قراءات نقدية

الشخصية في رواية الطريق الوعر للكاتب الفلسطيني محمد حسين

4073 الطريق الوعرالرواية من إصدارات دار كنعان عام 2021.

بعيدا عن بعض التيارات التي تحط من دور الشخصية فإنها في الرواية التقليدية تعتبر من أهم مكونات العمل السردي لأنها تمثل العنصر السردي المناط إليها مختلف الأفعال التي تترابط وتتكامل في مجرى الحكي وتعامل على أساس أنها كائن حي له وجود فيزيقي فتوصف ملامحها وقامتها وصوتها وملابسها. وتؤدي الشخصية دورا مهما في بناء الرواية على أن تكون مقنعة حسب ما يراه فورستر.

حاول الكاتب في بداية نصه إعطاء القارئ فكرة عن مخيم اليرموك القابع في سوريا. ومخيم اليرموك فضاء من ضمن فضاءات كثيرة فرضت على الشعب الفلسطيني لا يرضاها لأنه مصر على حق العودة.

تتسم أحداث هذا النص بالتنظيم الخطي المتتالي كما أنها تخضع للتسلسل الزمني (الكرونولوجي) فيتدرج الزمن من بداية الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى توقيع اتفاقية أوسلو 1993، لذلك فإن الحدث ينمو بشكل طبيعي يتخلل هذا النمو استشرافات للمستقبل والقليل جدا من لاسترجاع. وبالرغم من أن الاسترجاع ميزة وسمت بها معظم الأعمال التي تناولت الصراع العربي_"الإسرائيلي" إلا أن محمد حسين لم يلجأ لها كثيرا ربما لأنه أراد إيصال رسالة للقارئ بأن يتوقف عن التباكي على الماضي والتقدم بالفعل نحو المستقبل.

والفكرة الجوهرية من رواية الطريق الوعر هي الحلم الفلسطيني في العودة إلى الوطن حتى لو كان الخيار الاستشهاد أو الاعتقال فشعب اجتث من أرضه وتاريخه وتحول إلى مجموعات من أفراد بشرية تحلم فقط بالماضي وتحمل جرحا لن يشفيه إلا العودة. فها هو والد صفاء في الرواية يقول ص87 (أنا أفنيت عمري ولا زلت أحلم بالعودة إلى أرض الوطن) وعلى لسان صفاء من نفس الصفحة (بل متحمسة أن أدخل إلى وطني هذا حلمي).

أنماط الشخصية..

الشخصية النامية أو المستديرة أو المدورة وهي الشخصية التي تنمو وتتطور وتتفاعل مع الأحداث وتكتسب صفة المفاجأة وسنحاول أن نسقط هذه الشخصية على صفاء البطلة الرئيسية التي تدور حولها أحداث الرواية التي ستتفرع من مخيم اليرموك إلى جامعة دمشق فمخيم الوحدات ثم نابلس فالقدس وختاما إلى معتقل المسكوبية.

أبدع الكاتب محمد حسين في رسم بطلة روايته صفاء الحالمة بالعودة إلى فلسطين التي نجحت في شق طريقا لها بالرغم من وعورتها وقلب الحلم إلى حقيقة.

صفاء الطالبة التي تتحدى الفقر لتحصل على درجة التفوق ص25 (لقد نجحنا جميعا لكن صفاء نجحت بتفوق). السياسية ص35 ما جاء على لسان أبي نضال عنها (هي تسكن هناك في المخيم وتحضر جزءا من أنشطتنا وأنشطة غيرنا). المقاومة ص23 ما جاء على لسان السارد أثناء تشييع جنازة خالد الوزير(صفاء تحملها صديقتها على كتفيها وهي تهتف وتلوح بالكوفية سنعود ذات مساء ونحمل رفاة شهدائنا معنا).

العاشقة ص31 على لسان السارد حينما اكتشفت حبها لخالد الفلسطيني المناضل (مساء خطف قلبا وقدمه للريح هدية لميلاد جديد)..

هذه الصفاء الشخصيه المدورة التي تفاجئنا بقرارها التخلي عن خالد والزواح من باسل الثري والد صديقتها ليس حبا بالمال إنما طمعا بانتشال عائلتها من براثن الفقر بعد ذلك الصباح حينما ذهبت لتناول إفطارها فلم تجد الزعتر فمسحت قطعة من الخبز بقليل من الزيت ومن وقتها أدركت أن التضحية أقوى من الحب.

