعية ممهّدة لولادة ثانية تحترم إنسانيتنا بعد كل هذا الدمار والخريفية والأنانية السياسية ومشاهد الدم والموت.

تجرجرون

وراءكم سحابا

أسود...

يرمي بالعدم سحنة الوجود

يمزّق قلبا

ينزف كالمطر

في أزقة الوطن

ألا تسمعون

نظرات طفل

تلتهب نارا...

وتستنجد سماء الفردوس الغاضبة

لتفتح آذانكم

بصرخة

أبت أن تنام

بين دوامات

خريفكم هذا...

يستأنف شاعرنا حجاجه للحاكم الجلف المتسبب بجنائزية الظرفية ورمادية ملابساتها واقتفاء أثر نرجسية مقيتة غير مقبولة بتاتا تمنح مؤسسات الدولة امتيازات ومكاسب ومناصب على حساب الهوية والانتماء وإنسانية المواطن.

ببوحه الأثيري يمطر هذه الطينة المماطلة في اغتصاب الطفولة و في التعتيم على نوافذ الوعي الرامي إلى تعرية الخور والعبث السياسي المستشري كالسرطان في عروق الوطن وإذلال أهله.

هذه الطينة المتكالبة و المتغوّلة ــ فقط ـــ على حياتية وإنسانية من تسوس.

بالتالي نحن إزاء حنجرة لا تقمع الصوت الداخلي الغاضب.حنجرة تتسامى على رسميات أدب الترف، لتعرب بكل مصداقية وفصاحة وحس وطني وإنساني، عن حمولة نفسية طاغية ملحّة على مغادرة مستويات الصمت ومستعصية على الكبت، بريشة المتمكن من لغته وأدواته، تبصم اللحظة بشعرية باذخة من إيحاءات تقاطع المكون البصري مع السمعي، والعكس بالعكس، تماما كأي ممارسة إبداعية ملتزمة ونزيهة في مراهنتها على جلد الآخر كطاغية، كالمستشفّ هنا من ماهية وظلال نص(حنجرة بطعم الشمس)

 

أحمد الشيخاوي/شاعر وناقد مغربي

في المثقف اليوم