قراءات نقدية

شعرية اللامعنى في تجربة الكويتية سعاد الصباح

ahmad alshekhawiإن مقاربة كهذا المنجز الباذخ مترامي الظلال على امتداد خارطة إبداعية يرصّعها ما يربو على 14 ديوانا منتخبا ومرتكنا إلى آفاق جمالية بامتياز عاكسة لخبئ المرايا الروحية ضمن منظومة استقراءات المخيال جرّاء التعاطي باتقاد وعي مع قصيدة التفعيلة و حصاد ما يتولّد داخل حدودها من دلالات تضخّ حماسة لا نظير لها من حيث تشرّبها بثقافة أكاديمية أحرص ما تكون و أترع بهواجس الانتصاف للمرأة و الشدو بحقوقها المشروعة، محسوبة لشاعرة من طراز الكويتية سعاد الصباح..

تمكث مقاربة يعتريها النقص ما لم ترفق بجرد ولو مقتضب لبضع من محطات النضال السياسي بخاصة إبان أوج هيمنة الفكر المحافظ والتفافه على مشهد الكتابة البكر كما تعشّقتها ومذ نعومة أظافرها شاعرتنا.

إنني بنت الكويت

هل من الممكن أن يصبح قلبي

يابسا .. مثل حصان من خشب؟

باردا..

مثل حصان من خشب؟

هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب؟

إن جسمي نخلة تشرب من بحر العرب

و على صفحة نفسي ارتسمت

كل أخطاء، و أحزان، و آمـال العرب..

 

لنتأمل كيف تتفتّق نرجسية الأنثى في مدارات اللامعنى لتنسج جملة استنطاقات تنفي تحقق إيماءات سطحية المفردة،وتعانق المغزى الذي يمليه الضدّ و المعاكس.

إذ الاستحالة مختزلة وتبعا لأقنعة تعبيرية وأسلوبية شبحية، في متن يفيد الإقرار بانتماء الذات الشاعرة طينا وعقلا ووجدانا، و انتسابها إلى جغرافيا عربية في تقاطع تاريخي مع ذاكرة طروادية تلملم الهوية وتناطح تحديات وإكراهات تراكمات لجراحات لم تزل تنزف وصديد يأبى أن يجفّ.

يا أحبابي:

كان بوُدّي أن أُسْمِعَكُمْ

هذي الليلةَ، شيئاً من أشعار الحُبّْ

فالمرأةُ في كلِّ الأعمارِ،

ومن كلِّ الأجناسِ،

ومن كلِّ الألوانِ

تدوخُ أمامَ كلامِ الحُبّْ

كان بوُدّي أن أسرقَكُمْ بِضْعَ ثوانٍ

من مملكةِ الرَمْلِ، إلى مملكةِ العُشْبْ

يا أحبابي:

كان بودّي أن أُسْمِعَكُمْ

شيئاً من موسيقى القلبْ

لكنَّا في عصرٍ عربيٍّ

فيهِ توقّفَ نَبْضُ القلبْ..

 

هي عوالم سمفونية رمادية تقترح خطاب اللامعنى الوقف على نداء خجول تتخلله نبرة ذابلة مسكونة بأمل الطفرة الرمزية وبوابة الحلم الطفولي المفضي إلى مملكة على مقاس سيرة الحب وأشعاره.

 

يقولون

أن الكتابة إثم عظيم

فلا تكتبي

وان الصلاة أمام الحروف حرام

فلا تقربي

وان مداد القصائد سم

فلا تكتبي

فإياك آن تشربي

وها أنا ذا

قد شربت كثيرا

فلم أتسمم بحبر الدواة على مكتبي

وها آنا ذا

قد كتبت كثيرا

وأضرمت في كل نجم حريقا كبيرا

فما غضب الله يوما علي ولا استاء مني النبي

 

في غمرة انطلاقة الموضوعة من رواسب نكسة67ومن تجاذبات شتى وشمولية خواء تخدش زجاج الواجهة وتقلّل من شأن الدور الذكوري حتى،تُستكثر على الصوت النسوي الأحقية في مغازلة المداد، استنادا إلى ادعاءات وذرائع واهية تعزف على الوتر العقدي أحيانا. بيد أن الكتابة المنقوعة في دواة السمّ طبقا لتوصيفاتهم وهم ساسة الوهم،تتسارع غزارة وجودة في تشكيل لوحة بوح تدغدغ السيف العراقي ومن ورائه نخوة العرب ككل.

قد كان بُوسْعِي،

- مثلَ جميع نساء الأرضِ

مُغازلةُ المرآةْ

قد كان بُوسعي،

أن أحتسِيَ القهوةَ في دفءِ فراشي

وأُمَارس ثرثرتي في الهاتفِ

دون شعورٍ بالأيامِ.. وبالساعاتْ

قد كان بوسعي أن أتجمَّلَ..