ولا زالت شخصيه البطلة تتطور فعندما حان الوقت قامت بكل قوتها باتخاذ قرار مفاجئ أيضا نقلها من مرحلة تلقي الضربات على أرض ليست لها إلى مرحلة التحدي وتحقيق الحلم بعد انفصالها عن باسل الثري الذي لم تشكل له صفاء غير زوجة فقيرة والعودة إلى أرض أجدادها حيث حبيبها خالد الذي شكلت له صفاء حبيبة ووطن. وهي بهذا الانتقال تكون قد حققت هويتها الإنسانية لأنها أصبحت في مكانها الطبيعي فشتان ما بين الوطن والمخيم فالوطن هو الواقع الإنساني النقيض للمخيم.

وقد صقلت صفاء هويتها السياسية والمقاومة من خلال إيمانها العميق بفلسطين والسعي من أجله مهما كلف الأمر فقد كانت تعلم عندما أخبرها أبو نضال بأن خالد لا يزال متمسكا بها ويدعوها إلى الوطن بأن مصيرها إما الاعتقال أو الشهادة لكنها بالرغم من ذلك اختارت الطريق الوعر ص86 ما جاء على لسان أبي نضال (هذا الدخول قد يكلفك حياتك أو اعتقالك فكري بالأمر جيدا) لكن صفاء لم تفكر لأنها كانت تعلم بأن هذا الطريق هو طريقها الصحيح من أجل القضية التي آمنت بها فالبطلة هنا تمثل اليقظة التي ستؤدي إلى التحرير مهما طال الانتظار.

وقد أثبتت صفاء في النهاية ذاتها التي هي ذات فلسطين وذات كل مناضل أمام من أراد تحطيمها وإلغاء وجودها بإقصائها إلى الأردن ففي ص126 بعد خروجها من المعتقل وعند محاولتهم إبعادها (تجمرت عيناها فجأة..الوطن أبقى..تقبض يدها بقوة، تصفع المجندة ...تأخذ سلاحها).

وتصر على البقاء في فلسطين ص127(تمعن صفاء النظر: ما أجمل بلادي لن أتركها لكم)

ص129(تتهاوى جاثية على ركبتيها كشجرة زيتون.. تحتضن حشرجات الألم الأخيرة التي حلمت بها، ينساب دمها فوق الإسفلت ليمنحه بعضا من دفئه الذي غادره ذات نهار) ويؤشر هذا المشهد إلى أسباب نجاح المعركة ضد المحتل فالمعركة تحتاج إلى إنسان مؤمن بالقضية وسلاح لتحقيق النصر وقد مثلته البطلة صفاء.

الشخصية المسطحة والسمة البارزة في هذه الشخصية أنها ثابتة وتمثلها شخصية الآخر وهو في رواية من هذا النوع اليهودي وهي الشخصية التي لا تكتمل الرواية من نوع الصراع العربي "الإسرائيلي" إلا بها. كما ويمكن أن نطلق على الشخصية اليهودية الشخصية النموذجية أيضا وهي التي تمثل فئة اجتماعية بكل خصائصها المادية والمعنوية وتطلعاتها العرقية ومواقفها من قضية الصراع العربي_"الإسرائيلي" ويتضح هذا ص102 عندما صفعت المجندة صفاء لأنها قالت (يا إلهي هذه القدس عاصمتنا) فترد المجندة عليها بصفعها وعبارة تعلن فيها تمسكها بموقفها وموقف أي يهودي (هذه أورشليم لنا).

أما كون الشخصية اليهودية شخصية مسطحة فلأنها ثابتة لا تتغير فهي الشخصية الدموية التي تعشق التعذيب لكل من يؤمن بفلسطين وقضيتها فعلى لسان المحقق (ستتعرضين لأبشع أنواع التعذيب وربما الاغتصاب) وفي نفس الصفحة (ينهال عليها المحقق بالضرب المبرح مرة أخرى، يطلب أن يربط يديها ويعلقها بالحبل الموجود في الأعلى...)

وبقي أن نقول بأن رواية الطريق الوعر تعتبر إحدى روايات التساؤل والرفض والمواجهة التي أركع أبطالها -الذين استوحاهم الكاتب من الواقع واقع الانتفاضة الأولى بالحجر والعبوات الناسفة اليدوية- العدو مقابل ما يملك من أسلحة حديثة وفتاكة لكنها الإرادة لمن يمتلكها والقوة لمن يحيا بها والحب لوطن هو أم لمن يؤمن به. كما استطاع الكاتب رصد دور المرأة ونجاحها في أن تكون جزءا من العمل الفدائي من خلال صفاء، خالدة، وسماح.

وقد قدمت الكاتبة والناقدة الفلسطينية حنان بدران للعمل فوصفته بالتكثيف والابتعاد عن الحشو الزائد وقالت عن الروائي محمد حسين بأننا أمام كاتب له أسلوبه الذي يميزه وبالتالي فإنه تمكن من حفظ استقلاليته الكتابية.

***

قراءة بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم