قراءات نقدية

محمد الأحبابي: التكرار في الشعر العراقي الحديث، شعراء السبعينيات.. دراسة أسلوبية (1)

محمد الاحبابيتمهيد: تُعدُّ الأسلوبية من أحدث وأهم ما وصلت إليه العلوم اللغوية في العصر الحديث، وهي التي تعنى بدراسة النص الأدبي دون سواه، ووصف طريقة الصياغة من أجل إظهار الخصائص التي تميزه بصفة خاصة، والعصر الذي تنتمي إليه بصفة عامة، باعتبار أن الشعر العربي مرّ بمراحل تطورية هامة سواء من ناحية الشكل أو المضمون، وعليه فإن خصائص الشعر ليست ثابتة وإنما هي متغيرة تبعاً لتغير مظاهر الحياة على اختلاف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وقد شمل هذا التغيّر الشكل والمضمون على حد سواء، أما على مستوى الشكل فقد مس التغيّر البناء الفني للقصيدة ليتغير شكل القصيدة من الشكل الموروث قديماً والقائم على الوزن والقافية وهو ما يسمى بالشعر العمودي، إلى الشكل الجديد القائم على السطر الشعري وهو ما يسمى بشعر التفعيلة، الذي قلل من الغنائية وإلغاء الخطابية واختفاء الشاعر وراء إبداعه في إطار لغة مهموسة.

وقد عَقَبَ هذا التغيّر في الشكل تغيّر في المعنى، إذ لم يعدْ الشاعر العربي الحديث يكتفي بتناول القضايا الذاتية، وإنما تعدى ذلك إلى القضايا الموضوعية العامة، لذلك نجده يعالج قضايا تَخُصُّ الوطن فأصبحَ الإنسانُ مضمونًا شعريًا، وأصبح الشعرُ تعبيرًا أَمْثَل عن بؤس هذا العالم وتغيراته، كالفقر والتخلف وتكميم الأفواه وعدم الحرية، وتدني المستوى الثقافي ومشكلة الغربة والحنين إلى الوطن، مستعينًا في ذلك ببعض التقنيات لبناء قصيدته، كتوظيف أسلوب التكرار الذي يُعدُّ ظاهرة أسلوبية في النص الشعري، حاول الباحثون أن يدرسوها من خلال الشواهد الشعرية، فتحدثوا عن فوائدها وأثارها وَتَوصَّلوا إلى عدد من الفوائد والوظائف، وكشفوا عن دلالتها البنائية والنفسية .

يحتل الشعر العراقي في مرحلة السبعينيات مكانة هامة في مسيرة الشعر العربي الحديث، ولعل من أبرز عوامل الإبداع لدى شعراء هذه المرحلة تعود إلى ما مرَّ به العراق من حروب دامية وظروف قاسية جعلت كثيرا من الشعراء يهاجرون إلى بلدان بعيدة عن وطنهم، حيث شكلت ولا تزال تشكل المادة التي يستوحي منها الشعراء مواضيعهم الشعرية .

ومن أبرز الشعراء جيل السبعينيات، يوسف نعوم داود الصائغ، ويحيى عباس السماوي، وأديب كمال الدين، ومعد أحمد حمدون الجبوري، خزعل الماجدي، ورعد عبد القادر، فلقد وقع اختياري على دراستهم لما يتميزون به من إبداع وصلت في السبعينيات إلى كمال نضجها، وكون أسلوب التكرار يشكل ظاهرة جلية في شعرهم بشتى أساليبه، وهي تجسد سمة أسلوبية هامة في نتاجهم الشعري، إذ تعد من أبرز السمات لفتًا للنظر، بالإضافة إلى عملهم على التجديد في الشعر العراقي، وتُعدُّ أعمالهم الشعرية ودواوينهم من أوفر الأعمال والدواوين على هذه الخاصية، كما يرجع اختياري لظاهرة التكرار موضوعًا لهذه الدراسة؛ لأنها تُعدُّ من أهم الظواهر التي امتاز بها شعرنا الحديث، إّلا أنها لم تحضَ بعناية النقاد والدارسين نظرًا لاهتمامهم المنصب على دراسة الصورة الشعرية والأسطورة، والرمز، والموروث الأدبي من تناص وتضمين، كما أن دراسة هذه الظاهرة في حقيقة الأمر دراسة لكل جوانب النص الشعري واللغوية، مما يعني أن ثمة فائدة علمية ونقدية لهذه الدراسة، من منطلق أنها تنصب على البعد الفني، إلى جانب اهتمامها بالبعد اللغوي والجمالي العام للنص .

