قراءات نقدية

حسين عجيل الساعدي: تجليات البنية السردية في نص الشاعر د.علي لعيبي

النص

حينَ نظرَ عبد الأمير الحصيري إلى جرف نهرِ دجلةَ

بدأَ يسمعُ بائعةَ البالوناتِ

وهي تنشدُ أغاني النهرِ

يتأملُ باراتِ أبي نواس العتيقةَ

وحاراتِ المسيحِ المتنقلةَ

في أزقةِ البتاوين النظيفةِ

والقواربَ المسافرةَ لتنحني عندَ آخرِ تمثال لشهريار

وهي مثقلةٌ بالبلحِ الناضجِ

من مزارعِ البصرة

وأغاني الخشابةِ و دبكاتِ الصيادين

وكتاباتِ بدر شاكر السيّاب

وهو يترقبُ حضورَ وفيقة

بينما تأتي النوارسُ كئيبةً من القيظِ

فوقَ السهولِ و المدنِ الهادئةِ

إذ هنالك يتأملُ أحمدُ الفراهيدي

تحتَ إرثٍ كبيرٍ

ينشدُ قصائدَ امرئ القيسِ

"اليومُ خمرٌ و غداً أمر"

وعن المدنِ البعيدةِ

كيفَ قاومتْ الهجمات البربريةِ

لسيوفِ الغزاةِ الدمويّةِ

وحواراتِ الفتنِ المجاورةِ

بينما ضجَ الكونُ من حروبٍ عبثيّةٍ

فسارتْ النعوشُ بغير بكاء لكثرة النحيب

ولم يعدْ أمام المدفونِ إلا انتظارَ زواره القادمين

بانتظارِ محاكماتٍ عادلةٍ

وعودة بقايا طمأنينة من دهاليزِ الميتين في ترقبٍ

إن يفتحَ اللهُ نوافذَه

للمرةِ الأخيرةِ

ويطلُّ من وادي السّلام

على أسرابِ الموتى

وينتهي المطافُ

ويُدفنُ آخرُ مقاتلٍ

قبلَ ان يُصابَ بالجبن

لكثرةِ ما قرأَ آياتٍ وتعاويذَ السلامة

وقصصَ الحروبِ الخاسرةِ

 ***

القراءة

السرد كما يصفه "جيرار جنيت" بنية يشكل بها الشاعر رؤاه الفنية، الذي حدد مفهوم السرد بأنه (عرض لحدث أو لمتوالية من الأحداث حقيقية أو خيالية، عرض بواسطة اللغة، وبصفة خاصة عرض بواسطة لغة مكتوبة)، "جيرار جنيت، حدود السرد، ص92".

لقد أتخذ السرد عدة مظاهر فنية في تشكيل بنية النص الشعري، الذي (بات قادراً على استيعاب الكثير من خصائص النصوص السردية)،"خليل شكري، القصيدة السير ذاتية واستراتيجية القراءة، ص15".

وفي قراءتنا هذه نقف على تجليات البنية السردية في نص الشاعر "علي لعيبي"، الذي اتسم بنفس سردي تجلت فيه عناصر السرد وآلياته السردية والوصفية، وتداخل البنى السردية والشعرية التي وظفها الشاعر في النص. ومرد ذلك يعود تميز الشاعر بالتعددية الثقافية (أدبية ونقدية وفنية وسياسية)، انعكست في كتابة نصه الذي صاغه بأسلوب حداثي إثرى به النص، وقدرته في توظيف تقنيات الأجناس الفنية والتداخل والتفاعل بينها.

قد يبدو مصطلح (السرد الشعري) متناقضاً اللفظين المكونين له، بسبب وجود جنسين أدبيين مختلفين في مفهوم اصطلاحي واحدة، فالسرد ينتمي إلى عالم النثر، والشعر ينتمي الى عالم الشعر، وما بينهما من اختلافات في الشكل والوظيفة وغيرهما، ولكن الجامع بينهما هو ما أصطلح عليه بـ(تداخل الأجناس)، الذي يشير الى وجود تعالق بين الأجناس الأدبية.

