قراءات نقدية

كتابة الفوضى وترتيب الذات في نصوص رحيل البحر إلى عينيها للشاعر عبد الجبار الجبوري

ahmad alshekhawiفي سباعيّته المتشبعة بنكهة تجريب مغامرة التعاطي مع النص المطول المهيمنة على بنيته ألوان متتالية الجملة القصيرة جدا أو السطر الومضة، تتزاحم وتترادف مشدودة إلى النفس اللاهث . قلت: فيها يطلع علينا الشاعر عبد الجبار الجبوري بجديده المطعم بخلفيات بأبعاد إنسانية صرفة، هي في مجملها من إيحاءات وإفرازات راهن الفوضى حدّ التأثير فينا في إطار منظومة ما يحرّض على كتابة مغايرة تماما تلتقط من تقاطعات الذاكرة وهامش الآني نزوعا إلى مشاهد تجربة ترتيب ذاتي تتفشى تماهيا مع اتجاهاته المعلومة في خضم استقطابات رمزية موحية تقربنا أكثر من عوالم معاناة كاملة.

في مجموعة نصوصه التي انتقى لها اسم" رحيل البحر إلى عينيها" يحصل الاستثمار الجيد والمحكم للإستعارة الكلية في تغذيها على عشب الوجدان، تعتريها طقوس فعل إبداعي حقيقي يعقّ الرؤية الصادرة عن انفعالات عابرة لا يتم تمريغها في حيز الوعي والمنطق.

بعبارة أخرى، نجد شاعرنا بريشة الوعي يصل إلى قلب المتلقي ويستحوذ على ذائقته ويشاركه أوجاعه وهواجس اغترابه ولوعته وغياب ليلاه وعصارة ما يختمر في ذاكرته ويفور بين جوانحه كأنه بركان موقوت الانفجار.

باقتضاب وتفاديا لولوج متاهات تأويلية أكثر تعقيدا قد تنأى بنا عن الغرض الكامن وراء مقاربة نحن بصددها للإفصاح عن أن اسما وازنا و من هذه الطينة بالتحديد، ما ينفكّ يدهشنا ويفاجئنا بأسراره وحرفيته وتمكنه من أدوات صياغة النص الكريستالي النابض بصور المعنى الجديد الرافل في تجاوزاته.

نكاد نزعم أن مجمل منجز شاعرنا يحتفي بتيمة البحر الذي في أعماقه هو، كآلية سرت في العروق وخالطت دورة الدم ضرورة توظيفها.

قد تأتي المصافحة كبروتوكول من نسيج إعادة تشغيل الذاكرة تحررا من أية نوبة ضمير قد تنتابنا وتضعنا داخل قفص اتهام معين أو تجعل منا ذلكم المعادل الموضوعي للجلاد في لحظة تاريخية تشهد على البراءة الهامس بها حال كوننا ضحايا ليس إلا.

حتى لنغتدي عرضة للإثارة العاطفية لما تفتح الصورة الشعرية المركّزة، أذهاننا، على سردية تعبيرية تفصّل في طرائق وأساليب المصافحة القلبية، وكيف أنها تولد غيرة المكون الطبيعي وتؤججها، وترش رذاذ الوعي بملامح أنوية تغسل غفوة ادعائنا خلاف ذلك، تفسر هذا ماهية تقر بتجربة تنم عن تجرع كؤوس علقمية غياب حبيبة متّصلة وأشد التحاما والتصاقا بالذات، بغض النظر عن هوية الحبيبة الغائبة.

وتبعا للتسلسل المنطقي الذي يحفظ لحمة الانتشار عموديا وأفيقا لجسد نصوص السباعية، ويبرزها في فروها المكتظ بتلوين الوجع السابح في أيقونة الغربة والغياب، يلمح شاعرنا إلى ما يدخل مصافحة مثالية كهذه، في دوامة تبعات البعاد الموطئ بأنشودة من التراث الشعبي وثقافة الهامش والبساطة لمناخ مابين الحجاز والشام.

