قراءات نقدية

نجيب طلال: النقد المسرحي الفايسبوكي!!

تلك المنصة: بناء على الإيقاع المذهل للتقدم العلمي والتطور التكنولوجي والحضاري، الذي أضحى يتضاعف بسرعة مذهلة في كل لحظة وحين؛ محولا العالم إلى شبه قرية كونية، في ظل تكنولوجية الاتصالات، التي تمدنا بوسائل وتقنيات حديثة، تخدم الإنسان، أكثر مما تضره. هَذا إن تم استغلال تلك الوسائل والتقنيات، بطريقة إيجابية، ونَحْو هدف محَدد ومرسوم سلفا. وفي نفس الوقت، إن كانت لنا رغبة أو إرادة: فوسائل التواصل الاجتماعي؛ تفرض علينا إنتاج أسئلة وتساؤلات مستقبلية نحو أدوات الإنتاج الثقافي والعلمي، وكيفية استغلالها؛ على الأقل لخلق نوع من التوازن لمبدأ التواصل بين الآخرين، وتجديد العلاقات الإنسانية.

وهنا محور حديثي [الفايس بوك] تلك المنصة التي فرضت وجودها علينا بتقنيتها وأسلوبها و نظرتها للعالم كرؤيا! باعتبارأن [الفايس بوك] أحَد المنصات الأكثر انتشارا واستعمالا، والذي يُتيح ويبيح التفاعل والتواصل بسرعة برق بين الأشخاص سواء أكانوا [معلومين] فيما بينهم أو [افتراضيين] حيث يشاركون ويتبادلون / ينشرون المعلومات والأفكار وتعقب الأحْداث الجارية على كل المستويات كل في محيطه وموقعه بسهولة ويسير. فأي تدوينة أو منشورأو صورة ستكون في متناول الآلاف المؤلفة من المتتبعين، والمستهلكين والمشتركين داخليا وخارجيا. وذلك على مَدار الدقائق! فبالأحرى الساعات! وهو الأمر الذي لم تحققه الصحيفة الورقية، سواء المستقلة أو الحزبية؟ ولنؤمن بهاته الحقيقة. ولنؤمن كذلك بأن [الفايس بوك] ظاهرة من ظواهر العَصر. مما أمسى من ضمن أشكال الهيمنة الثقافية / الإعلامية / من خلال الاتصال والتواصل الدائم والمستمر مع الجميع، وتزايد الإقبال عليه. إذ بدون استئذان استطاع ويستطيع أن يخلق مجتمعا {فيسبوكيا} وتزداد قوته ؛ إن تم العُثور على أشخاص لديهم نفس الاهتمامات ونفس الهواجس. بحيث من خلال منتوجه، ونوعية رواده يتم استقراء المجتمع وكيف يفكر أفراده (ذكورا / إناثا) وما هي رغباتهم وطموحاتهم؟.

أليس "الفايسبوك" منصة / جهاز مزعج للسلطات، والقرينة تكمن أن العَديد من الساسة والحزبيين حاولوا محاربته عن طريق تقنين قوانين صارمة للتعامل معه؟ وللنشر فيه؟ أليس "الفايسبوك" حَقق" الربيع العَربي" وأطاح بالكثير من الرؤوس المُفسدة والفاسِدة، والعصابات الإجرامية؟

طبعا أية ظاهرة لها إيجابيتها وسلبياتها، لكن الملاحظ بأن "الفايسبوك" له آثار جانبية، في بلادنا [تحْديدا] ارتباطا بعوامل متعددة، تتعلق بالأفراد وأهْدافهم. وأبرز العَوامل تحويل [الفايسبوك] ك [وسيلة] من وسائل التفاعل ونشر المقترحات والتصورات والجَديد من الأفكار والإبداع وطرح الأعمال من فنون القول، والفنون المشهدية إلى [غاية] يحضر فيها الذاتي والنرجسية والبطولية، مما يتضاءل التفاعل والتجاذب بين الفايسبوكيين، وأبرز نموذج{ المجموعات/ les croupes }بحيث لماما ما نلاحظ تعليقا وحيدا وتعقيبا أوحدا! و في الغالب ثلاث استحسانات، وهنا أتحَدث عن المجموعات المسرحية، والتي تكاثرت [عربيا] بشكل رهيب في الآونة الأخيرة، والمسألة إيجابيه مادامت كل مجموعة مسرحية تحاول أن تستغل الفضاء الأزرق كسلاح إيديولوجي/ إشهاري: لمصلحتها وأهْدافها، عبر بوابة التواصل والتعارف ونشر ملصقات العروض المسرحية، والتعريف ببعض المبدعين المسرحيين. مقابل هذا تمظهرت ظاهرة جِد سلبية، خطيرة عبر الفضاء [الفايسبوكي] خارج إطار المجموعات المسرحية، ولكن من معمعان الفرق المسرحية المغربية (تحْديدا)