يطمح البحث إلى رصد أساليب التكرار في دواوين (شعراء الدراسة) والبحث عن خصائصها الأسلوبية من الناحية الايقاعية، التركيبية، الدلالية، جاء عنوان الأطروحة موسومًا بـ: التكرار في الشعر العراقي الحديث ــــ شعراء السبعينيات – دراسة أسلوبية) ومحاولة الاقتراب من النص اعتمد البحث المنهج الأسلوبي، لكونه المنهج الملائم في مثل هذه الدراسات .

ولا بد لي من الإشارة إلى أهم المصادر التي تناولت التكرار بالدراسة والتحليل، وهي: الأعمال الشعرية الكاملة ودواوين الشعراء، فضلاً عن المراجع وهي: (قضايا الشعر المعاصر) لنازك الملائكة، و(أساليب الشعرية المعاصرة)، لصلاح فضل، (شعراء السبعينيات وفوضاهم الخلاقة)، لمحمد عبد المطلب، و(التكرير بين المثير والتأثير)، لعز الدين علي السيد، و(العلاقة الجدلية بين البنية الإيقاعية والبنية الدلالية)، لمحمد صابر عبيد، و(التكرار في الشعر الجاهلي) لموسى الربايعة و(الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث)، خلود ترمانيني، فضلاً عن مصادر ثانوية احتواها البحث .

اقتضى منهجُ البحث أن تقوم هذه الأطروحة على أربعة فصول، يتقدمها تمهيد ترجمتُ فيه لشعراء الدراسة، وتحدثت فيه عن عناصر التشكيل والتكوين الوظيفي للتكرار وعلاقته الجدلية بالماضي والحاضر في صنع الأصالة والمعاصرة .

تناول الفصل الأول، مستويات التكرار، وقد تمت دراستها في أربعة مباحث، لما لها - مستويات التكرار- من أهمية في فهم الانطباع الذاتي للشعراء، حيث تضمَّنَ المبحثُ الأول تكرار الحرف لدى الشعراء، وتضمَّنَ المبحثُ الثاني تكرار الفعل، وتضمَّنَ المبحثُ الثالث تكرار الاسم، أما المبحثُ الرابع تكرار الضمير والعبارة .

أما الفصل الثاني فقد تضمَّنَ جمالية التكرار وأنماطه، عند شعراء الدراسة، وتوزع على أربعة مباحث، تضمَّنَ المبحث الأول التكرار الاستهلالي، والمبحثُ الثاني التكرار الختامي، والمبحثُ الثالث تكرار اللازمة، والمبحثُ الرابع التكرار التراكمي .

وجاء الفصل الثالث ليحتوي على الباعث الفني في شعرهم، وقد تمت دراسته في أربعة مباحث: المبحثُ الأول: المجاز، والمبحثُ:الثاني التشبيه، والمبحثُ الثالث: الاستعارة، والمبحثُ الرابع: الكناية .

وكان الفصل الرابع مختصًا بالحديث عن بواعث التكرار في اللغة، عند شعراء الدراسة، في ثلاثة مباحث: المبحث الأول أسلوب التوكيد، أما المبحث الثاني أسلوب الاستفهام، والمبحثُ الثالث أسلوب النداء .