أعتمد الشاعر "علي لعيبي" في بنية النص على التداخل السردي مع الشعري، فالسردي يعتمد على عناصر السرد ( الحدث والشخصية والمكان) وتقنياته، أما الشعري صنع بنية النص بالأعتماد على الصورة والانزياحات اللغوية والترميز.

صنف الباحثين والنقاد شخصية النص السردي نوعين هما:

النوع الأول: الشخصية الفاعلة التي (تقوم بدور تنمية النص من خلال عدد من الوظائف الفنيّة التي تمارسها)، "محمد زيدان، البنية السردية في النص الشعري، ص 192". فهي المحور المهم في بناء النص السردي، والتحكم في توجيه النص الشعري.

أما النوع الثاني: الشخصية غير الفاعلة، وهي (ساكنة إلى حدّ ما، وهذا السكون إما أن يكون مؤثرا، أي يقوم بدور ما في أحد محاور النص، وإما أن تكون الشخصية في حدّ ذاتها هامشية، لا تسهم إلا في نطاق داخلي، على مستوى الوحدة السردية التي تمثلها)،"محمد زيدان، البنية السردية في النص الشعري، ص 203".

استلهم الشاعر "علي لعيبي" الأسلوب السردي وتوظيفه داخل النص، حتى بدأ على شكل سرد ذاتي، وعلى تقنية سردية شعرية في بناء النص، من خلال الإنزياحات التي استحضرها في أمكنة وشخصيات النص، التي تمثل رموزا وظفها دلالياً، فنرى السرد يتحكم بمجريات  النص، وشكل بؤرة تدور حولها لغة مكثفة وصور شعرية.

اشتغل الشاعر "علي لعيبي" في بناء نصه على فضاء حكائي يختزن دلالات لها معانيها، يحاكي هواجس ذاتية، ذات نزعة واقعية تعتمد التجربة الحياتية، يضعنا أمام إيقونة، تجسد في النص سير ذاتية للشاعر  "عبد الأمير الحصيري"، بلغة شعرية، مبنية على تكثيف العبارة وعمق المعنى، هذه النبرة الحكائية في النص تخاطب الواقع، وتستفز المتلقي الذي يترقب ما يفرزه هذا السرد في النص.

أعتمد الشاعر "علي لعيبي" على الخطاب الشعري الوصفي الذي يعتمد الرمز، لأن الرمز يحمل تداعيات تربطه بحكايات يومية تشير الى أمكنة وشخوص تتوقف على معرفة الشاعر لها. مازجاً في النص بين التقريرية المباشرة والرمزية الواقعية.

الرمز كأصطلاح هو (ما دل على غيره، وله وجهان: كدلالة المعاني المجردة على الأمور الحسية، ودلالة الأمور الحسية على المعاني المتصورة)، وقسم النقاد الرمز نوعين: رمز كلي؛ يستغرق النص كله. ورمز جزئي؛ يكون جزءاً من النص ولا يمتد ليشمل بناءه الكلي.

إن توظيف الرمز في النص الشعري الحديث دفع الشعراء الى إعتماده كوسيلة تعبّر عن رؤاهم الشعرية، فهو هدف، لجأوا اليه في (توفیر التعقید المطلوب في الشعر، وتكثیف الدلالة فیه). فالرمز في الشعر حسب تعبير "مارتن هايدغر" (يجعل المعنى ملتصقاً بالكينونة الأصيلة)، لأنه يعميق المعنى، ويستحوذ على لغة النص وتراكيبه وصوره، فيكون مصدر للإدهاش وتجسيداً لجماليات التشكيل الشعري، كذلك يعمق دلالات النص ويؤثر في المتلقي. ويعرف "أدونيس" الرمز بقوله: (هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئاً آخر وراء النص. فالرمز، هو قبل كل شيء، معنى خفي وإيحاء. إن اللغة تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة، أو هو القصيدة التي تكون في وعيك بعد قراءة القصيدة)، "أدونيس، زمن الشعر، ص 160".

