قراءات نقدية

الرمز في رواية هاء وأسفار عشتار للدكتور عز الدين جلاوجي

يلعب الرمز دورا فعالا في إثراء التجربة الروائية، ويعد أحد التيارات الأدبية الحديثة، يعتمده الكاتب ليعبّر من خلاله عن أفكاره وعواطفه بطريقة غير مباشرة، من خلال توظيف مصطلحات معينة توحي بمعان كثيرة.

وفي رواية هاء وأسفار عشتار نجد أن الدكتور جلاوجي أبدع في التقاط الأحداث ذات الدلالات الاجتماعية اليومية وما تخفيه وراءها من الواقع المعيش فقام بتوظيفها من خلال أحداث وشخصيات روايته.

وكنت قد تناولت ملخصا لرواية هاء وأسفار عشتار في قراءة سابقة كانت بعنوان الأسطوري والعجائبي في رواية هاء وأسفار عشتار حيث ذكرنا بان البطل قد تمرد على الواقع فلم يرضح للعبودية بجميع أشكالها كما الآخرين، سعى للحرية ورفض العبودية فدفع ثمن هذا الرفض غاليا استنفدت خمس سنوات من عمره قضاها في السجن. بل وحتى بعد خروجه ظل رافضا لواقعه مؤمنا بأفكاره وقناعاته وام يترك رحلة بحثه عن الحرية بكل الوسائل فبقي يدفع الثمن مقابل هذا البحث وكانت آخر الخسارات وأكبرها حياته.

الرمز في رواية هاء وأسفار عشتار حوى أبعادا رمزية متعددة بدءا بالعتبات النصية وانتهاء بالشخصيات والأمكنة.

رمزية اللوحة في غلاف الرواية

نلاحظ أن اللوحة حوت لوحة خلفية من النوع السريالي وأخرى أمامية من النوع التكعيبي..حيث نلاحظ في اللوحة الأمامية من النوع التكعيبي تمثلت في ثلاث نساء بوجوه لا تظهر بشكلها التقليدي المألوف لكنها تظهر مفككة ومخيفة. وهنا أظن بان الدكتور تقصد اختيارها لما تحمل من تحرر من أي شعور إيروتيكي لأن النساء فيها لا تحمل أي جمال بالتالي نفى عنها الفتنة المعهودة في النساء تلك التي تولد ذلك الشعور الإيروتيكي وهذا فيه دلالة على أفكار بطل الرواية الذي اعتبر المراة فتنة أراد التحرر منها واستخدم عشتار رمزا لذلك. فكانت هذه اللوحة صرخة في وجه العبودية من خلال دلالتها الرمزية..

أما تلك اللوحة في الخلف وهي من النوع السريالي ومن المعروف بأن السريالية تعتمد على الرموز من أجل الوصول إلى الحقائق وإبرازها فأتت اللوحات أشبه بالحلم أو الكابوس. وقد استخدم عز الدين جلاوجي الحلم والكوابيس في مشاهد كثيرة من روايته وكان يلجئ البطل إليها. والسريالية تمثل حالة الضياع التي يعيشها بطل الرواية فالتمرد على مجتمع لا يشبهنا ثم المحاولة في الابتعاد عنه حتى لو كان الحل في الكوابيس يمثل حالة من الضياع والسريالية تركز على اللاوعي الذي جعله فرويد مجالا خصبا لفهم سيكولوجية النفس البشرية. واللوحة بشقيها التكعيبي والسريالي حاولت تفكيك الواقع بحرفية عالية.

أما بالنسبة للون الذي سيطر على اللوحة فهو الأزرق ربما لما في هذا اللون من دلالة على التشتت الذهني والجسدي الذي يعاني منه البطل بسبب الواقع المرير...

والآن سنحاول تفكيك شيفرة بعض ما استخدمه عز الدين جلاوجي في سردية هاء وأسفار عشتار من رموز...

