قراءات نقدية

الملحمة الشعريّة: (جبت كلّ العراق وجيت) لـ د. خير الله سعيد

abdulreda aliتوطئة: قسَّمَ قدامى العرب الشعر العربيّ إمّا إلى أبوابٍ، وإمّا إلى موضوعاتٍ، كالحماسة والرثاء، والوصف، والرحلة، وغيرها. وكانوا يُسمّونَ الكلّ باسمِ جزءٍ منها، كما في (حماسة أبي تمّام) وحماسات من تابعوه تصنيفاً، مع أنَّها تضمُّ موضوعاتٍ وأغراضاً عديدةً، لهذا فإنَّ الأغراض والموضوعات المتعدّدةَ على وفقِ تصنيفهم ذاك تشترط ضمَّ المتجانسات معاً ليس غير.

أمّا الأوربيّون فقد قسَّموه نوعيَّاً فقالوا: الشعر الغنائي، والشعر الملحميّ، والشعرَ التمثيليّ، والشعر التعليميّ.

ومع أنّهم اختلفوا في تحديدِ أسبقيّةِ ظهورِ أيِّ نوعٍ منه قبلَ غيرهِ، فإنَّ بعضهم يرى أنَّ الملحميَّ أسبقُ من بقيّةِ الأنواع ظهوراً، وحجّتهم أنَّ الإنسانَ فطن إلى وجودِ الآخرينَ قبلَ أن يفطنَ إلى وجودِهِ، وهو تعليلٌ يصطدم بمن يرى أنَّ الشعرَ الغنائيَّ كانَ أسبقَ من الملحميِّ ظهوراً لأنه تعبيرٌ عن الذاتِ البسيطةِ وما في وجدانِها من عواطفَ مختلفةٍ، في حين يقومُ الشعرُ الملحميُّ على الإطالةِ والإحاطةِ بحركةِ الناسِ، وما يقعُ لها من حروبٍ مع أممٍ أخرى .

سقنا ما مرَّ لنبيّنَ أنَّ تسميةَ بعضِهم للقصائدِ العربيّةِ بالملاحمِ كان تجوّزاً وليسَ حقيقةً، معتمدينَ على خواصٍ معيّنةٍ من خواص الملاحم، لعلَّ أوضحها عندهم الطول، فضلاً عن خصيصةِ الخيالِ الجامح، أمّا بقيّة الخصائص فهي خلوٌ منها، أو لا تتطابق معها كليّاً ؛ وأهم خصائص الملحمة تتمثّل في الآتي:

1. الحروبُ، والأهوالُ، والمصاعبُ، وخوارق البطل القومي الذي تتحدّثُ عنه القصّة الشعريّة.

2. الموضوعيّة المبتعدة عن الذاتيّة.

3. فخامةُ أسلوبِها، وبلاغةُ لغتها.

4. الطول فقد تتكوّنُ الملحمةُ من آلافِ الأبيات.

5. خيالُ الملاحم خيالٌ جامحٌ يتمثّلُ في الخوارقِ، واختلاطِ الحقائقِ التاريخيّة بالأساطيرِ، والقوى، والكائناتِ الغيبيّة في أحايينَ كثيرةٍ ¹.

******

إنَّ ما أوردناه من حيثُ إطلاقُ تسميةِ الملاحم تجوّزاً على الشعرِ الرسميِّ ينطبقُ تماماً على الشعرِ العاميِّ ² فضلاً عن أنَّ هذا (التجوّز) يزدادُ توكيداً فيهِ، لكونهِ لا يُعنى بجزالةِ اللغة ونسيجها العريقِ في الفصاحةِِ بقدرِ عنايتِهِ باللغةِ المحكيّةِ التي درجَ عليها العامّةُ من الناسِ في تعاملهِم اليوميّ، وحياتِهم المعيشةِ، وعلى وفقِ ما مرَّ فإنَّ قصيدةَ الشاعرِ الدكتور خير الله سعيد الشعبيّةَ الموسومةَ بـ (جبت كلّ العراق وجيتْ) يمكن تسميتُها تجوّزاً (كذلك) بالملحمة الشعريّةِ، لما فيها من بعضِ ما ألمحنا إليهِ من خصائصَ، لاسيَّما طولها الذي دلَّ على اقتدارِ شاعِرها المتمرِّسِ في تدفّقِ المعاني، والعواطفِ والإيقاعِ المحكمِ، إلى جانبِ امتلاكهِ خيالاً سحريّاً تتداعى فيهِ الصورُ على نحوٍ توليديٍّ غريب.