التكرار لغةً:

نجد لفظة التكرار وردت في القرآن الكريم، ولكن ليست بهذه الصيغة، إنما وردت بصيغة (كرتين)، كما قال تعالى ﴿ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ (الملك: 4). فنجد كرتين هنا تعني: رجعتين، أي رجعة بعد رجعة، وهي من مادة كرر أي الإعادة، إذ التكرار في اللغة لا يخرج عن الإعادة والترجيع. وقد ورد في معجم العين (والكر: الرجوع عليه، ومنه التكرار) (1) وجاء في لسان العرب التكرار بفتح التاء:)(الترداد والترجيع من كر يكر كراً وتكراراً والكر الرجوع على الشيء ومنه التكرار، وكرر الشيء وكركره أعادة مرة بعد أخرى، ويقال عليه الحديث وكررته إذا رددته عليه)(2)، أما الزمخشري فنجده يعرف التكرار بقوله: (كرر انهزم عنه تم عليه كرورا، وكر عليه رمحه وفرسه كرا، وكر بعدما فر وهو مكر وكرار فرار، وكررت عليه الحديث كرا، وكررت عليه تكراراً، وكرر على سمعه كذا وكذا وتكرر عليه)(3) . لاشك فيه إن للتكرار علاقة وثيقة بعلم النحو، ذلك انه واحد من أهم صور التوكيد في اللغة العربية . وفي كتاب سيبويه إذ عده ضربا من التوكيد لا يختلف عن (عامة، كل) ونحوهما وهما لفظان تستعملان لتأكيد المعنى(4).

يعرفه السجلماسي بأنه: (إعادة اللفظ الواحد بالعدد أو النوع، أو المعنى الواحد بالعدد أو النوع، في القول مرتين فصاعدًا)(5)، وروى صاحب التاج إن السيوطي ذكره(إن التكرار هو التجديد للفظ الأول ويفيد ضربًا من التأكيد) (6) .

التكرار اصطلاحًا:

أماّ في الاصطلاح فهو تكرار الكلمة أو اللفظة أكثر من مرة في سياق واحد إما للتوكيد أو لزيادة التنبيه أو التهويل أو التعظيم أو للتلذذ بذكر المكرر(7)، والتكرار لا يقوم فقط على مجرد تكرار اللفظة في السياق، وإنما ما تتركه هذه اللفظة من أثرٍ انفعالي في نفس المتلقي، وبذلك يعكس جانبا من الموقف النفسي والانفعالي، ومثل هذا الجانب لا يمكن فهمه إلّا من خلال دراسته، فالتكرار يحمل في ثناياه دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق، وهو يمثل إحدى الأدوات الجمالية التي تساعد على فهم الصورة أو موقف ما. كما عرفه الجرجاني في كتابه (معجم التعريفات) حيث يقول (عبارة عن الإتيان بشيء مرة بعد أخرى) (8)، ويرى الجرجاني في كتابه (أسرار البلاغة) أن الأمر كله يجب إن يكون مرجعه للمعنى، فهو ينكر الجمال في جرس الألفاظ (9).

ويرى ابن الأثير(637) (وإذا كان التكرار هو إيرادُ المعنى مردداً فمنه ما يأتي لفائدةٍ، ومنه ما يأتي لغير الفائدة، فأما الذي يأتي لفائدةٍ فأنه جزءٌ مِنْ الإطناب، وهو أخصُ منه، فيقال حينئذٍ: إن كل تكرير يأتي لفائدةٍ فهو إطنابٌ، وليس كلُّ إطنابٍ تكريراً يأتي لفائدة، وأما الذي يأتي من التكرير لغير فائدة ٍ فإنهّ جزء من التطويل، وهو أخصُّ منه، فيقالُ حينئذٍ: إن كل تكرير يأتي لغير فائدةٍ تطويلٌ، وليس كل تطويلٍ تكريرًا يأتي لغير فائدةٍ) (10).

كما عرفه عبد القادر البغدادي بقوله (إن التكرار هو إن يكرر المتكلم اللفظة الواحدة باللفظ أو المعنى)(11) ولكن ابن أبي الإصبع المصري (654هـ) تناوله بشيء بسيط وقال وجود التكرار إلى تأكيد الغرض من وصف أو مدح وما إلى ذلك (12). ونجد السيوطي قد ربط التكرار بمحاسن الفصاحة كونه مرتبطاً بالأسلوب، وهذا ما جاء في كتابة (الإقناع) بقوله (هو أبلغ من التوكيد وهو من محاسن الفصاحة) (13).