ما الذي جعل الشاعر "علي لعيبي" أن تكون شخصية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" موضوعاً رأسياً ورمزاً كلياً تدور حوله كل موجودات النص؟.

لابد أن نعرف إن تجلي حضور الشخصية الرئيسية للشاعر "عبد الأمير الحصيري" في النص، لأن (النص الشعري يعتمد على شخصية واحدة ساردة تروي الأحداث وتسرد الأحاديث والصفات والأفعال والأفكار)، "د. محمود الضبع، السردي في الشعر/الشعري في السرد، ص 355". فكان أختيار الشاعر "علي لعيبي" في نصه، شخصية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" كرمز كلي، أو (فكرة مطلقة)، ومحور تدور حوله كل الصور الشعرية، ودعامة رئيسية لتأكيد دلالة النص وتأصيل فكرته التي أغنت النص، وعمقت رؤى الشاعر الفنية. هذا الأختيار لم يكن أعتباطياً، بل جاء إيقونة قامت عليها فكرة بناء النص، أراد الشاعر من خلالها أن يطرح موضوعة "عبد الأمير الحصيري"، والتعبير عن أفكاره وارائه، ورؤاه الخاصة التي يريد أن يبثها للمتلقي في محاولة قراءة الواقع، كمعادل موضوعي لما يشعر به، من أزمة ذاتية يعانيها، وقلق وجودي، وتمرد على عالم لا يريده.

يختلف الشاعر "علي لعيبي" في أستحضاره رمزية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" عن غيره من الشعراء، أو أراد أن ينفرد في أستحضار شخصية لم يلجأ اليها آخرون. فأستحضار شخصية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" المتمردة ليس مجرد رمز لبيان وضع مؤلم له، وأنما غربة قاسية يلفظها شعرياً، أنتجت خطابه الشعري.

لقد أستغرقت شخصية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" النص كله، وشكل محاور النص الأصلية، وفكرته الأساسية التي تدور حوله جميع الأفكار، ويمكن الأستدلال على ذلك من خلال سياقات النص، أضافة الى بعض القرائن التي تختلف أشكالها بإختلاف بنائها، فتضفي على النص أبعاداً نفسية تتوغل في مكنونات النفس المنفعلة.

اعتمدنا في قراءة نص الشاعر "علي لعيبي" المنهج الوصفي الموضوعي الذي سار عليه الشاعر، لأن النص يفرض على القارئ قراءة واعية تحثه على كشف تعددية المعنى الخفي في النص، لما تحمله شخصية الشاعر "عبد الأمير الحصيري" من غنى في أبعادها الفكرية والإنسانية. تمتلك هذه الشخصية القدرة على تجسيد مضمون الصورة الفنية التي يريدها الشاعر الذي أستهل نصه، وهو یقف أمام عذابات الشاعر "عبد الأمير الحصيري"، كشاعر تفرد بأسلوبه الشعري، وبطاقته الشعرية المتميزة، ورؤيته المعبر.

یمكن ملاحظة أن أدوات الشاعر "علي لعيبي" هنا كانت غير متكاملة في تحقیق شعریة عالیة لأسباب عدیدة أولها، أنه لم یكشف عن دواخل الشخصیة، وإبراز أهمیتها الشعرية والفكرية وقیمتها الإبداعية، رغم أن الشخصية حظيت بنصيب وافر من أهتمام الشاعر "علي لعيبي" في النتاج الفني للنص، كرمز كلي، ولكن (لا يقول فيها كل شيء، بل يكتفي بالتلميح فقط).

عاش الشاعر "عبد الأمير الحصيري" حياة أقل ما يقال عنها حياة صعلكة وتشرد، وهروب واغتراب داخلي، وتمرد على التابوهات التى تحكم المجتمع، رافضاً للقيم السائدة فيه.

واصفاً حاله بهذه الأبيات، المقتبسة من قصيدته (أنا الشريد):

(ما زلت طفلا غريرا، كيف تقربني

أنا التشرد والحرمان والأرق؟!

أنا الشريد!! لماذا الناس تذعر من

وجهي؟ وتهرب من أقداميَ الطرق؟!