لأنه وبعد اعترافات الشاعر الموجعة ضمن قوالب متسمة بالطغيان الفاحش للمكون البصري، لا تلغي الآخر، بل لا تفصله عن الذات حتى، هاهو يتوج ذروة مطالبه في سياق خطابات موجّهة إلى حبيبة غائبة مستقرة في الوعي والذاكرة كما سبق وأشرت إلى ذلك، يتوّجها بما يمكن تصنيفه على أنه أشبه بالمعجزة في حد ذاتها، العودة إلى الطفولة، حيث الوطن يختلف تماما والوجوه لينضوي العامة تحت لواء البراءة والملائكية والاستثناء.

لكنها عودة رمزية يوهمنا شاعرنا بعدم تحققها، بيد أنها كائنة على نحو مجازي معين منفجر عن السانح بطاقة بوح جارفة لا تعترف بجغرافية أوحدود.

وفي ارتباط وطيد بالسابق، تبزغ الاستعارة التي تحول القبلة إلى حجر تعثر، يعيق مضي الحياة الطبيعية وينغص، ويغيب استشعار الدفء ونكهة ما يلامس الثغر و يؤهل لقراءة ما وراء الأحرف ويبعث الروح على التموسق وهكذا...

وفجأة تستيقظ الحقول الدلالية الآخذة في مناحي فتح بصيرتنا على فانتازيا كلامية يحاول الشاعر من خلالها صرفنا إلى بعض نكباته الحياتية المولدة لنواة معاناة ترسمها أنامل تحسس ثقل وحمولة تتداخل فيها الغربة وتتعاضد مع مرارة الغياب.

ولأننا إزاء حالة إنسانية تكتبها جراحاتها، فهي لا تجد مناصا أو بدا من أن تلوذ بالظواهر العاطفية قصد تصيد بعض محطات الترويح والتنفيس وتسريح بنات الحلق مزدانة بجماليات الرؤيا والتشكيل.

يتم نفي مزاعم اتباع عدا الدروب القلبية المتيحة للذات تفاقم وتعاظم وتنامي الطرح المؤيد لحضور الحبيبة الغائبة في نرجسية الشاعر وعم انفصالها عنه، حتى وهذا القلب متهم بالخذلان شأن الكل، ومحاصر بمثالب القصور عن معانقة قطوف ما وراء وعثاء السفر ومكابدات الرحيل.

ومن ثم العودة إلى القبلة التي تعني ملامسة الروح في انجذابها الإبداعي إلى الانتشاء بمعاناة لحظة حصاد كنوز لا تكتمل بغير عزف شتى ألحان الوجع اعتمادا على نايات حلمية الواقع وضديدها.

رحيل البحر

"قبل أن تكتبني غيمتها، على رمل عطشها، حرفا غريبا في مهب الريح، أوقد لها روحي شمعة، وأذوب تحت قدمي قصيدتها، لا أهاب الموت على قارعة طريقها المليء بالقبل، وأهاب طلتها وهي تعزف لحن غربتي وتدعوني للرحيل على صهوة حرفها الحزين، أنا حرف يرتجف في أخر ذيل قصيدتها، ارتب نجومها نجمة نجمة، وأمطارها قطرة قطرة، وأيامها لحظة لحظة، وارتب شكل شفاهها، وكحل عينيها، وتسريحة شعرها، وألوان ملابسها وأحبها بلون الليل ولون أيامي، ارتب كل شيء فيها، اقبل كل شيء فيها (كما أقول لها عند كل انتهاء حواري معها)، اقبل إصبع قدميها صعودا إلى ذرى قبلاتها، وأهيم غرقا بلهيب آهاتها، واسرح بأحرفي في بساتين ثمارها، واعزق جميل أعشابها، بطرف لساني، حتى تغيب نجماتي في مطلع فجرها، واختم التياعي على ربى غيابها، أبكى دمعة حرى لها، وأنا أعلن رحيل البحر إليها، لا سماء تظلل قامتها، ولا شمس تضيء حلكة أيامها، ولا قبلة تطفئ لظى ظمأها، ها أنا اروي عطشي بماء غيابها، وأسرج غيمتي على صهوة شفاهها، وأرزم أيامي كلها في صرة أحلامها، وامضي إلى غياب يطول إليها ما لطريقي دائما يطول إليك آيتها الأنوثة القاتلة، أيتها المرأة الاستثنائية في حياتي، احبك هكذا رغم أني لم التق بشفتيك إلا على صفحات الكلام، وأي كلام ذلك الذي يغار منه الكلام ....تعالي ولا تجيئي، غيبي في دمي وعقلي، وأنت تحلمين بالمطر مثلي وتحلمين باللقاء المستحيل مثلي، وتحلمين بالقبل مثلي وتحلمين بالرحيل مثل البحر ............."