أن أتكحَّل

أن أتدلَّل..

أن أتحمَّصَ تحت الشَّمس

وأرقُصَ فوق الموج ككُلِّ الحُوريَّاتْ

قد كان بوُسْعي أن أتشكَّلَ بالفيروز، وبالياقوتِ،

وأن أتثنَّى كالملكاتْ

قد كان بُوسعي أن لا أفعل شيئاً

أن لا أقرأ شيئًا

أن لا أكتُبَ شيئًا

أن أتفرّغَ للأضواءِ.. وللأزياِء .. وللرَحَلاتْ..

قد كان بوُسْعي

أن لا أرفُضَ

أن لا أغْضَبَ

أن لا أصرُخَ في وجه المأساةْ

قد كان بُوسْعي،

أن أبتلع الدَّمْعَ

وأن أبتلعَ القَمْعَ

وأن أتأقلمَ مثل جميع المَسْجُوناتْ

قد كان بُوسْعي

أن أتجنَّبَ أسئلةَ التَّاريخِ

وأهربَ من تعذيبِ الذَّاتْ

قد كان بُوسْعي

أن أتجنَّبَ آهة كلِّ المحزونينَ

وصرْخةَ كلّ المسحوقين

وثورةَ آلاف الأمواتْ..

لكنّي خنتُ قوانينَ الأنثى

واخترتُ مواجهةَ الكلماتْ..

 

تلكم خمرة روحية مستقطرة من عناقيد قيامة المأساة على نحو يحوّل شحنة الألم الزائد إلى طاقة إيجابية تقاوم لحظة إغراءات قوانين الأنثى.

حالة نشاز شاهدة على الجلد الذاتي و إجبارية امتصاص المعاناة عند تخوم تستغرق الهم الجمعي بكيفية تباشر صياغته ملامحها ريشة حناجر التمرد والغضب.

 

فلماذا ـــ أيها الشرقي ـــ تهتمّ بشكلي؟

ولماذا تبصر الكحل بعيني..

ولا تبصر عقلي؟

إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار.

فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار؟

ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟

هو موقف مناهض لشهريارية الشرقي في جسمنة النوع الآخر وحصر النظرة إليه في زاوية المانوية والشهوانية على حساب القدرات العقلية التي لا تخلو من عبقرية ونبوغ غالبا.

 

الأرض تحتى دائما محروقة

والأرض تحتك مخمل وحرير..

فرق كبير بيننا يا ســـــــيّدى

فأنا محافظـــة .. وأنت جســـور

وأنا مقيّدة .. وأنت تطيـــــر..

وأنا محــجّبة .. وأنت بصيــــر..

وأنا .. أنا .. مجهـــولة جدا..

وأنت شهير..

فرق كبير بيننا .. ياسيدى

فأنا الحضارة

والطغاة ذكور.

 

إنها مقارنة مفجّرة لنقاط تجليات تحدي عقلية الشرقي المتمادي في طغيانه وتمثله للأنثى على أنها مجرد كائن من الضعف والعجز بحيث لا دخل ولا ضلوع لها في صناعة الحضارة وتحقيق التطور المنشود.

 

أعرف رجلا أسطوريا

يخرج من معطفه القمح

وتخضر الأعشاب

ويقرأ مابين الأهداب

ويقرأ ما تحت الأهداب

ويسمع موسيقى العينين

أمشي معه فوق الثلج،وفوق النار

أمشي معه،

رغم جنون الريح وقهقهة الإعصار

أمشي معه مثل الأرنب

لا أسأله أبدا(أين)؟

 

تثاقف مع الشعرية القبانية وذروة محاكاة تعكس مدى قوة المحاججة لما تندلق من فوهة مكبوت أنثى منذورة الموهبة للذود عن قناعات ومبادئ بنات جنسها،وتبنيها لثقافة رفض الأنانية الذكورية إذ تروم الإقصاء والتحجر الفكري.

 

أريد أن أفجر الوقت إلى شظايا

أريد أن أسترجع العمر الذي

خبأته في داخل المرايا

أريد أن أصرخ

أن ألعن

أن أحتج

أن أقتل تاريخا من العطور و البخور و السبايا

أريد أن أهرب من رطوبة الحريم و التكايا

أريد أن اهرب ممن حللوا دمايا

 

ومن ثمّ التطلّع إلى تاريخ أسطوري بحجم احتجاج الذات الشاعرة و صرختها ولعنتها يخرج من جلباب صياغة جديدة لراهن تسمه عقدة الأنثى إجمالا.

تلكم هي تجربة الذات المجلودة العاشقة للزئبقية الممكنة من انتشال الموضوعة من براثن واقع الخواء واللامعقول واللامعنى بغرض احتوائها وإخراجها عبر ولادة ثانية تسربلها جدّة المعنى.

 

أحمد الشيخاوي

في المثقف اليوم