وكنت أفزع للحانات، تشربني

واليوم!! لو لمحت عينيّ، تختنق).

الصعلكة عند "عبد الأمير الحصيري" رؤية فلسفية، لتفريغ الألم النفسي والوجودي، تمظهرت في (التشرد والتسكع، وإدمان الخمر، والتمرد)، فكانت حانات، ومقاهي، وشوارع بغداد، ملاذاً وسكناً له، فكان يُردد عبارته الشائعة في حانات بغداد (أنا شيخ الصعاليك منذ ابتداء الزمان)، لم تكن الصعلكة عنده تمرداً فحسب، بل كانت هوية بكل عذاباتها، ومأزق وجودي وتحرر ذاتي وهروب من واقع اجتماعي وسياسي وثقافي بائس.

الشاعر "عبد الأمير الحصيري" بعد أن توج أميراً للصعاليك في حانات ومقاهي بغداد، أضحى مسجوناً في فناء الشعر والخمر، ثم قتيل الشعر والخمر، وهو انتحار تدريجي بإدمانه على الخمرة، عندما عثر عليه ميتاً في غرفة في أحد فنادق بغداد البائسة.

(ولم يعدْ أمام المدفونِ إلا انتظارَ زواره القادمين

بانتظارِ محاكماتٍ عادلةٍ

وعودة بقايا طمأنينة من دهاليزِ الميتين في ترقبٍ

إن يفتحَ اللهُ نوافذَه

للمرةِ الأخيرةِ

ويطلُّ من وادي السّلام

على أسرابِ الموتى

وينتهي المطافُ

ويُدفنُ آخرُ مقاتلٍ

قبلَ ان يُصابَ بالجبن

لكثرةِ ما قرأَ آياتٍ وتعاويذَ السلامة

وقصصَ الحروبِ الخاسرةِ).

كان الشعر رفيقاً وملاذاً للشاعر "عبد الأمير الحصيري"، فهو ذو ذائقة شعرية، كانت حياته عبارة عن مغامرة شعرية كبرى، يضيء حانات بغداد ومقاهيها بقصائده التي يلقيها، عاش على أرصفتها وفي حاناتها، نائماً في شوارعها. الصعلكة في منظوره منهج حياتي، ومنظومة قيم، وأحتجاج على واقع، كونه مثقف، لم يخضع أو يتقيد بالتقاليد الاجتماعية.

لقد أصر الشاعر "عبد الأمير الحصيري" على نهج الصعلكة كموقف، تراه متنقلا بين الأرصفة والحدائق والحانات. فشاعت عنه القاب وأسماء كثر منها (شيخ الصعاليك)، (الشاعر الشريد)، (الشاعر المتمرد)، (صعلوك الشعراء). أراد الشاعر "علي لعيبي" أن يوظف ملامح هذه الشخصية بما يتلاءم وطبيعة التجربة التي يريد التعبير عنها، والتي لا يقتصر وجودها على الجانب الدلالي في النص، بل تسهم في التشكيل الجمالي للنص. فجاءت شخصية الشاعر المتمرد داعمة للنص بما أحتوته من رموز، وتوظيف لأسماء وأمكنة معلومة ومؤشرة في ذاكرة الجميع، تعطي دلالة من كينونتها، هذه الأمكنة التي أفترضها الشاعر "علي لعيبي" هي (باراتِ أبي نواس) و (حاراتِ المسيحِ) و (أزقةِ البتاوين) و (تمثال شهريار) و (مزارعِ البصرة) و (وادي السّلام) و (نهرِ دجلةَ)، هي أمكنة محلية، بغض النظر عن الموقع الجغرافي لها، وانما دلالتها في بنية النص، تتحول الى معرفة وبؤرة للتاويل، والذي دعا الى إدراك الشاعر "علي لعيبي" أهمية المكان، وهو استنطاق دلالاته التاريخية والحضارية، لأنه يعد خصوصية إنسانية، يعمق رؤية الشاعر ويعكس أفكاره، وحرصه على استرجاع  الأماكن ذات العلاقة بطبيعة تجربة الشاعر الذاتية، لأن ذكرها دلالة على تعلقها في الذاكرة، ومحوراً أساسياً في بنية النص الشعري المعتمد على البناء السردي، وتوظيفه توظيفاً عكس رؤية الشاعر لواقع "عبد الأمير الحصيري" وحالة الضياع والعزلة التي يعانيها، فشكلت صورة المكان وتنوعها (مشهداً بصرياً) سعى الشاعر من خلاله لإبراز قيمة المكان ومعاناة الشاعر. فكان المكان (وسيلة إلى إدخال القارئ مباشرة في الحياة الداخلية للشخصية)، "رينيه ويليك، أوستن وارين، نظرية الأدب، ترجمة محى الدين صبحي، ص235".