 

مصافحة

حين يصافح حرفي شفتيها، تهطل الغيوم عسلا معتقا، وحين يصافح قلبي قلبها تزعل النجوم، ويخجل القمر، ها أنا احتطب لها من بستان قصائدي حرفا حزينا مثل قلبي، ووجعا ساطعا مثل قلبها، هي تترنم بزهوها وترقص على غصن غربتي، غربتي التي زينتها أيامك بالمسرات، وحفتها بالأماني، وسورتها بالحروف، يعاتبني ليلها أنني لا اسرق من زرقة عينيها مواجعي، ولا من فرح صوتها ملامحي، اعترف أنني بلا ملامح الآن هي كل ملامحي، وهي دمعة عيني حين تنسكب كنهر على أديم قصائدها، وقصائدها تلهج بقبلي، وقبلي لا تتوقف عن الجريان فوق شفتيها، وشفتاها كهف روحي حين يضم فمي، تعالي لضفاف روحي كي يصافحك الوقت، وترسمك الأيام عشبة لخلود حبي، حبي الذي يحترق أمام عينيك، ولا يرمش لك جفن، اعرف انك لا تبالي لفراشاتي وهي تحترق حين تلثم شفتيك، واعرف أن عصافير قلبك لا تزقزق إلا فوق أغصان عمري، وعمري مسفوح كله على قارعة طريقك، طريقك المليء بالتعاويذ، ها أنت تفخمين قصائدي بقبل لا تنتهي، وتنتظرين الليل كله كي يشهق صباحك أمامي، ويعلن انتهاء الليل على دكة النهار، قومي أحضري قهوتك لشفتي، لكي احضر قبلي لقهوتك، ونغيب في لذة الصباح...

 

آه من البعاد

(مو بعيدين ليحب يندل دربهم

مو بعيدين الگمر حط بگربهم

لونهم لون الربيع ليضحك بوجه السنابل

شوگهم شوگ الحصاد ليتنه حضنات المناجل

سلمي لي وشوفي وين ديارهم

سلمي لي وشوفي شنهي اخبارهم

سلمي لي لو وصلتي ديارهم..)، اغنية الطيور الطايرة ....

كم سأحبك بعد، وسيفك يحز رقبتي، وشالك الأبيض يلوح لي من البعيد، ولا بعيد غير نجمتك الضالة في سمائي، أصيح به تعال يا شالها الأبيض، وغطي سوءة غربتي، وظلل أغنياتي بالقبل، أرى النجمات المرصعات بشفاهي مطبوعة على جسدك، واعرف أنها بعيدة بعيدة تلك البلاد، لا شال يطفئ ظمئي، ولا شجر الخابور يورق في القلب، أرى منارة الحدباء تنأى، وتوشك ان تسقط في اعماقي، لولا سياج أهلها، ويد الرحمن حولها، أعرف كل هذا، زقورة أور أستبيحت، وبرج بابل سرقته يد الظلام، وآثار كالح هدمتها فأس الظلام، وأنا هدمتني قبلتك أيتها الأنثى المنقوشة على جسد قصائدي، وأعرف أن بعادك عني يعني أنني مقتول فيك، لذلك أصيح من (مو بعيدين اليحب يندل دربهم)، ولا درب لي إليك، كل الدروب مقفلة، وأنا ريشة تائهة في رياح الغربة، أعيدي لي بعضي، الذي تعلق بذيل عباءتك، أعيدي نسمة سرقتها نجمتك من سمائي، أعيدي لي بحة صوتي، التي تغلغلت ببحة صوتك ذات يوم، أعيديني إلى طفولتي المحرومة من عسل قبلاتك، أعيدي لي كل شيء انطبع فوق رمل قصائدك، قصائد المبللة بأيامي، وعبير كلامي، وسلمي لي على وردة ذابلة بأعلى شفاهك الظمأى لعطشي، ارفعي شالك الأبيض بوجه قصيدتي، وتعالي نغني لطيور طائرة مهاجرة صوب الندى، تعالي نقبل صمت الطيور، ونرحل ملوحين بشالك الابيض للطيور وهي تعبر حدود الليل إلى قلوبنا المتعانقة حبا ....الله يا ديرة هلي..الله يا جنة هلي ..الله يا دمعة هلي ....الله الله الله ......