أماّ تتبع آراء المحدثين كان أصعب لكثرتهم، وتعرف نازك الملائكة التكرار بأنه:(إلحاح على جهة هامة من العبارة يعنى بها الشاعر أكثر من عنايته بسواها، وهو بذلك ذو دلالة نفسية قيمة ينتفع بها الناقد الأدبي الذي يدرس النص ويحلل نفسية كاتبه، إذ يضع في أيدينا مفتاح الفكرة المتسلطة على الشاعر)(14) بمعنى أن الشاعر المبدع يعنى بصيغة لغوية معينة فيجعلها ملمحًا مُهَيمنًا في نصه الشعري دون سواها، لكونها تُعَبِّر عن ما يَكْمنُ في داخلهِ من دلالات نفسية، ويرى محمد عبد المطلب من ناحية بلاغية أن التكرار هو الممثل للبنية العميقة التي تَحْكُم حركة المعنى في مختلف أنواع البديع، ولا يمكن الكشف عن هذه الحقيقة إلَّا بتتبع المفردات البديعية في شكلها السّطحي ثم ربطها بحركة المعنى، والتكرار هو الناتج الأول في المساعدة على تجميع خيوط الصياغة لفهم البديع وتوظيفه (15).

ويرى صلاح فضل أن ظاهرة التكرار استعملت في النصوص الحديثة بحثاً عن نموذج جديد يخلق دهشة ومفاجأة بدلاً من إشباع التوقع، وقد ركز صلاح فضل على ظاهرة التكرار المقطعي في كتابه (أساليب الشعرية المعاصرة) (16)، ويقول كذلك الكلمة هي التي تكون مفتاح العمل الأدبي هي التي يصل معدّل تكرارها في عمل معيّن إلى نسبة أعلى ممّا هي عليه في اللغة العادية(17). أي أنها كلمة تفوق في تردّدها لدى شاعر معيّن المعدّلات العاديّة لدى أمثاله في نفس الموضوعات، وقد استحدثَ الدكتور محمد صابر عبيد مسميات لأشكال التكرار هي: التكرار الاستهلالي والتكرار الختامي، والتكرار الهرمي، والتكرار الدائري، وتكرار اللازمة، والتكرار التراكمي (18). وترى نازك الملائكة(وإلّا فليس أيسر من ان يتحول هذا التكرار نفسه بالشعر إلى اللفظية المبتذلة التي يمكن أن يقع فيها أولئك الشعراء الذين ينقصهم الحسّ اللغوي والموهبة والأصالة) (19).

ومما سبق نخلص إلى أن التعريف الاصطلاحي للتكرار قد تجاوز التعريف اللغوي، فلم يقف عند الترجيع، وإنماَ تَبيَّن أن التكرار ظاهرة مرتبطة بالدواخل التي تسهم في صنع جسور فنية تصل أجزاء النص، فتجعله متماسكًا (20). وهذا التكرار لم يأتِ محض مصادفة، أو أنه تقليد وحسب، وإنما تعبير عن معتقدات وفكر تراكم وتكامل عبر السنين التي مرت على أجيال من الشعراء، ومن هذا المنطلق عزمتُ على تقديم دراسة ترمي إلى الوقوف على هذه الظاهرة اللغوية الأسلوبية، أسلوبية تظهر في النصوص بنسب وكثافة وتوزيعات مختلفة.

إن تطبيق المعايير الأسلوبية له فوائد كثيرة، منها أن التحليل الإحصائي يسهم في حلّ المشاكل ذات الصبغة الأدبية الخالصة، فاستخدام هذه الآلية قد يساعد، مع شواهد أخرى، على تحديد مؤلّفي الأعمال مجهولية النسب، ويمكنه أن يسلط الضوء على مدى وحدة بعض القصائد واكتمالها أو نقصها (21).

وقد وجدتُ في شعر الشعراء المراد دراستهم أنموذجًا معبرًا عن هذه المعايير، وقد وقع اختياري عليهم بعد قراءة متأنية لِشِعْرهم، فوجدتُ التكرارَ ظاهرة بارزة في شعرهم وسأعتمد كمنهج الوصفي في دراسة هذه الظاهرة عندهم، فهو علم يدرس العوامل المؤثرة في اللغة ولهذا توسع البحث في المفهوم فشمل كل ما يتعلق باللغة من تكرار الأصوات والصيغ والكلمات والتراكيب والألفاظ والدلالات .

وبذلك يكون التكرار قد زاد من حبكة القصائد الشعرية وشدّ الوثاق بين أبياتها بوحدة الموضوع من خلال تسلسل الأفكار بلغة تكرارية عُرِفت بالرصانة والحبك .

شعراء السبعينيات:

إن جيل السبعينيات جيل رافض متمرد على الموروث الأدبي في معظم الدول العربية،لأنه عاصرَ أحداثًا تاريخية مهمة كانتَ تهزّ كيانه،وتؤثر على وطنه، وفي العراق عانى جيل السبعينيات من تحولات سياسية، وانعكس ذلك على نتاجهم الأدبي سواء أكان شعراً أم نثراً. فلقد غاصوا في منخفض الحيرة بين إكمال منجزهم الإبداعي (قصيدة النثر) وبين الانضواء تحت لواء جيل الستينيات، فظلوا يعانون حياة التشرذم، ولم يستطيعوا أن يؤسسوا لهم قاعدة متينة راسخة في عالم الشعر، فالثقافة العربية أو الغربية تكاد تكون غائبة مقارنة بمرحلة الرواد (22)، فقد بقي السبعينيون يبنون بيتهم الإبداعي، وكانت نصوصهم تحاول النفاذ إلى أرض الواقع، وأن هذا الجيل ابتعد عن السرد النثري فهم يعيدون إلى الذاكرة غنائية الرواد (23) .

وقد ظهرت صيحات جديدة في الكتابة الأدبية نشأت على اكتاف السبعينيات والأجيال التالية لهم، إذ برزت بعد قصيدة النثر على الساحة الثقافية ظاهرة (النص الأدبي) النص المفتوح المنفلت من الضوابط والقوانين باستثناء سلامة التعبير اللغوي، (وكان أدباء السبعينيات يرنون إلى هذا الوليد الجديد - قصيدة النثر- بحنان واضح واشتياق خفي وارتياح ملحوظ وخاصة وأنهم في بداية طريق جديد)(24)، وبما أن الشعر العراقي ومنذ ثورة الرواد قد حقق منجزاً مذهلاً يستحق أن نفخر به، غير أنه بحاجة ماسة إلى حملة نقدية منظمة شاملة مخطط لها ويجب أن يندب لها حشد من صفوة النقاد .

وقد قسم شاكر لعيبي تاريخ الشعر العراقي الحديث منذ بداية الخمسينيات وحتى الوقت الحالي، إلى مراحل ثلاث: المرحلة الأولى تضم الرواد وفترة الخمسينيات، ممثلة بالشعراء السياب، والملائكة، والبياتي، وبلند الحيدري، وسعدي يوسف، وحسين مردان، ومحمود البريكان، والمرحلة الثانية من بداية الستينيات واتسمت بالطابع الشكلي وبمحاولات للتجديد لم تتحقق لتجاوز تجربة الرواد وممثلة بالشعراء مؤيد الراوي، ووليد الاعظمي، وسركون بولص، وحسب الشيخ جعفر، وفاضل العزاوي، وأنور الغساني وغيرهم، أما المرحلة الثالثة وتضم ما عرف بجيل السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات وهم خزعل الماجدي، يحيى عباس السماوي، ويوسف الصائغ، وأديب كمال الدين، ورعد عبد القادر، ومعد الجبوري، وسلام كاظم، وعدنان الصائغ، وزاهر الجيزاني وكمال سبتي وغيرهم (25) .

وإن تحري أشكال التكرار في شعر معد الجبوري، وخزعل الماجدي، ويحيى السماوي، ورعد عبد القادر و يوسف الصائغ وأديب كمال الدين، يكشف عن مدى اهتمام الشعراء بهذه التقنية، حتى أصبحت ظاهرة شائعة في القصيدة العراقية في مرحلة السبعينيات تستحق الوقوف عليها وقفة ترصد ظواهرها المختلفة، وتجعلها قيد الدراسة لتملأ فراغًا في المكتبة العربية .

ترجمة حياة شعراء الدراسة وأعمالهم الشعرية حسب أعمارهم:

1- يوسف نعوم داود الصائغ: وُلِدَ عام 1933 في مدينة الموصل، نشأ بين أسرة دينية تهتم بالأدب والسياسة, وبعد أن أكمل دراسته الثانوية بالموصل التحق بدار المعلمين العالية, ثم حصل على درجة الماجستير بمرتبة الشرف، وله دواوين شعرية مطبوعة منها: قصائد غير صالحة للنشر 1957، اعترافات مالك بن الريب 1972، سيدة التفاحات الأربع 1976، اعترافات 1978، المعلم 1985، قصائد يوسف الصائغ (مجموعة كاملة) 1993 (26).

2- معد أحمد حمدون الجبوري: وُلِدَ في مدينة الموصل بالعراق عام 1946 م، حاصل على بكالوريوس آداب من جامعة بغداد، عام 1968م له من الإصدارات في الشعر: اعترافات المتهم الغائب، للصورة لون آخر، وردة للسفر، هذا رهاني، آخر الشظايا، طرديات أبي الحارث الموصلي، كتاب المكابدات،أوراق الماء، حُرَق في فضاء الأرق، الأعمال الشعرية الكاملة 1971 – 2008 م، للشاعر معد الجبوري، مؤسسة شمس للنشر والإعلام، القاهرة . وقد توفي الشاعر في مستشفى الزهراء في الموصل بتاريخ 1/4/ 2017م الساعة الواحدة بعد منتصف الليل (27).

3- يحيى عباس عبود السماويُّ شاعرٌ عراقي وُلِدَ عام 1949م، في السماوة، حاصل على شهادة بكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة المستنصرية، هاجر إلى أستراليا عام 1997م، له دواوين: (عيناك دنيا) 1970م، (قلبي على وطني) 1993م، والاختيار عام 1994م، و(عيناك لي وطن منفى)1995م، (هذه خيمتي ... فأين الوطن)، (أطفئيني بنارك)2013م،(نقوش على جذع نخلة)، (قليلك لا كثيرهن) وغيرها، فقد أصدر سبعة وعشرين ديوانًا شعريًا (28) .

4-خزعل الماجدي: شاعر وكاتب مسرحي عراقي ولد في كركوك عام 1951 م أكمل دراسته في بغداد وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم 2003م أصدر له الأعمال الشعرية الكاملة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2014م (29) .

5- رعد عبد القادر ماهر الكنعاني: وُلِدَ الشاعر في مدينة سامراء عام1953م، وهو شاعر عراقي ينتمي إلى الجيل السبعيني، ويعدُّ الشاعر من الشعراء المجددين لقصيدة النثر، وقد صدرت له مجموعتان في مجلد واحد هما: (صقر فوق رأسه شمس وعصر التسلية)،كما صدرت له المجموعة الكاملة، عن دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2013 م (30) وقد توفي سنة 2003م.

6-أديب كمال الدين: شاعر معاصر من العراق، وُلِدَ عام 1953م في محافظة بابل، تخرج من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد عام 1976م، وقد أصدر 18 مجموعة شعرية باللغتين العربية والإنكليزية. كما صدرت له الأعمال الشعرية الكاملة: في مجلدات، منشورات ضفاف، لبنان، ط1، 2015م. (31).

"يتبع"

 

د. محمد الأحبابي

من البحث الذي حاز به الباحث شهادة الدكتوراه .

.....................

(1) معجم العين، الخليل بن احمد الفراهيدي، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2003 م، 4/19 .