ثم أضيفت لهذه الإيقونات المكانية، شخوص (بدر شاكر السيّاب) و(وفيقة) و(أحمدُ الفراهيدي) و(امرئ القيسِ).

یعود الشاعر "علي لعيبي" في هذه الإيقونات إلى الوراء لیستمد من التاریخ رموزاً حیة یعید تشكیل الواقع على وفق رؤیته وتصوره، وإقامة نوع من التواصل بین الماضي والحاضر.

لقد استخدم اسم الشاعر "أبا نواس"، في سياق مسميات الأماكن، جاء من باب التناغم بين الأسمين الشاعر "عبد الأمير الحصيري" و الشاعر "أبا نواس"، في مجونه من جهة، وفي الصعلكة من جهة اخر ، ويرجع سبب هذا الاستخدام الى الدلالات المشتركة بين الشاعرين، لإن شعر أبي نواس (صورة لنفسه، ولبيئته في ناحيتها المتحرّرة، فكان شاعر الثورة والتجديد، والتصوير الفنّي الرائع، وشاعر خمرة غير منازع. ثار على التقاليد، ورأى في الخمرة شخصاً حيّاً يُعشق، وإلاهةً تُعبد وتُكرم، فانقطع لها، وجعل حياته خمرةً وسَكْرة)،"ويكيبيديا". أضافة الى شخصية الشاعر "بدر شاكر السيّاب"، الذي (أتى بغداد وراح يطلب فيها ما لم يجد في بيئته من طمأنينة حياتية، كما مال إلى الشرب والمجون يطلب فيهما الهرب من مرارة الحياة ومتاعبها؛ وكان إلى ذلك مفرط الحساسية يشعر بالغربة ولا يجد له في المجتمع مُستَقَراً، وينظر إلى الوجود من خلال غربته النفسيّة ومن خلال فرديّته التي كانت تحول دون اندماجه في المجتمعات التي عاش فيها، وكان من أشدّ الناس ميلاً إلى الثورة السياسية والاجتماعية)، "ويكيبيديا". وأما "أحمدُ الفراهيدي" وهو الضليع في اللغة العربية صوتاً وصرفاً ونحواً ودلالةً ومعجمةً وموسيقى، و"امرئ القيسِ"، (الذي لم يكن في مطلع حياته يؤخذ بأُبَّهة الملك وشهرة السلطة والحكم، بل شغف بالشعر يصور به عواطفه وأحلامه وبالحياة ينتهب لذائذها. وقد طرده أبوه وخلعه لمجونه وتهتكه، فهام على وجهه مع جماعة من الصعاليك وكانوا إذا وجدوا ماء أقاموا عليه يصطادون وينحرون ويحتسون الخمرة ويلهون)، "موسوعة المعرفة". هذه الأسماء كقرائن ذات صلة لما حصل للشاعر "عبد الأمير الحصيري" هذه التوظيفات للشخوص والأمكنة، لا يمكن أن يكون توظيفها أعتباطياً، وانما تم توظيفها من لدن شاعر متمكن من أدواته، وظفها كدلالات لفظية في سياق النص الشعري، وأضفاء مسحة جمالية على صياغتها وتراكيبها في توليد فضاءات النص، وبناء الفكرة الشعرية داخل النص.

***

حسين عجيل الساعدي

في المثقف اليوم