عَتبة الخلل:

إذا عُدنا قليلا للوراء؛ فعتبة الخلل، تكمن أساسا في مسألة الدعم المسرحي، الذي ساهم في تكريس عِدة مظاهر سلبية! مظاهر مريبة، استطاعت أن تنخر روح المسرح من الداخل، وأن تمسح من الخريطة بعض الأنواع المسرحية؟ وأن تميِّع المفهوم " النقابي" إلى موقع مساءلة تشكيكية عن الحجم الحقيقي للفعل النقابي/ المهني، وعن الإمكانيات الذاتية والموضوعية للنقابات الفنية المتعددة، في إدارة الصراع الاجتماعي وتحقيق المكتسبات لفائدة الشغيلة / المسرحية؟ وأن تشتت المسرحيين شذر مَدر، وإلى لوبيات وقبائل وفصائل غير متجانسة ولا متقاربة! مما مات الفنان والمبدع "المبدئي" الذي كان لسان الشعب والشرائح الإجتماعية المضطهدة والمقهورة! وإحياء المبدع والفنان " الحربائي" الذي تتناسل منه صفات متعددة، في الأصل ذميمة وغير محمودة في المشهد الفكري والإبداعي [انتهازي/ وصولي/ خبزي/ برغماتي/ فهلوي/ انبطاحي/.../] والذي زاد في تدعيم "الحربائية" التهافت نحو المهرجانات "الخليجية" وما شابهها! سواء المستقرة أو المتنقلة. تأكيدا هاهنا :لا حق [لنا] بأن نطعن أونضع تلك التظاهرات في موقع شبهة. لأنها تبقى تظاهرات تخدم الفعل المسرحي والجمالي، وهي مبنية على تصورات وأهداف استراتيجية، سطرها أصحابها والمشرفين عليها؛ من خلال منطلقاتهم والخصوصية الموسعة، لإنماء الثقافة المحلية، وصون قوتها عربيا / عالميا. ولاسيما أن الحركة النقدية ودعمها ماديا ومعنويا، ستساهم إلى أبعَد حد في تطويروتطوُّر الابداع وتقويته؟ وبالتالي فارتماء أغلب النقاد والمسرحيين في معمعان تلك المهرجانات، وتهريب سلعهم (مقايضة مادية) رغم [تهَلهُلِها] للمجلات والمطبوعات الخليجية، واستخدام بعض " الكتبة" المحْسوبين على الخريطة المسرحية مناهجهم الدراسية / النقدية على عروض(§) هي بمثابة صك ("الإقامة والرحلة ") لتلك المهرجانات! وهناك ممن أعطى لنفسه صفة (ناقد) دائما يحاول بشتى الطرق أن يكون ضمن لجن الدعم المسرحي، لأن موضوع هاته "اللجن "وملفاتها في المناطق الرمادية، أكثر من صفحات حكايا (شهرزاد / شهريار) فَهذه الثقوب أعطَت شبه فراغ في الساحة النقدية، أو بالأحرى أضحى النقد المسرحي ببلادنا أكثر انكماشا وضعفا، مما يفرض مساءلة حقيقية عن مصير النقد؟ ولكن جوهر الإشكالية مَنْ يسأل مَنْ؟ رغم بعض الاجتهادات من رجالات "مبدئيين" قابعين ينحتون الأفكار والتصورات في بلادهم، لكن تبقى اجتهادات بدون "صوت" امتدادي، نتيجة غياب القارئ المتزن والمواكب! ومن زاوية أخرى انعِدام الملتقيات والتظاهرات والأيام المسرحية، القارة أو المتنقلة، والتي كانت بمثابة أوراش فكرية / فنية/ تواصلية / علائقية؟ ناهينا عن اضمحلال وخفوت بعض الجرائد والمجلات المهتمة بالشأن الفني والمسرحي. مما أضحى الجسد الثقافي /الفني. يعاني بحسرة وألم في مشهدنا الراهِن، من عِدة اختلالات واختراقات وثقوب. بالتأكيد نتيجة، أن هنالك {حلقة مفقودة } الآن في النسيج المسرحي في المغرب؟ تلك الحلقة وغيرها أفرزت لنا ظاهرة متفردة والمتمثلة في:

النقد الفايسبوكي:

بدون إنزال مرجعي، فالنقد أساسا قراءة / تحليل/ تقييم/ للأعمال المسرحية والوصول لفهم عميق لحمولة العرض جماليا / فكريا / إيديولوجيا / تقنيا / من أجل تطوير الأعمال المسرحية وكيفية تأثيرها على المتلقي، علما أن الحركة النقدية تتوجه نحو تطوير أساليب القراءة وعصرنة مناهج التحليل والتفكيك تماشيا مع ما يفرزه الانتاج المسرحي و ارتباطا بواقعه. بغية دعمه وإبراز جوانب قوته وخلله الفني والجمالي، كمحصلة تخدم الفعل الإبداعي والثقافي عموما. لكن الملاحظ بأن العَديد من الفرق المتهافتة على الدعم وخِلافه، أمست تسخر بعْض الأفواه والأقلام في الكواليس، ليقوموا بمهمة شبه نقدية لأعمالهم المعروضة أمام لجن الدعم (؟) أو مشاركة في مهرجان (ما) فلا يمكن أن نعطيها إطارا صائبا لتلك المهمة سِوى ((النقد الفايسبوكي)) هذا تلطيفا للسياق؛ أما في واقع الأمر فهي في الأصل"مهاترات فايسبوكية " ولكن لنسميه (نقدا) وأقل ما يقال عنه سطحي، يغلب عليه الإطراء والمدح أكثر مما كان "الشعراء " يمدحون سلاطين زمن (وزده من بيت المال)! بحيث كثير من الإخوة لا علاقة لهم بالمجال المسرحي/ النقدي، ورغم ذلك انغمسوا في ممارسة قراءة عِدة (عَروض) مرشحة للدعْم، والتي نشم من بين الأسطر روائح خارج ماهية النقد، بل مدفوعة إما "محبة " أو" أجر"، لأن تلك الكتابة جزء منها يشيد بالمؤلف أو المخرج، ويدور بين جنبات ملخص العرض المسرحي. في غياب الإحاطة بظروف تشكيل ذاك الخطاب المسرحي، ودونما الاحتكام إلى المقاييس الموضوعية، والمعايير العلمية في الفهم والتفسير والتأويل للعرض. أو حتى التمثّل في تشغيل الذوق الفني. والمثير أن أغلب تلك الكتابات لا تخرج عن إطار الفضاء الأزرق؟ أي لا يتم نشرها في الصحف والمجلات الإلكترونية : لماذا؟ هنا التحليل سيطول في هَذا الموضوع، ولكن سنقف عليه في ما بعْد.

