دراسات وبحوث

أكرم عثمان: تأملات قرآنية.. الضَّلالة

عندما تنظر في كتاب رب العالمين عز وجل تلمس الإعجاز القرآني وبديع صنعه في السور والآيات القرآنية وخصوصاً تلك التي تتحدث عن طبيعة ردود الأفعال والتصرفات الفجة التي تتعامل بها الأقوام الجاحدة والمنكرة لرسالة الأنبياء والمرسلين المبلغين عن الله عز وجل لأقوامهم، فهم يريدون لهم الخير والسلام والإيمان الذي يخرج الأقوام والشعوب والأمم من جهل الدنيا إلى سعة الآخرة وظلامها الدامس إلى نور وعدالة في الأرض والسماء ، كما قال ربيعي بن عامر رضي الله عنه لرستم " قال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".[1]

تأمل معي هذه الآيات العظيمات في قوله سبحانه وتعالى " قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" ( الأعراف:62)،"

فالسفاهة‏ تعني: ‏إساءة التصرف أو التصرف بما يناقض الحكمة‏، خفة عقل وضلالة عن الحق

مصدر سفه رداءة خلق. وقاحة.[2]

والنداء في جوابه إياهم للاهتمام بالخبر، ولم يخص خطابه بالذين جاوبوه، بل أعاد الخطاب إلى القوم كلهم، لأن جوابه مع كونه مجادلة للملأ من قومه هو كذلك دعوة عامة والرد عليهم وإبطال قولهم إنا لنراك في ضلال مبين .[3]

وآية أخرى" قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين".[(الأعراف:٦٦ – ٦٧).

فالضَّلالة: الضَّلال. والضَّلالة سلوك طريقٍ لا يوصِّل إِلى المطلوب. ضلالة العمل: بطلانه وضيَاعه. الضَّلالُ والضَّلالةُ: ضدُّ الهُدَى والرَّشاد.[4]

وصلت بهم الصلافة والرعونة وقلة التهذيب بأن يتحدثون مع أنبياء الله عز وجل في نعتهم بالسفاهة والتي تصفهم بالإساءة وقلة الحكمة، وكذلك بالضلالة التي تتهمهم بقلة الهدى والرشاد مع أنهم جاءوا يبلغون رسالات الله عز وجل ويخرجون العباد من الشرك إلى الإيمان ومن الضياع إلى الهدى ومن الانحراف إلى السوية والصراط المستقيم، قلة الفهم وغياب الدراية والمعرفة والفهم لاستيعاب دور الأنبياء المبلغين عن الله عز وجل في التصرف والتجاوزات باتهاماتهم وتعنتهم كبراً وتطاولاً عليهم.

لم يتعامل الرسل عليهم السلام بالمثل ويستخدمون الجدال والمناكفات والتصرفات غير المتوازنة، ويتصرفون وفق ردود الأفعال كما فعلت الأقوام المنكرة والمتهمة إياهم بالضلال والسفه، بالرغم من أن هذه الكلمات والاتهامات مؤلمة وموجعة وفيها قدح وذم لأعظم البشر وأكثرهم صدقاً وعدالة، فهم رسل الله عز وجل حملوا لواء الرسالة لنشر القيم والمبادئ العظيمة والفهم الصحيح لطبيعة الحياة وخلق الإنسان لعبادة الله وتوحيده، وهو في نهاية المطاف له التمكين والسعادة في الدارين، إن اتباع نهج الرسالة ووعى كنه أصالتها والتزم بتعاليم دينه ومنهجه، إنما تحلو بالانضباط ورباطة الجأش والتحكم في الذات والتركيز على الهدف في الموقفين، فقد دحضوا فكرة الضلالة والسفاهة عنهم بروح وثابة ونفس مطمئنة وثقة بالله ومن ثم من أنفسهم لعظيم رسالتهم وصدقها وعدالتها، وأظهروا رسالتهم والأهداف التي جاءوا من أجلها، فلم يحرفهم هؤلاء القوم على بشاعة ما ذكروه ووصفوهم بهم عن جادة طريقهم ومسار غاياتهم، فقد أشاروا لهم أنهم رسل لله عز وجل وإظهار دورهم الإيجابي ونصحهم لهم والخير الذي يكمن في دعوتهم .

فحري بكل موظف أو أية شخص أين كان موقعه أو منصبه أن ينحوا تجاه الحياة العملية والمهنية والاجتماعية عندما يتعرض للاستفزاز والصعوبات والتحديات في عمله ، أن يسلتهم العبر والعظات من هذه الآيات بأن يتمتع بالتوازن في شخصيته والتحكم فيها دون الانجرار إلى ترهات الكلمات والمواقف التي تصدر عن البعض من إيذاء وتشكيك وقدح وذم، فلربما الشخص الذي يكيل الإتهامات والأوصاف غير الحقيقية ، إما أنه جاهل يحتاج إلى تعلم ووعي وإدراك، وإما متكبر ومعاند يريد أن يحرف البوصلة عن مسارها وينفذ مآربه ومخططاته. فالتوجه نحو الأهداف والأدوار أثمن نفعاً من السجال غير المجدي الذي يؤدي بدوره إلى النجاح في التعامل مع المخطئ أو تحجيم الجاهل أو المعاند وتفويت الفرصة عليه والسيطرة على الموقف والأحداث التي يفتعلونها ويحدثونها. فالسيطرة على الذات والتعامل بتوازن نفسي والتصرف وفق الفعل الإيجابي والتوجه الأسمى أعظم فائدة وأكبر أثراً في إحداث التغيير الملائم والوصول إلى الأهداف المرجوة والمخطط لها.

***

د. أكرم عثمان

مستشار ومدرب دولي في التنمية البشرية

2024

.................

[1] https://www.islamstory.com/ar/artical/20281

[2] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar

[3] https://www.islamweb.net/ar/library/content/61/945

[4] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar

في المثقف اليوم