قراءات نقدية

الشاعرة إنعام كمونة في قصيدة: استعجلت الرحيل / يا ولدي

صالح موسى الطائيلقد استوقفتني هذه القصيدة الرائعة المتميزة حيث انها جعلتني اعيد قراءتها عدة مرات إعجاباً واندهاشاً بما تحتوي من صدق عميق متوج بعناصر وبأدوات فنية شعرية غزيرة وبتراكم لغوي واسع قلّ نظيره مما جعل الشاعرة المبدعة الموهوبة انعام كمونة ان تكون قادرة وبامتياز في اختيار المفردات التي تليق بحالتها الشعرية والنفسية في لحظة الايحاء الشعري التلقائي الانسيابي الرائع الجميل... ولهذا قد كنتُ مترددا جدا في كتابة تعليق عابر او اشادة قصيرة في هذا الجمال الشعري الكبير حتى ارتأيت لنفسي ولذائقتي الشعرية ان امسك القصيدة بما ساوضحه الان مستخدما التحليل المبسط ومعتمدا على بعض العناصر والادوات الفنية المهمة التي من الضروري جدا ان يمتلكها العمل الادبي لكي يتوج بالنجاح او لكي يكون جديرا بالدخول الى عالم الابداع:

1- الصورة الشعرية:

ان هذه القصيدة الاستثنائية يقودها خيال خصب للشاعرة المبدعة إنعام كمونة، هذا الخيال الواسع الذي شكل صورا شعرية متلاحقة تبوح بامكانية ذهنية متوهجة لم تستسلم للموروث الفني الذي يتعكز عليه الكثير من الشعراء...فلقد كان التصوير الفني هنا حديثا ومبتكرا وجميلا جدا غير مستهلك يحمل في طياته لوحات خلابة مصحوبة بمهارة تنفيذية خاصة مختلفة كما في:ــ

دونتْ سلسبيل أوجاعي فوق عري الجباه *

بعكازٍ ضائــــــــــــــــــــــــــــــــــــع ..!!!!

لما تسكبُ أنفاسك قوارب بحر غاسق *

ويفترشَ هلال سجودكَ رملٍ صائدٍ..!؟

أ... أضمتك دموع موجة بين حناياها صارخة لرضاعك..!؟ *

أ... أهدهدتك فراشات السواحل بكركرات احلامك..؟

2 - الايحاءات والرموز:

إن هذا العنصر هو من الادوات المهمة جدا والتي تفوقت بها القصيدة بامتياز

فلم تصل الى الحد الذي يؤدي الى فقدان التوازن في المعنى او الاغراق في التعمية او في الطلاسم التي يصعب على المتلقي تفكيك شفراتها فلقد كانت الشاعرة موفقة وقديرة جدا في ايصال الفكرة عن طريق ايحاءات ورموز مناسبة وفعالة .

3- التلقائية والصدق في الاحساس:

لم يكن هناك اي افتعال او صناعة ملحوظة في الجمل الشعرية والمفردات بل بالعكس فقد كانت التلقائية متأتية من منطقة اللاوعي المتزن للشاعرة التي تبدو انها تمتلك مخزون ثقافي وخبرة شعرية كبيرة مكنتها من توظيف صدقها في الاحساس بأجمل صيغة لانها اعتمدت في ذلك على ادواتها الفنية المتنوعة وعلى خيالها الواسع مما أدّى الى ان تكون القصيدة بعيدة عن المباشرة وفي نفس الوقت بعيدة عن الانفلات الذهني الذي غالبا ما يجعل الشاعر يغرق في الهذيان .

4 - لغة القصيدة:

لقد لفت انتباهي ان لغة الشاعرة المبدعة إنعام كمونة هي لغة شعرية غير تراثية وتمتلك مسارا جديدا في التعبير عن خصوصيتها كذلك ان لها سيطرة كبيرة لاحتواء الرموز والايحاءات بكل رشاقة واقتدار واحب ان اضيف هنا ان الشاعرة لم تلجأ الى مفردات معجمية منتقاة لا تعبر عن حاجة المتلقي انما استخدمت لغة معاصرة كي تكون اهلا للتفاعل والانجذاب او كي تقلص الفجوة الكائنة الآن بين الكاتب والجمهور .

5 - الموضوع:

وأخيرا أود أن أشير الى ان الموضوع مهم جدا في اي عمل ادبي وتعتمد درجة اهميته على المعدل الاعلى الذي يقرّبه الى ما هو عام ومشترك.. فعلى سبيل المثال ان كتابة موضوع عن مخدة او عن شجرة ميتة تكون اهميته اقل بكثير جدا من اهمية الكتابة عن ثورة جياع او عن احتلال وطن حتى وإن كانت المعالجة الشعرية او الفنية متكافئة او متقاربة بين الاثنين، اما بالنسبة للعمل الادبي الذي يكون خاليا من اي موضوع او هدف فأعتبره مجرد لصق مفردات معجمية مع بعضها على شكل كولاج لغوي حيث لا عاطفة ولا وجدان .

وهنا احب ان اوضح ان موضوع هذه القصيدة البديعة يتصدر الدرجة الاولى في الاهمية فليس هناك أهم وأكثر الما من فقدان إنسان او غرق مجموعة بشر.

الشكر الجزيل للشاعرة الخلاّقة المبدعة إنعام كمونة على هذه القصيدة الرائعة رغم الالم والحزن الشديد الذي ينبض في اسطرها .

للاطلاع على قصيدة الشاعرة في صحيفة المثقف

استعجلت الرحيل يا ولدي /  إنعام كمونة

 

الشاعر والتشكيلي صالح الطائي

...........................

انعام كمونةاستعجلت الرحيل / يا ولدي

إنعام كمونة

(عن غرق أطفال المهاجرين في البحر)

اهتزت عروش البراءة ...

بتيجان نورك الصاعق

وأنت ..تتوسد قداس فجـــــــــــــرك

بأحضان صعيدٍ غارق

لتدخل جنتك بنعليك …

تنثر خطوك عناقيد الياسمين

تظللُـــــــــــــك أغصان زيتونة

لا شرقية ولا غربية

تُلاطمني أمواج شهقاتك.. بصدى لهفتي البوهيمية المرافئ

لما تسكبُ أنفاسك قوارب بحر غاسق

ويفترشَ هلال سجودكَ رملٍ صائدٍ..!؟

أيحتسي حروف عمرك ويدي مهاجرةً

لفراغ فائــــــــــــــــــــــــــــض..!!

ترنحت مواويل أمومتي

تناغي ملكوت طيفك

بهدير صمتي الخانع

وجداً حنيناً يبكيك بمشيمة مصائب

دونتْ سلسبيل أوجاعي فوق عري الجباه

بعكازٍ ضائــــــــــــــــــــــــــــــــــــع ..!!!!

فيــــــــــــــــا صوم لهفتي ورميم جوانحي

أيهزُها مهدَ النوى بزفيرٍ ماحق..!؟

يا ويل لحضني القائظ..!!

لم أودعك بقبلة اغتراب..!

ولا ضمــــــــــــة بتنهيدة مفارق..!

تبا لعذري الخانق..!!!

أ...أضمتك دموع موجة بين حناياها صارخة لرضاعك..!؟

أ...أهدهدتك فراشات السواحل بكركرات احلامك..؟

كيف لي أن أُصدق ولعبتك بين يدي تعانـــــــــــــــــق..!!

استجار البحر بطيفك ..

رفع راياته البيضاء

ببسمات حتفك الباسق ...

سرمدي هدير ذكراك... ينتـــــــــــــشي..

ونحن.......

نحن ننطفئ لا هوادة

ذبـــــــــــــــولاً نكابد...

خذني اليك ..ئدني بثغر صدرك ما زلت معاند..!!

هذه كفي... أِنقذني

أِنقذنــــــي…. خُذ روحي لك

مُد روحك لي

عانقني...

عانقني لأغرق...

بدلا عنـــــــــــــــك.

***

إنعام كمونة/ العراق

 

 

في المثقف اليوم