-عشتار ترمز إلى العبودية فعشتار المرأة الفاتنة التي تستخدم مفاتنها لإغراء الرجال من ثم استعبادهم.

الذئب يرمز للرفض..حيث أن الراعي في ملحمة جلجامش يرفض إيماءات عشتار الجنسية فتحوله إلى ذئب..وعليه فإن استخدام الذئب في هاء وأسفار عشتار هي دلالة على ان الواقع في النهاية قد يحيلك إلى شخص تلتهم ما كنت مؤمنا به من قناعات.

-النار ترمز للتجدد والتحول فهي تحيل إلى الرغبات المكبوتة كتلك التي تولد الرغبة في الأجساد العاشقة وتؤدي إلى التحامها..فتستعبد بعضها البعض. وهذا ما. كان يرفضه بطل الرواية ومن هنا فقد أحب طفلته المدللة بطريقته.

الضباب يرمز إلى الحرية والانتصار فتكثف الضباب يتحرر على شكل مطر وأما بطلنا فقد أراده تكثفا يؤدي إلى الحرية ونبذ العبودية.

القط..يرمز للحياة المتوترة التي يعيشها البطل بسبب الواقع الذي يعيشه مع أفراد خانعين.

- طائر الفنيق..يرمز إلى التغيير عن طريق الانبعاث والانطلاق نحو حياة جديدة أفضل.

- الناي.. يرمز إلى الحرية حيث يتحدى صوت الناي بقدرته على اختراق الهواء والانطلاق إلى آخر مدى يصله دونما عوائق.

-إطار الصورة والإطار هو الذي يحيط بالصورة ويقيدها..فنجد البطل يرفضه فتمتد يده إليه ويضعه أرضا وهو بهذا الفعل كأنه يطيح بالعبودية من مكان عل إلى أسفل فيتخلص منها بالحط من مكانتها.

- سيزيف يرمز إلى العبودية ص٦٤ (انه زيوس الذي حكم على سيزيف بالشقاء) يطلق البطل صرخة فيقول كان يكفي أن يتمرد على الشقاء ويفلت الصخرة لتهوي إلى الوادي السحيق ويندفع نحو القمة ليصرخ..أنا حر..وهنا أبدع عز الدين جلاوجي في توظيف هذا الرمز ليقول ما اراد قوله.

-الحمامة ترمز للحرية فيشبه البطل نفسه بالحمامة التواقة للحرية لما يحمله الطائر بين جناحيه من حرية الانطلاق والسفر عاليا وبعيدا عن سطوة البشر ويرمز للحمامة بالأسطورية لأن الحمامة العادية قد تكون عرضة للتدجين من قبل البشر وبالتالي السطو على حريتها.-اللسان ص95 (مد موجه كلسان أسطوري ليمسح كل ما وقعته على الرمل) يرمز عز الدين جلاوجي هنا إلى قمع الحريات عن طريق سجن جميع من ينادي بها ففعل اللسان من مساعدة على التهام الطعام هو نفس فعل من ينددون بالعبودية وينادون بالحرية..

والكثير من الرموز التي لها دلالاتها العميقة استخدمها الدكتور في روايته وقد مكنته من البوح بما في داخله دون قيود فجعلها تصور وتبني دلالاتها وكلماتها بحرية وصدق ،وقد تبدو أحيانا للبعض غير واضحة لكن تأثيرها السيكولوجي كبير.

وفي النهاية فإن قارئ هاء وأسفار عشتار المنسوجة بدقة بجملها القصيرة ورموزها ساعدت على تكثيف المعاني والدلالات وابتعدت عن الحشو والاستطراد الممل وهنا يكمن الإبداع في أن تقول ما تريد قوله بأقل الكلمات وهذا ما قاله عز الدين جلاوجي للمتلقي والباحث عن الحرية وأطلقة على شكل طائر أسطوري ..هاء وأسفار عشتار.

***

قراءة بديعة النعيمي

في المثقف اليوم