(2) لسان العرب: ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1999م، مادة (كرر) و ينظر المعجم الوسيط، ابراهيم أنيس وآخرون مادة) كرر.

(3) أساس البلاغة، الزمخشري (أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن احمد) تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م، ص 539 -540 .

(4) كتاب سيبويه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3،، 1988م، 1/ 83 - 84.

(5) المنزع البديع في التجنيس أساليب البديع، أبي محمد القاسم الأنصاري السجلماسي،تحقيق علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، ط1، 1980م. ص476 .

(6) تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى الزبيدي، طبعة الكويت، ط2، (د-ت)، 7/ 440 .

(7) مدخل إلى علم الجمال، هيجل، ترجمة جورج طرابيش، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1978م، ص71.

(8) التعريفات، الجرجاني، تحقيق محمد علي أبو العباس، مكتبة القرآن، القاهرة، (د-ط)، 2003م، ص71.

(9) أسرار البلاغة في علم البيان، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق د عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1971م، ص14-15.

(10) المثل السائر في أدب الكتاب والشاعر، تحقيق أحمد الحوفي و بدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، ط2، (د-ت)، 3/8.

(11) خزانة الأدب ولباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مصر، ط2، 1997م، 1/ 361.

(12) أنظر، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، ابن أبي الإصبع المصري (ت654هـ)، تحقيق حفني محمد شرف، المجلس الاعلى للشئون الاسلامية، القاهرة، ط2، (د-ت)، ص375.

(13) أصول التفسير وقواعده: الشيخ خالد عبد الرحمن العك، دار النفائس، بيروت، لبنان، ط2، 1986م، ص274.

(14) قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ص27.

(15) انظر، بناء الأسلوب في شعر الحداثة، د. محمد عبد المطلب، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1995م، ص109-110.

(16) انظر، أساليب الشعرية المعاصرة، د . صلاح فضل، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د – ط، 1998م، ص154 .

(17) انظر،علم الأسلوب، د. صلاح فضل، دار الشروق، مصر، ط1، 1998م، ص239.

(18) انظر،العلاقة الجدلية بين البنية الإيقاعية والبنية الدلالية، د محمد صابر عبيد، ص 115–220 .

(19) قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ص231.

(20) انظر، الإحالة في نحو النص "دراسة في الدلالة والوظيفة " مع التطبيق على مجموعتين قصصيتين، د.أحمد عفيفي، ضمن كتاب " العربية بين نحو الجملة ونحو النص" المؤتمر الثالث للعربية والدراسات النحوية بكلية العلوم جامعة القاهرة، 2005م، ص524.

(21) انظر، التكرار في الشعر، د فاطمة محجوب، مجلة الشعر، العدد الثامن، بيروت، 1977م، ص 40 .

(22) انظر، مواجهات الصوت القادم دراسات في شعر السبعينات، حاتم الصكر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، (د-ط)، 1986 م، ص 19

(23) انظر، مواجهات الصوت القادم دراسات في شعر السبعينات، حاتم الصكر، ص 17،18.

(24) أدباء السبعينات في العراق .. سيرة جيل 1980-1988م، قيس كاظم الجنابي، موقع النبراس الإلكتروني، المقالة تحت باب ذاكرة الثقافة،2012م .

(25) انظر، الشاعر الغريب في المكان الغريب التجربة الشعرية في سبعينيات العراق، شاكر لعيبي، دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع، ط1،،2001 م، 1 / 13 .

(26) قصائد يوسف الصائغ (مجموعة كاملة)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، (د-ط)، 1992 م، ص4 .

(27)لقاء خاص مع حارث معد الجبوري في مدينة الموصل أبن الشاعر معد الجبوري.

(28)السيرة الذاتية للشاعر يحيى السماوي أرسلها الشاعر للباحث .

(29) الأعمال الشعرية، خزعل الماجدي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2014م، ص8 .

(30) المجموعة الكاملة، رعد عبد القادر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد،ط1، 2013 م، ص7 .

(31) السيرة الذاتية للشاعر أديب كمال الدين أرسلها الشاعر للباحث .

 

في المثقف اليوم