 

عثراتي

عبثا أحاول رسم شفتيها فأعثر في تقبيلها سهوا، ولهذا فهي ترفض أن يطلع القمر من بين نهديها، لكي لا ينمو على شفاهها الخجل، اعرف أنها تقرأ ما وراء حرفي، وتصد رياح صمتي، وتجعلني اجلس وحيدا على قمة الرحيل، لا نار في موقدي، ولا قهوة لصباحي ارتشف من يديها، ولا طلة من خلف ستائر نسيانها، ها إني ارقبها، وهي تضفر قصائدي لجيدها الذهبي، وتموسق روحي نشيدا لعينيها، ها هي توقد نار الشوق بأعلى مواجعي، وتطفئها بقبلة على خد المطر، أووووووووه نسيت وجهها في زحمة العناق، نسيت مشيتها وهي تطل من خلف جبال الروح، نسيت لون عينيها وهما تتكحلان بي، نسيت قبلتها على فمي، نسيت نسيت كل شيء، إلا زعلها وهي تغزل به أيامي وتأخذ وجعي بلا عودة، اعرف هذا جيدا، واعرف أنني لن أقابلها ألان، ولا غد، ولا بعده، ولا حتى يوم القيامة، لكنني اعرف واعترف أن صورتها تملأ روحي بالبهاء إلى الآبد، وهذا سر رحيلي إليها عاريا إلا من قبلي، قبلي التي أنقطها على جسد قصائدها وأموت، قبلي التي تسحر ضفافها وتملؤها بالحنين، قبلي التي تنتظرها على نار كل يوم، اعرف هذا (كلش زين)، ولكنني لا اعرف كيف احضنها إلى صدري يوما وأموت .....؟ إنها عثرات حرفي بذيل قبلتها..، اقصد عثراتي وهي كثيرة عند عتباتها ..

 

لا أتبع الا قلبي

أعرف أنه يخذلني دائما، لكني أدلــله وأروضه كي يوغل في خذلاني، وأنا ارقبه يذوي كوردة، ويذوب كشمعة، ويبكي كطفل، ويصهل كحصان، ويشرق كشمس، ويطلع كقمر، ويغيب كنجمة، ويرقص كقطة، ويضحك كنهر، حينما يكتب لها قصيدة تكتب له حرفا من قصيدة، يجلس أمامها(خلف الكيبورد طبعا) كتلميذ وتتكلم معه كملكة، أي نشوة تعتريه وهو مستسلم لكذبتها الأزلية..احبك..ياه كم جميل كذبها حين تخرج الحروف خجلى من نفسها، ومع هذا يقول صاحبي (اتركها يا أخي) وأقول (يكولولي سيبو تلاكي مثيلو جم وكلبي يكلي لا لا تسيبوا ترى تندم) وأنا لا اتبع سوى قلبي فصاحبي (يضحك علي) وأنا غالبا ما يخذلني قلبي واتبعه....احبك واعرف ان الكل يخدعني حتى قلبي...