وتلافيا للحساسيات والتأويلات الصبيانية والغضب المرضي، فضلنا ألا نقدم نماذج من [النقد الفايسبوكي] والحجة (انظر) أيها القارئ المفترض للتعليقات والردود حَول قراءة العروض المسرحية لهذا الشهر(أكتوبر2023) ناهينا عن الأعمال السابقة، والتي أنجزت بعْد نهاية وباء(كوفيد) إلى (الآن). ولكن مضطرين أن نشير- ها هنا - إلى أن أحَد الشباب (..) قام بقراءة عَرض لمخرج أخرج [عملين] في شهر واحِد! سبحان الله القوي الجبار! بحيث تلك القراءة نشرها في صفحته الفايسبوكية و نشره في نفس اليوم ب[مجلة فنون مسرحية] فذلك المنشور، حبذا لو ظل في إطار المدح والتلاعب بالصور(السكيتشات) بدل التلاعب بالأفكار والمدارس الإخراجية، وإثارة ستانسلافسكي و جاك ليكوك، ليبرز للقارئ أنه (ناقد)؟ مبدئيا فالعمل النقدي ليس عملا بسيطا وسهلا، ولا ينجز في [يومين] فهو يحتاج إلى المعرفة الدقيقة بكنه وماهية المسرح، موازاة بثقافته المتبحرة. لإضفاء المشروعية الإبداعية على الشيء المنقود. بعْد كشف مكامن الخلل أو الإشراق الفني والإبداعي في العملية المسرحية كلية، ولكن أبعَد من ذلك محاولة ممارسة الغوص التفكيكي عن الخفايا والأبعاد الإيديولوجية والنفسية والسياسية حتى للعرض؟ لتقييم خطابه وأداءه وجماليته. وبالتالي فهنالك تعارض بين مدرسة وإخراج [ستانسلافسكي و جاك ليكوك]، فالأول يدعُو لصدق الأداء المسرحي للشخصية،من خلال الإيمان الحقيقي للأفعال والأقوال التي تصدر من(الممثل). أما المخرج الفرنسي - جاك ليكوك - يدعو لاستغلال وتوظيف الألعاب العضلية والرياضية في عالم المسرح، بحيث أعطى مساحة واسعة للصمت أثناء اللعب وقوة دافعة للحركة وللإشارة، مع توظيف القناع في سياق جمالية السينوغرافيا على حساب الملفوظ، لتحقيق شعرية جسد الممثل: هل العرض استحكمت جماليته الإخراجية على ذلك؟ فالتعاليق التي انحسرت في[8]؟ خطها الرابط (الشكر) الممزوج ب (المدح) لأن [المنتوج] كان إطرائيا / مَدحيا صرفا؛ فحتى مخرج العرض [شكر- تلك الإضاءة] بدل أن يناقشها، ويحاول إبداء رؤيته الإخراجية، لتعميم الفائدة! على ضوء تلك الانطباعية.أما تلك [اللياكات] وصلت فقط إلى [23]؟ والمحير أن المقاربة النقدية : المنشورة في (المجلة) لا تعليق ولا شكر حولها؟ مقابل هَذا هنالك أقلام، ولكن قليلة جدا! لم تنهج [الكل جميل] إيمانا بأن المقاربة "النقدية "الصادقة والمتمكنة من آليات اشتغالها، لا يمكن أن تحابي أو تداهِن أحدا، بل تسعى جاهِدة أن تكون منصفة متبصرة في قراءتها، بعين ثاقبة ومصححة. مماسعت تلك الأقلام، ولقد سعت أن تغوص في ماهية العروض المسرحية؛ التي سمحت لها ظروفها لمشاهدتها، مما حاولت شحذ بعض المفاهيم النقدية في إطار المتن مساهمة بخلق إضاءات نقدية تجاه بعض العروض، المشاركة في (الدعم) حاليا وسابقا. لتدارك خللها أو أخطائها الفنية / التقنية / الإخراجية /.../ لكن المثير أن أصحاب تلك العروض وجيشها الفايسبوكي، يحاولون هَدم وتفنيد ما ورد في ذلك [النقد الفايسبوكي] وذلك من خلال التعليقات والردود المستفزة، والتي تصل إلى حد الشتم المبطن! حتى أن البعض انسحب من (الفايسبوك) تلافيا للصدمات والاصطدامات المجانية! ولكن الأغرب أن تلك النقود تم تنشرها في (الفايس بوك) فقط؟ دونما السعي لنشرها في المواقع المسرحية والثقافية، لتعميم الفائدة عربيا / دوليا؟

فهل الآن [النقد الفايسبوكي] أمسى رهانا أساسيا رغم علته وهناته الفاضحة؟ لأن الإطار الفكري والحضاري الذي أنبنى عليه "الفايس بوك" يحاول العَديد من الإخوة إفراغ إطاره " النبيل" للمصالح الذاتية، والإنتهازية، التي لا تخدم الثوابت الفنية والثقافية. هذا إن بقيت هناك بعض الثوابت؟ لأن معظم ما جادت به تلك المقاربات (النقدية : الفايسبوكية) تندرج في [برواز] الكتابة الانطباعية / المدحية، متناولة العرض من الخارج، وهي ظاهرة غير صحية بالأساس. ولعل هذه الإشكالية تحيلنا على موضوع المنهج، وزاوية الرؤية للموضوع، وكيفية التعامل مع العرض المسرحي؟.

***

نجيب طلال

في المثقف اليوم