إنَّ قصيدةَ (جبت كلّ العراق وجيت) قصيدةٌ ليستْ تقليديَّةً ينتهي منها القارئ كما في بقيّةِ قراءاتهِ لقصائدَ شعبيّةٍ أخرى، لأنّها لا تسلّمُ له نفسَها على عُجالةٍ، إنّما تضطرُّهُ ليعيدَ قراءتها ثانيةً، أو أكثرَ، وفي كلِّ قراءةٍ جديدةٍ تتفتّحُ له مغاليقُ لم يكن قد توقّفَ عندها، فزوايا قراءتنا قد تختلفُ عن زوايا قراءةِ الآخرينَ، وهذا هو الذي يسعى إليهِ الفنُّ فيما يسعى إليهِ فالشعرُ حمّالُ أوجهٍ عديدة، وليسَ حمّالَ وجهٍ واحدٍ، وقد ارتأينا أنْ نناقشَ الزوايا الآتيةَ تاركينَ للقرّاء الأكارمِ مناقشةَ بقيّةِ الزوايا إسهاماً منهم في قراءةِ القصيدةِ قراءةً واعيةً على أفضلِ الوجوهِ .

*****

موضوعُ المطوّلةِ وفكرتُها:

تقدّمُ هذه القصيدةُ موضوعاً واقعيّاً مقروناً بأحداثٍ كبيرةٍ، وتحوّلاتٍ مجتمعيّةٍ كان لها شأنُها على المستويينِ: الوطني، والشعبي، وإن تلمّسنا فيها الكثيرَ ممّا له علاقة بالفردي أيضاً وقد استمدَّ الشاعرُ موضوعَهُ هذا من حياتِنا المعاصرةِ بداءةً من قيامِ جمهوريّةِ الخوفِ في العراقِ، وانتهاءً بالزمنِ الراهنِ بعد التغييرِ وحصولِ التحوّلِ السياسيِّ الجديد.

ومعَ أنَّ الأحداثَ التي يصوِّرُها الشاعرُ واقعيّةٌ، فإنّها لم تكن تسجيليّةً، لأنَّ واقعيّتها كانت تهتمُّ بتصويرِ أثرِ الأحداثِ الجسامِ في أناسٍ معيَّنينَ من المجتمع العراقيِّ نذروا أنفُسَهم للدفاعِ عن حريّةِ إنسانِهم في الفكرِ، والقولِ، والعملِ، ومقارعةِ الدكتاتوريّةِ، والطُغيان،وصولاً إلى حياةٍ كريمةٍ ينعَمُ فيها الجميعُ بحقوقِهِم على وفقِ مبدأ تكافؤ الفرصِ دونَ تمييزٍ .

لقد جهِدَ الشاعرُ في أنْ ينقلَ نصَّـهُ من فرديّتِهِ اليائسةِ المتمثِّلةِ بواقعيّتهِ الانتقاديّةِ إلى فرديّةٍ إيجابيّةٍ تصبُّ في واقعيَّةٍ بنّاءة ٍ قريبةٍ من الواقعيّةِ الاشتراكيَّةِ لكنَّ أدواتِهِ لم تسعفْهُ، لأنَّ تبريراتِ اختلافهِ مع رفاقِ الأمسِ الآخرينَ لم تكنْ مقنعةً بما يكفي، فظلّت في حقلِها الانتقادي، وهو حقلٌ لا يُسبِّبُ قدحاً في أسلوبِ النصِّ، ولا في حركيّةِ اشتغالِ صانعِهِ .  

 

تقنيةُ النصِّ:

أفادَ هذا النصُّ من تقنياتٍ الفنِّ السرديِّ كثيراً، لكنَّه خصَّ تقنيةَ الراوي العليمِ بالحصّةِ الكبرى، فجعلَ الأحداثَ طوعَ أمرهِ فهو الذي يختارُ زواياها، فضلاً عن الرموزِ التي يريدُ تحريكها في تلك الزوايا، إلى جانبِ السماحِ له بالإطنابِ في بعضِ استرسالهِ، والإيجازِ في بعضهِ الآخر ـ وإن كانَ قليلاً ـ ويبدو أنّ تقنيةَ الراوي العليمِ هذه تبيحُ له ذلك، لكونهِ ليسَ راوياً موضوعيّاً، ومن هنا نتبيّنُ أنَّ العليمَ يسمحُ لنفسِهِ أن يُدخلَ في النصِّ آراءهُ، ومواقفَهُ الفكريَّةَ دون اعتبارٍ لمواقفِ الآخرين، ممّا يسمحُ لذاتِهِ في توكيدِ ما تراهُ لامعاً، وتزكيتِهِ وتحقيرِ ما تراهُ معتماً وازدرائهِ .

من هنا يتَّضحُ التزام الراوي الموضوعيّ بمسؤوليَّتهِ الموضوعيّة لكونهِ لا يتدخَّلُ في مجرياتِ الأحداثِ، في حين يتمتّعُ الراوي العليمُ بحريّةٍ واسعةٍ قد لا تكترثُ بالأمانةِ المطلوبةِ في قضايا الصراع، ما دام هو الذي يخلقُ دراميّةَ النصِّ، ويصنعُ مواقـفَـهُ ويوجّهُ مجسَّاتـهِ.

 

إيقاعُ القصيدة:

اختار الشاعرُ موسيقى الهزجِ إيقاعاً لمطوّلتهِ، وهذا الإيقاعُ هو لونٌ من الوافرِ المجزوءِ، وهو وزنٌ قصيرٌ يميلُ إلى تعدادِ الصفاتِ وتكرارِ الأجزاءِ، ومواصلةِ الحوارِ. لذلك قلَّ عند المتقدِّمينَ، وكثرَ عند المعاصرينَ لاسيّما في القصائدِ الحواريّةِ، أو التعليميّة، ولعلَّ ما فيهِ من ميزةٍ على سردٍ الحكايةِ، وتدفّقِ الحوارِ هو الذي جعلَ شوقيّاً يكثرُ من استخدامهِ في مسرحيّاتهِ: (مجنون ليلى) و(مصرع كليوباترا) وغيرهما ³. لكنّ الشاعرَ لم يقفْ عند ضربٍ واحدٍ منه، إنّما استخدمَ أكثرَ من ضربٍ، لاسيّما ممدود مفاعيلن، أي بزيادةِ ساكنٍ على آخرِ التفعيلة ِ، فكانتْ بعض الضروبِ على (مفاعيلان).

ثمّةَ أمرٌ على القارئ الكريمِ أن يتنبّهَ إليه، هوَ أنَّ تقطيعَ الشعرِ الشعبيِّ يقتضي في بعضِ الأحايين ليَّ بعضِ الأصواتِ، أو إدغامَ صوتينِ معاً في صوتٍ واحدٍ، أو حذفَ بعضِ الحروفِ من مفرداتٍ معيّنة عند التحليل التطبيقي ليستقيمَ الوزن، فمثلاً يجبُ حذفُ حرفِ الواو من كلمة (وعيوني) ومن كلمة (وتعرف) في الجملتينِ الآتيتينِ:

(وعيوني توجّد الموكَاف) و(وتعرف ساعة الملكَى) كي نتجنَّبَ خللَ الإيقاع ويستقيمَ التقطيعُ، وينبغي كذلك الانتباه إلى أنَّ معظمَ الشعراءِ الشعبيينَ يلجؤون إلى حذفِ ميم (مفاعيلُن) من تفعيلةِ الهزجِ فتصبحُ (فاعِيلُنْ) وهي مساوية بالحركاتِ والسكناتِ لـ (مفْعُولُنْ) ويطلق عليه عندئذٍ بـ (الأعضب) أو (الأخرم)، وهي علَّة تجري مجرى الزحاف في هذا الإيقاع، وقد استخدمها خير الله سعيد في أكثر من موضعٍ، ولعلّها إفادةٌ جميلةٌ ممّا فعلهُ شعراءُ التحديثِ في الشعرِ الرسمي.

وفيما يأتي بعضُ الأبياتِ(على غيرِ توالٍ) لتوضيحِ ما ألمعنا إليهِ:

نكَلت اجدام فوكَ اجدا م والصرّة على امتوني

مفاعيلن مفاعيلُن       مفاعيلن   مفاعيلُن

جايب صوغةِ امحبّينْ ومـﭽوّرعلى ظنوني

مفاعيلن   مفاعيلُن   مفاعيلن   مفاعيلُن

عيوني اتوجّدِ الموكَا ف تعرف ساعةِ الملكَى

مفاعيلُن   مفاعيلُن       مفاعيلُن   مفاعيلُن

*****

جبتلك هم بثيث وياي، وصم زعتر والمربّى

مفاعيلُن   مفاعيلان     مفاعيلُن   مفاعيلُن

جبتلك صو غةْ ﭽفْ حِنَّةْ

مفـاعيلُن     مفـاعيلُن

وهم ياس أو ورد والسمن والمنَّةْ

مفاعيلُن   مفاعيلُن     مفاعيلُن

جبتلك (دارمي) وموزون

مفـاعيلُن     مفـاعيلان

من عندك حفظته بيوم

فاعيلن     مفاعيلان

لكنَّ الشاعرَ لم يشأْ أنْ تكونَ هذهِ الملحمةُ على إيقاعٍ واحدٍ وإنْ حرصَ على جعلِ الهزجِ قابضاً على موسيقاها، فادخلَ بينَ الحينِ والآخرِ إيقاعاتٍ أُخرى لتخفيفِ الرتابةِ، فعمدَ أحياناً إلى الاستشهادِ بأبياتٍ من إيقاعِ الدارميِّ الذي هو في حقيقتِهِ من تشكيلاتِ الرجزِ المهملِ، كما في الدارمي الآتي الذي بدون عزو:

أتسـلّى بين الناسْ من يـوم إلى يومْ

مســتفعِلُنْ فعْـلان مســتفعِلاتان

واعظم مصاب يصير بسْ يجبِلِ النومْ

مســتفعِلُنْ فعْـلان مســتفعِلاتان

 

وعمدَ في أحيان أُخرى إلى إدخال الموّال ِالموقّعِ على موسيقى البسيطِ، كما في الموّالِ الآتي:

يا صـاحِ دفّ الهـوى بعد الهنا كِسـره

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُســتَفْعِلُنْ فَـعْلنْ

واترك الدنيا الدعـتـنا بهالوكـت كسره

فاعِلاتن فـاعِلُنْ مُســتَفْعِلُنْ فَـعْلنْ

بالك تطيـع النذل ..لو هو ملك كسـرى

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُســتَفْعِلُنْ فَـعْلنْ

من حيث ما ظل على عهدِ الودادِ أيـتيمْ

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُسـتَفْعِلُنْ فَـعْلانْ

ما ﭽان مجنون مـن ﮜبلك دعـاه أيـتيم

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُسـتَفْعِلُنْ فَـعْلانْ

إشـﭽمِّ كِسره البـﭽت وتريد إلها أيـتيم

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُسـتَفْعِلُنْ فَـعْلانْ

وشـﭽم يتيم البـﭽـه ويريد اله كِسره

مُســتَفْعِلُن فـاعِلُنْ مُســتَفْعِلُنْ فَـعْلنْ

.....................إلخ

ومن يتمعَّن في مطوّلةِ الدكتورِ خير الله سعيد هذه يُدركُ تماماً أنَّ هذا الشاعرَ يمتلكُ أذناً مرهفةً ـ كمثلائهِ المرهفين الكبارـ قادرةً على اختيارِ المناسبِ من الاستشهاداتِ الشعريّةِ التي لا تُحدِثُ نشازاً، أو خللاً إيقاعيّاً كبيراً عند الانتقالِ من وزنٍ إلى ما سواه، وهي ملكةٌ جعلتْ نصَّهُ ينسابُ متدفِّقاً مسترسلاً من غيرِ أنْ يشعُرَ المتلقّي بأيِّ ِ ثقَـلٍ يقطعُ عليهِ سحرَ الموسيقى، وما فيها من تأثيرٍ نفسيٍّ يلامسُ شغافَ القلوب.

 

إحالاتُ المتن:

إحالاتُ (جبت كلّ العراق وجيت) وهوامشها تشكّلُ معجماً شعبيّاً مهمّاً إن لم نقلْ كبيراً للمئاتِ من المفرداتِ، والرموزِ، والأدواتِ، والآلاتِ والمردّدات الشعبيّة، ممّا يهمُّ دارسي الأدبِ الشعبي، وفولكلورهِ، ولعلّنا لا نُسرفُ على دارسي اللهجةِ الشعبيّةِ في وسطِ العراقِ وجنوبهِ إن قلنا: إنَّ ما جاءوا بهِ مجتمعين ممّا تمَّ نشرهُ في مجلّة (التراثِ الشعبيِّ) البغداديّة من شرحِ مفرداتِ تلك اللهجة لا يُعادلُ، أو يُوازي ما قدّمهُ خيرُ الله سعيد من جهدٍ سدَّ بهِ فراغَ مكتبتنا الشعبيّة، ونقصها في هذا المضمارِ، فقد تولّتْ هوامشهُ شرحَ ألعابِ الأطفالِ التي انقرضت، أو في طريقها إلى الانقراض، مفصِّلاً في إيرادِ أدواتها، ومفرداتِها على نحوٍ من إحاطةٍ تامّةٍ، فقد ذكر منها الكثير مثل: (لعبة سبع احجار) و(لعبة جير ابحاس) و(ختّيلة) و(ديروا خيلكم) و(والكاشي) و(كَطيري) و(الحيدة) و(لعبة المرصع) وغيرها، وبعدَ أن يوضّح طريقة لعبها يعمد إلى شرحِ أدواتها، كشرحهِ لـ (الصول المرصوص) و(الأشحم) و(عظم الضاع) و(الدعابل) وغيرها، فضلاً عن توسّعهِ في ذكرِ أنواع الأسماك التي يكثرُ وجودُها في أهوارِ العراق، وفراتيه: كالشبّوط، والبنّي، وابو دبيلة، والحمري، والخشيني، والصبور، والزوري، وابو الزمّير.... إلخ . ولا ينسى أنواع التمور العراقيّة، فيذكرُ منها: الجسب، والزهدي، والخلال، والبريم، وغيرها.

أمّا انواعُ الخبز، وحلوى أهل الجنوب فيذكرُ منها: رصاع(خبز الرز) وسياح، وحنيني والكليجة، وهيس، والخريط.

وحين يُعرّجُ على حليّ النساء، وأدوات زينتهنَّ يشرحُ: الخزّام، والجلّاب، والسفيفة، وغيرها، كما يشرح الكثير من المفردات التي يصعبُ على الكثيرين فهمها اليوم، لكونها ارتبطتْ بلهجةِ الجنوبيين تحديداً، كما في: بثيث، والصكَلكَة، وصمّ، والقرصاغ، وشناطة بعيجي، وجولة، وهيبة الكَمكَم، والدُقو، وزعينب، والخرش.

إنَّ هذهِ الهوامشَ وحدها لو تمَّ فصلُها عن المطوّلة، لشكّلت معجماً أوّليّاً مهمّاً لأدبِنا الشعبيّ، وفولكلوره الجميل، ولقدّمت لدارسي اللهجات الشعبيّةِ ما يحتاجونهُ في بحوثِهم العلميّةِ من معرفة جذور هذه المفردات التي تعودُ الكثير منها إلى لغة سكان وادي الرافدين القدامى من السومريين، والبابليين صنّاعِ الحضارةِ، ومشيّدي العمران.

ختاماً أشدُّ على يديّ أخي الدكتور خير الله سعيد، وأهنّئهُ على إنجازهِ هذا الأثر الإبداعيِّ الشعبيِّ الذي سجّلَ فيه نضالاتِ أناسٍ حملوا أرواحهم على أكفّهم، وقارعوا الطغيان، وأخلصوا في مواقفهم، ومُثلِهم النضاليّةِ العليا.

 

ا. د. عبد الرضا علي

.....................

إحـــالات

(1) ومن أقدمِ تلك الملاحمِ:

• ملحمة كَلكَامش (هو الذي رأى) العراقيّة.

• ملحمتا اليونانِ: (ألإلياذة والأوديسّة) المنسوبتان إلى (هوميروس) الذي عاش في القرنِ التاسعِ ق. م.

• الملحمة الرومانيّة (الإنيادة) للشاعر الروماني (فرجيل).

• ملحمتا الهند: (المهابهاراتا) و(الرومنايا)

• ملحمة الفرس (الشاهنامة) للفردوسي.

• وقد عرفت أوربا فيما بعد أعمالاً شعريّةً طويلةً سُمِّيت ـ تجوّزاً ـ ملاحم، وإنْ لم تكن في واقعها كذلك، لافتقارها للخصائص الرئيسة للملحمة ... وأهم تلك الأعمال (الفرنسياد) للفرنسي (رونسار) و(الكوميديا الإلهيّة) للإيطالي (دانتي) و(الفردوس المفقود) للإنكَليزي (ملتون) و(أساطير القرون) للفرنسي (فكتور هيجو) .. يُنظر: (في النقد الأدبي الحديث منطلقات   وتطبيقات) د. فائق مصطفى، ود. عبد الرضا عليّ 105- 117، ط1، جامعة الموصل/ العراق 1989م.

(2) للشعرِ العامّي في كلِّ بلدٍ عربيٍّ تسميةٌ تقليديّةٌ يُعرفُ بها، ففي العراق يُطلق عليهِ بـ (الشعر الشعبي) وفي مصرَ، ولبنان يُطلق عليهِ بـ (الزجل) في حين يُطلق عليه في المغرب بـ (الشعرالملحون) و(الزَّجل)، بينما يُطلق عليه في اليمن بـ (الحُميني).

(3) قال الدكتور عبد الله الطيّب المجذوب: (إنَّ الهزجَ ضربٌ من الوافرِ المجزوء، وليسَ ببحرٍ قائمٍ بذاتهِ) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتِها،111 ـ 115، مط مصطفى البابي الحلبي، 1955م، وينظر كذلك كتابنا: (موسيقى الشعر العربيّ قديمِهِ وحديثِهِ) 109 ـ 115، ط2، دار الشروق / عمّان 2007م.

 

عبد الرضا عليّ

كاردِف/ طاردة الثقافة العربيّة الفاعلة بامتيازِ .

 

في المثقف اليوم