 

أقبلها ...أقبل روحي

تلقي علي رتلا من الكلام الشفيف، تتلقفه شفتاي فيحيله قبلا، وتلقي علي بردة صمتها ونجلس متقابلين في آخر كافيتيريا بأعماق الليل، هي ألان تروي لي أحزان حرفها وأنا أروي لها وجع الكلام، ها أنا امسك يد حرفها واقبله وهي تبسم من خجلها، أيتها المجنونة احبك، وترد احبك أيها الشاعر المجنون، قوليها ألف مرة احبك، وفجأة يرتبك على شفتيها الكلام، ويرحل شوقها فوق هودج ذاكرتي، وأنا الملم بعض بعضي، يسبقني الخجل من وردة لا تجيد القبل، ها أنا اقرأ لها نصا وهي تداري خجلها وترتشف قهوة ساخنة فتتلعثم ضحكتها، وتغوص في جلستها، وتبتسم طفولتها، ياااااااااااااااااه كم أحب بحة صوتها وهي تخرج من أعماق روحي وأقبلها، لا تأت تعال الآن نجلس في نفس المكان قالت، وانزوت خلف غيمة لا ترى، بعدنا عن القبل الأولى، بعدنا عن ضحكة رسمتها القلوب على رمل ألبعاد بعدنا وصرنا غريبين معا نسافر في أحجية البلاد إلى مرافيء العناق، ونرتبك باول قبلة، ونعثر بلمسة حب ....هكذا اقبلها وكأني اقبل روحي وهي هائجة يغمرها الشوق ويقتلها الظمأ .....تعالي ارو عطش مائي وانصهري في أعماق دمي، تعالي بردت قهوتك على فمي، وغاب القمر المقتول على طريق اخترناه معا ...تعالي تعالي ...ولا تجيئين ....تعالي رحل العمر وبقيت في اعلي أشجاري ذكرى من قبل لا تموت ...........

 

غصن كلامها وجعي

كلما أيقظني حرفها، نام حرفي جوار شفتيها، وتمايلت أغصان صمتها طربا، أينك يا أنثى المطر الأتي من عينيك، الليل ينام بحضن شفاهك، وأنا وجل من عتم الليل، فأنا برق سمائه، وأنت قمري المقتول على شجر الحزن، إنسكبي ألان فوق أديمه وجعا وبقيا نهار حزين، هاهي أوراق شوقي يابسة، وانهار دمي تروي عطش مائها، وأوجاعي تنمو كالعشب على نهديها، لا ماء على خد مراثيها، ولا قمر يطلع من بين نهديها سوى قمري، قمري المقتول على باب أغانيها، ولا أنثى سواها تشغل حروف قصائدي، ولهاً وشوقا وبوحا ونشيج، كمثرى مواسمها تقضمها أيامي، وجع مراقيها تؤرقني وتثير كلامي، اعترف بأني أوغل في حب لا أراه، وفي وجع لا أنساه، ولا وفرح لا أحياه، ولا دمعة اسكبها الا على بحة صوتها وهي تأتيني محملة بالتعب، أووووووووووووه كم أسرج لها قبلي وهي تهرب منها، كم أرسل لها قبلي وهي تنسى، كم أغار عليها، وهي تأسى، ياااااااااااااااربي ماذا افعل لها كي ترضى، مجنونة مثلي، تحب الصد والرحيل على كف الحلم، والسفر على غيمة المعنى، هكذا تحضنني أيامها عاشقا مشاكسا، لا يرضى بالقليل، عاشقا يبحث عن ظل قبلة تحت شفتيها مخبوءة لي وحدي، ها أنا اكسر غصن كلامها في فمي، وأحيل حروف الصمت نشيدا لها، تعزفها أوراق الصحو وتغنيها فيروز (ورق الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك ...ذكرني ورقوا ذهب مشغول ذكرني فيك .....ذكرني فيك...)..

كذلك هو الحرف يعلن تمرده وعصيانه المشوب بنبرة الحنين إلى الغائبة المتصلة بالكلام وعبره، بالذات الشاعرة، إذ يتعدد صاحبها في طقوس تصالحه مع هذه الذات وترتيبها مجددا حين ترسم شعريته نصوص الفوضى الموغلة في راهن الغربة والموت والغياب.

 

أحمد الشيخاوي / شاعر وناقد مغربي

 

 

في المثقف اليوم