قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: الحد الادنى من الأخبار والحد الأعلى من المروي إليه بالحكي الفصل الثاني - المبحث (5)

توطئة:  ﻻ شك في أن وظائفية الإشارات وسياقات الإحاﻻت مقرونتان ضمن (هوية النص: الحد الأدنى من الأخبار - الحد الأعلى من المروي إليه بالحكي) وهذه المؤشرات اﻻنفصالية والالتحامية، ﻻ تظهر لنا  بملامح ومستوى الأداء الافعالي السردي إلا في متواليات الفصول الروائية التي تتخذ، إلا من طبيعة تكنيكية خاصية تشغلها ظواهر متفاوتة ومتباينة من حقيقة مستويات النص التوسعية المترابطة عبر منظومة مقاييس خارجة وداخلة في تحوﻻت الزمن والعلاقة الفنية حيال الثابت واللاثبات في مرسلات الحد الأدنى من الاخبار تجردا وخروجا نحو خصائص علائقية حاسمة من (الحد الأدنى) في عواملية (المروي إليه بالحكي) لذا فإن الافتراض الحاسم في وصلات مقومات الحد الإخباري في السرد، هي مقادير ﻻ تحصى من مرجعيات النص نفسه في حدود دائرة ومساحة وصولية ما، فيما تذهب الحدود العلوية من السرد المروى إليه تلفظا ضمن مواقع وسمات دقيقة من مجاﻻت الطابع المروى إلى جملة جهات شخوصية تتأرجح بين (السيرذاتي - المرجع النصي - الرواية) ولذلك جاءتنا متمايزات حيوات المحور الشخوصي مقاربة إلى هوية تعديل خصائص (السيرذاتية=بنية المروى إليه ساردا) وبهذه الإمكانية تتضح لنا خصائص دﻻﻻت رواية (ليون الافريقي) منظورا إليها على أنها (سيرة ذاتية - الزمن - المكان - الشخصية) صعودا نحو فرز النوازع المتعلقة بالهوية ومدى الفهم لهذه النوازع في اشد ظروفها اﻻستثنائية المتصلة بحركية الأنا التأليفية في الرواية .

- الحبكة الترحالية وقضوية الاحوال المحققة

إن طبيعة الإشكالية في حدوثات الخطاب الروائي في رواية (ليون الافريقي) تتجاوز مرجعيات عديدة في واقع الخاصية السياقية للمرجع النصي نفسه، لذا تواجهنا تعارضات وتوقفات ﻻ يمكن قبولها إﻻ في مستوى (رؤية المنظور المغاير) للمظهر المرجعي في حيثيات أسلوب تصوير وتوصيف الشخوص والمحددات الزمنية والمكانية الحادثة في مبثوث صوت المروى  إليه ساردا . غير أننا وبعد مراحل مرويات عديدة من زمن اسفار المحور الشخوصي، ﻻحظنا أن المؤلف معلوف راح يختلق حدودا تطابقية تستأثر من زمن (الرائي) تأسيسا جماليا اخاذا في مروية الأكثر تشخيصا ونوعية  حدود السياق المتعين في المدونة التأريخية، وتجدر اﻻشارة هنا، إلى أن مروي (المؤلف - الرائي = الراوي) يقع في عملية خاصة من (المروي - المرهون - سردا) لذا يبقى التصنيف الاستثنائي للراوي كهيئة شهودية تتعدى مفارقة القيمة الحاصلة من (رؤية = رائي) امتدادا نحو عمق صيغتين للراو في غاية الدقة والمحكومية، الصيغة الأولى (الأدنى من الأخبار) والصيغة الثانية (الحد من الأعلى من المروي إليه بالحكي) أي كما أن الأمر لو كان مقتضى قولنا (الراوي = الشاهد = صوغ مكونات = مروية) وعلى هذا النحو يمكننا إستعادة مقصودية قولنا السابق ب (الرائي) ذلك لكون المحور عبر مراحله وعقوده العمرية الصغرى،كان ذا يرى ويروي في حدود كمن يشاهد حلما في حالة نوم، وعلى هذا صرنا في مباحثنا الجديدة نطلق عليه تسمية (الراوي = الشاهد) كحال هذه الوحدات من النص نفسه:  (وهكذا وجدتني فجأة معهودا إلي بسفارة - انا الذي لم يكن قد اتم أعوامه السبعة عشر ./ ص209 الرواية) فلو افترضنا جزما من جهة ما بأن مغزى التقييد بالزمن محكوما بالحكي كحالة تتابعية لحادثة وحدوثا، فما الجدوى من الاجزاء العلوية من مستهل كل فصل التي يحدد بها مدى التحوﻻت في زمن وقائع التاريخ ومعالجات الأوضاع في الرواية،فهل يمكن قراءة هذه المحددات من ناحية كيفية تم ادماجها في البنية السردية اللاحقة من التفعيل وعوامل المواضع المحكية كمرويات أدائية محققة من السارد والشاهد معا؟.

1- التمايزات بين خطاب شخصية وووقفات السارد الشهودي:

يتأسس المستوى السردي في رواية (ليون الافريقي) عبر تقانات عديدة، أولها تقنية اﻻسترجاع على لسان السارد المشارك - كلي المعرفة - يعود السرد  في فصل (عام تومبكتو) على حدود استرجاعية تتشكل -رويا- يتسق ومتعلقات العروج إلى: (طبلبالة الواقعة في قلب الصحراء نميدية على بعد ثلاثمئة ميل من الاطلس ومئتي ميل جنوبي سجلماسة./ص208 الرواية) وتخبرنا الرواية على حال لسان الشخصية ليون،كونها بقعة صحراوية شحيحة المياه والصيد . وتبرز عناية المؤلف الضمني بصوته اﻻسترجاعي للتبئير الداخلي، ذلك عروجا بالقدر الذي يريده المؤلف من حاﻻت استرجاعية لغرناطة، وكيفية تعلق طرح الموضوع كفكرة غير بعيدة من حاﻻت استباقية تتعلق بحياة شخصية الخال: (منذ العشية الأولى شرع خالي يحدثني عن غرناطة، قليلاً كما فعل أبي قبل بضع سنوات، وربما كان لمرض أحدهما ووهن الآخر الأثر نفسه./208 الرواية) لربما هذه الوحدات جاءت بمعنى (استباقي = استرجاعي) فيما يتأكد من خلالها ذلك المعنى الخاص من الالتفاتة المرتبطة ب(التبئير الشخصي - تداعيات رؤية -- علامة تنصيص) فعندما ينهض الاسترجاع في حدود ذكر تعلقات حقيقة ماضوية، ﻻ بد من أن هناك واصلة تستبق (موضع التبئير = موضع مبأر) عوضا عن ذلك هناك ممكنات خاصة تشيع بحصول نقطة التحول المكاني:  (وإذ وصلت إلى المدينة وأسمها -- اورزازات -  على ما أظن قيل أن السيد يصطاد السبع في الجبال المجاورة، وأنه أصدر التعليمات بأن انظم إليه. / ص209 الرواية).

- تعليق القراءة: 

إن عملية الاحتكام إلى الميثاق الروائي في عقود وحقب واسعة الامتداد لرواية (ليون الافريقي) ﻻ تعتمد بذلك القصد المرجعي ككتابة سيرة رواية تاريخية،بقدر ما راحت تحتكلم على مستحدثات الحكاية الروائية المشيدة على تمظهرات اشكال خطابية مستأثرة بلغات دﻻﻻت الشخوص والفضاءات والأزمنة، ولو أردنا تغطية كاملة للرواية،لما وجدنا غير تلك التمثيلات الكفيلةالتي تتشخص منها مسارات التشكل المرجعي - الحكائي، وانعراجاتها ضمن واصلات عبورية في الزمن والحقب التأريخية الواسعة الامتداد، خلوصا إلى اظهار مأزومية واقع الهوية الشخوصية لدى المحور الشخوصي، كما وتبقى مجمل اﻻحداث الروائية عبارة عن محموﻻت سياقية تتجه نحو خلق جدلية علائقية حادقة بين الفعل  الروائي والكينونة التأريخية الأكثر تأويلا في مشغل استراتيجية الكتابة الروائية.

***

حيدر عبد الرضا – كاتب وناقد عراقي

 

في المثقف اليوم