تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

علاء حمد: اقتناص الأشياء في النصّ والنصّية لدى الشاعرة السورية سهى سلوم

هناك الكثير ممّن يقتنصون الأشياء، ولكن مع اقتناص الأشياء، علينا أن نعرف كيفية توظيفها ضمن المفاهيم الشيئية، فالعمل الاقترابي بين التوظيف الشيئي في النسق المنظور، وبين الاحتفاظ بالمعاني، تظهر هناك حقيقة الاختلافات، وكذلك حقيقة الاختلاف اللغوي، والاختلاف الدلالي، حيث أنّ الكلمات المتحوّلة لا تحتفظ بالمعنى المباشر، بل ستحتفظ بالمعاني النسقية التي ستكون مناطق عديدة، ومنها منطقة التجريد، ومنطقة الاختلاف، ومنطقة مساحة المعنى المباشر، وفي هذه المساحة تكون المفردات الشعرية قد انحنت أمام الأشياء ومعانيها الحسّية. (أصبح واضحاً أنّنا نفهم كلمة الشيء في دلالة ضيقة وأخرى واسعة. الشيء بالمعنى الضيق يدلّ على ما هو ملموس، مرئي... إلخ، على ما هو قائم أمامنا. أمّا الشيء بالمعنى الواسع فيدلّ على كلّ شأن، كلّ ما يكون على هذه الحال أو تلك، الأشياء التي تحدث في العالم، الوقائع، الأحداث.  السؤال عن الشيء – ص 37 – مارتن هايدغر – ترجمة: د. إسماعيل المصدق).

أشياء بلا ذاكرة: هي العنونة التي رسمتها الشاعرة السورية سهى سلوم، لتقود المتلقي إلى الأشياء بمعانيها المنظورة، وحسب التركيبات السياقية وما أعطته من خصوصيات دلالية، ومنها الدلالة الضيّقة، المحصورة، والتي تحيلنا إلى استقراء يومي بقراءة الشيء أوّلا، وقراءة ما حول الأشياء ثانياً؛ ومن خلال تقييم الموضوع السياقي، تنتمي الشاعرة إلى إيجاد مبادئ التأثر والتأثير بين عناصر تركيب الجمل من جهة، وتركيب النصّ المصغر من جهة أخرى.

بعض الأشياء الجميلة

لا ندرك معناها

ثم نكتشف مدى غبائنا.

حين تعشقني تذكّر

جملة لم تقلها؛

عطراً أضعته بين مزدوجين

قبلة أجّلتها لحين كأس

أنّك لم تغلق أسراري

عليك.

من قصيدة: أشياء بلا ذاكرة – سهى سلوم

من خلال الحياة التي نعرفها، لا نشير إليها من خلال منظور قصصي، بقدر ما تكون حاضنة للحظة التي تُظهر أثر الحدث المار بين العيني، كأشياء خاطفة، أو ذلك الحدث الذي تعلّق بالذات الحقيقية بمتواصل تخييلي. ومن هنا نلاحظ أنّ الشاعرة السورية سهى سلوم قد نسجت حدثها التخييلي من خلال منظور تصويري كان يدور أمام العينين، خرج من ذات تعالقية مع الأحداث العائمة.

بعض الأشياء الجميلة + لا ندرك معناها + ثم نكتشف مدى غبائنا. + حين تعشقني تذكّر + جملة لم تقلها؛ + عطراً أضعته بين مزدوجين + قبلة أجّلتها لحين كأس + أنّك لم تغلق أسراري + عليك.

النصّ عبارة عن جمل امتدادية، تعطف بعضها على بعض، ومن خلال هذه السلسلة النسيجية جلّ ما نلاحظه أن الاستنتاجات النصّية والشيئية هما خلاصة النصّ، لذلك تعتمد الشاعرة سهى سلوم على الأبعاد الشيئية وتقريبها، وهي تبدأ من الدلالة الضيقة وتتسع وتتوسع هذه المساحة من خلال العلاقات الاتصالية، مثلا علاقات الاتصال النحوي، واللغوي، وكذلك المعنى، وهنا يكمن الثقل الاتصالي؛ مثلا جملة:

بعض الأشياء الجميلة = أجابت الشاعرة بصيغة الجمع - لا ندرك معناها... وأحيانا الغباء يخدم المعنى، المعنى المحمول أقصد، وقد جمّلت ذلك من خلال: حين تعشقني تذكّر + جملة لم تقلها... إذن تبتعد الصديقة سهى عن التكرار، وهي توظف الأشياء الحسّية، لكي نتواصل مع الدلالة الحسّية في المنظور النصّي، وهو الاستدلال الوحيد أمامنا.

حين تعشقني تذكّر

تلك الرغبة على حافة المنضدة،

حذائي الذي تشتهي

أحمر لونه

طلائي الفضي

لشاهد الزور.

من قصيدة: أشياء بلا ذاكرة – سهى سلوم

من خلال اكتساب المفردات وتجميعها بلغة توضيحية، نستطيع أن ندخل بكلّ أريحية إلى المنظور النصّي، حيث اعتمدت الشاعرة على مفهوم تعاقب المعاني، وتمركزت جميع النوايا والقصدية في الأشياء التي استهدفتها في النصّ المكتوب.

حين تعشقني تذكّر + تلك الرغبة على حافة المنضدة، + حذائي الذي تشتهي + أحمر لونه + طلائي الفضي + لشاهد الزور.

تميل الشاعرة سهى من خلال (الحبّ الدراماتيكي) إلى عدة مناطق طالما أنّها تذكّرنا بمفردة (تذكّر) لتفيض مشاعرها الداخلية نحو الآخر:

المحسوس الداخلي: وهو لإثارة المخاطَب من جهة، وزرع الحماس والاندفاع والانتباه من جهة أخرى.

التحديات المحيطة: إثارة الدلالة الحسية أكثر وأكثر وهي تتحدّى كلّ ما يحيط بها، أي أنها تنسف البيئة التي حولها.

الالتقاء: ربما هناك فراق ما، واستطاعت أن تغطي هذا الفراغ من خلال لقاءات متقطعة أو تواصلية، وهذا ما يشير إليه النصّ وخصوصاً أن الشاعرة تزرع في كلّ مرّة مفردة (تذكّر).

الرومانسية المثيرة: من الممكن أن تظهر من خلال فعل الإثارة، وهي لحظات العاطفة الجارفة والتصاعد المثير بينها وبين المخاطَب.

كم مرّة متّ على ساعديّ

وبعثتك بالسؤال حياً

لأنّك المرسل إلى العباد الضالين

والعاشقين التائهين.

تذكّر أنّك خيط في ثقب إبرة

لتقطب ثرثرة الكلام،

وقطعة حلوى

تحلق في مرار الحلق.

من قصيدة: أشياء بلا ذاكرة – سهى سلوم

عندما نعدّد أشياء الغرفة، نبدأ بالشيء الكبير الحاضن للأشياء وهو الغرفة، وفيما بعد نحاول أن نتذكر هذه الأشياء الضيقة، الصغيرة منها والكبيرة، ولكن في كلّ شيء، شكلا هندسيا معدّلا يؤدي إلى حقيقة الشيء، ومن هنا لم تعد الدلالة تراوغ بتضيقها، بل تأخذ بالاتساع، لأنّ المساحة المعرفية للغة لا تنحصر بمساحة ضيّقة، لذلك فالأشياء تكون خاضعة للتركيب، ومن خلال التعدّدية الشيئية، تتعدّد الأنساق أيضاً، لذلك تتوسّع رقعة الكتابة وتتحوّل من ثقافة الشاعر إلى ثقافة المتلقي.

كم مرّة متّ على ساعديّ + وبعثتك بالسؤال حياً + لأنّك المرسل إلى العباد الضالين + والعاشقين التائهين. + تذكّر أنّك خيط في ثقب إبرة + لتقطب ثرثرة الكلام، + وقطعة حلوى + تحلق في مرار الحلق.

الكثير من الأشياء ملحوظة في منظور الشاعرة النصّي، وقد شكّلت الحركة الشمولية للنصّ، وعندما أطلقت الأشياء بلا ذاكرة، هذا يعني أنّ هناك شيئاً من التلقائية لازمت النصّ، فالإغفاءة اللحظوية تتوالد بلحظات، وعندها تظهر الكتابة وهي تتواصل بعفويتها، ولكن الذات الحقيقية التي تحتفظ بالأشياء وتخمّرها من الطبيعي من الطبيعي أنّها ستحظر في الأنساق الممنهجة؛ المضمرة منها لغرض التأويل، والتوضيحية لغرض استمرار الدلالات التي توضّح المعاني.

وظفت الشاعرة سهى سلوم بعض البراهين مثلاً: كم مرّة متّ على ساعديّ... ومن هنا جعلتنا على علاقة بين ساعدها والضمير الغائب (هو)، إذن النسق الذي وظفته هو نسق زمنيٌ، وهي تنسج سؤالاً غائباً لشخص غائب أيضاً، لذلك نقول أن فعل القول حاضر، وهو يصيب المرمى الغائب، وحضوره من خلال البراهين التي وظفتها صديقتي سهى، وذلك من خلال بعض الأنساق الزمنية واللغوية.

النصّ بشكل عام، يحمل ذاكرة، ولكنّها أرادت أن تراوغ اللغة فجعلت العنونة من خلال استقلالها، وكأنها تنقلنا إلى الذات (الكانطية) التي تثير الالتباس والغموض.

***

علاء حمد... عراقي مقيم في الدنمارك...

........................

أشياء بلا ذاكرة

سهى سلوم – سورية

بعض الأشياء الجميلة

لا ندرك معناها

ثم نكتشف مدى غبائنا.

حين تعشقني تذكر

جملة لم تقلها؛

عطراً أضعته بين مزدوجين

قبلة أجّلتها لحين كأس

أنّك لم تغلق أسراري

عليك.

حين تعشقني تذكر

تلك الرغبة على حافة المنضدة،

حذائي الذي تشتهي

أحمر لونه

طلائي الفضي

لشاهد الزور.

تذكر

أطراف الكلام

اشتريته مرتين

وحروفاً صقلتها

على لساني ...

تذكر

حلاوة النعاس

على لوح كتفي

وحاصل جمعنا معاً

على وسادة خالية.

تذكر كحل العين

حين أسدل الليل

على حكايتنا.

تذكر فرارنا من الكذب

وجنته،

ونار الحقيقة

التي أشعلت بها

رقصي.

تذكر

كم مرّة متّ على ساعديّ

وبعثتك بالسؤال حياً

لأنك المرسل إلى العباد الضالين

والعاشقين التائهين.

تذكر أنك خيط في ثقب إبرة

لتقطب ثرثرة الكلام،

وقطعة حلوى

تحلق في مرار الحلق.

تذكر

وأنا لك

أنت أجمل الخلق.

***

 

في المثقف اليوم