دراسات وبحوث

علم النفس الاجتماعي: مقاربات تجريبية ونقدية (1)

hamza alshafiملخص الكتاب: يدرس كتاب علم النفس الاجتماعي: مقاربات تجريبية ونقدية للكاتبة البريطانية Wendy Stainton  Rogers  مقاربتين مختلفتين في علم النفس الاجتماعي وهما المقاربة التجريبية والمقاربة النقدية. وتنطلق الكاتبة من فكرة أساسية مفادها وجود صراع حد التضارب بين المقاربتين. وقد تم تشبيههما بحالة "معسكرين" أو "قبيلتين" أو "قطبين" في حرب طاحنة نظرا لاختلاف منطلقاتهما ومرجعياتهما الإبستمولوجية والأنطولوجية. لذلك، فالكتاب ومن خلال تناوله للمقاربة التجريبية والمقاربة النقدية لا يسعى إلى إيجاد وصفة أو صيغة يتم بموجبها دمجintegration  المقاربتين في إطار مقاربة واحدة وإنما غايته هي الكشف وتعرية إيجابيات ومكامن ضعف كل واحدة منهما. ومثل هذه المقارنة الواردة في الكتاب تساعد القارئ على اكتساب تقنيات مهمة ومهارات متنوعة فيما يخص التحليل النقديcritical  والمقارن comparative  في مجال علم النفس النقدي.

كما يعرض هذا الكتاب تاريخ وأصول علم النفس الاجتماعي، ويحاول تشخيص حاضره في ظل المستجدات المعرفية  cognitive والمنهجيةmethodological  والموضوعاتيةthematic  التي تعرفها العلوم الإنسانية عموما ومجال علم النفس خصوصا. إلى جانب ذلك، يطرح تساؤلا استشرافيا حول مستقبل ومآل علم النفس الاجتماعي في ظل التجاذبات والصراعات المحتدمة بين مكوناته ومقارباته وأقطابه المهيمنة والصاعدة مثل المقاربة التجريبية والمقاربة النقدية. ويحتوي الكتاب على جزأين رئيسيين. فالجزء الأول يعرض نقط انطلاق الكاتبة في دراستها للمقاربتين السالفتين حيث تحاول الإجابة عن سؤال حول م هية علم النفس الاجتماعي. كما تعرض في هذا الجزء الأسس الفلسفية لكل مقاربة على حدة وذلك بتقصي منطلقاتها الإبستمولوجية  والأنطولوجية وكذلك الطرق والمناهج الموظفة في كل مقاربة. أما الجزء الثاني من الكتاب فيتوغل في أعماق علم النفس الاجتماعي عن طريق كشف موضوعاته المحورية كالتواصل communication  واللغة language والتمثلات representations  والمواقف attitudes  وآليات بناء وتشكل العالم الاجتماعيsocial world  لدى الأفراد والجماعات من وجهة نظر المقاربة التجريبية والمقاربة النقدية .

مقدمة:

يتناول كتاب علم النفس الاجتماعي: مقاربات تجريبية ونقدية للكاتبة البريطانيةWendy Stainton Rogers  الصادر عن مطبعة الجامعة المفتوحة بمدينة (Berkshire)  Maidenhead  البريطانية عام 2003 مقاربتين مهمتين في علم النفس الاجتماعي وهما المقاربة التجريبية والمقاربة النقدية. وتحاول الكاتبة باعتبارها متخصصة في علم النفس الصحي وعلم النفس الاجتماعي النقدي تسليط الضوء على جوانب مهمة من المقاربتين التجريبية والنقدية لتغطية حاجيات الطلاب والمهتمين حول علم النفس الاجتماعي، مع التعريف بالمقاربة  النقدية التي تعتبر مقاربة صاعدة وجديدة. كما تسعى من خلال ذلك إلى إقامة توازن بين المقاربتين قصد الربط بينهما، وتحديد مكامن الالتقاء دون دمجهما نظرا لاستحالة تحقيق وضعية توافقية واندماجية مريحة بين المقاربتين. وهذا يعزى بدوره إلى اختلاف وتضارب مرجعياتهما الإبيستمولوجية والأنطولوجية.

حرر الكتاب باللغة الانجليزية  من طرف كاتبة  متخصصة في  علم النفس الصحي وعلم النفس الاجتماعي النقدي. ويعرض الكتاب خلاصة أبحاث الكاتبة حول أصول علم النفس الاجتماعي التجريبي وأفاق علم النفس الاجتماعي النقدي كمجال بحثي  جديد وصاعد وواعد. يقع الكتاب في ثلاثمائة وأربع وتسعين صفحة من الحجم المتوسط ويبدأ بمقدمة عامة وينتهي بقائمة كلمات لها صلة بموضوع الكتاب، مصحوبة بشرح ولائحة المراجع المعتمدة وفهرس. ويشتمل على جزأين  أساسين حيث يتناول الجزء الأول بفصوله الثلاثة نقط انطلاق الكاتبة أتناء عرض الاختلافات بين  المقاربتين التجريبية والنقدية. بينما يتناول الجزء الثاني بفصوله السبعة مواضيع في غاية الأهمية في علم النفس الاجتماعي.

يحمل الجزء الأول من هذا الكتاب اسم "نقط الانطلاق"، وينقسم إلى ثلاث فصول تنقسم بدورها إلى أقسام مختلفة. يجيب القسم الأول من الفصل الأول "ما هو علم النفس الاجتماعي؟" عن سؤال جوهري حول ماهية طبيعة الصراع بين علم النفس الاجتماعي التجريبي وعلم النفس الاجتماعي النقدي. وتعزى أسباب هدا الصراع أو الخلاف بين "المعسكرين" أو "القبلتين" حسب الكاتبة إلى ثلاثة عناصر أساسية وهي:  العلم science  والايديولوجياideology  وطبيعة العالم الاجتماعيthe social world.

فبالنسبة إلى علم النفس الاجتماعي التجريبي، فالمنهج العلمي هو الوسيلة الوحيدة للحصول على معرفة صالحة وفعالة حول  الظواهر والسيرورات والأحداث الاجتماعية، كما أن المعرفة تبقى محايدة إيديولوجيا، وأن العالم الاجتماعي منعزل ومنفصل مع الأفراد الموجودين في نطاقه. بخصوص علم النفس الاجتماعي النقدي، فيرى أن المنهجية العلمية ليست السبيل الوحيد للحصول على المعرفة وأن هذه المنهجية لا تناسب كثيرا علم النفس الاجتماعي.  كما أن المعرفة بما في ذلك المعرفة المبنية على علم النفس الاجتماعي التجريبي لا يمكن فصلها عن الايديولوجيا وأن العالم الاجتماعي نتاج التفاعل بين الناس.

يتناول القسم الثاني من هذا الفصل جذور علم النفس الاجتماعي. وفقا لذلك، فقد بدأت العلوم  الاجتماعية كما نعرفها اليوم في التشكل في أواخر القرن ١٩ وبداية القرن العشرين. في خضم  ذلك، جاء تطور علم النفس بشكل عام  متأخرا بعد محاولات عسيرة في إيجاد مكان له بين باقي العلوم الإنسانية.  وقد وصف Murphy    (1929 :3) وضعية علم النفس كشخص متشرد يطرق باب  الفسيولوجيا تارةً وباب علم الأخلاق (الإيتيقا) تارةً وباب الإبيستمولوجيا تارةً أخرى. ويرى McDougall    (1919 :3) William أن علم النفس الاجتماعي يجب أن يدرس كمجال مستقل، وأن  لا يقبل وصاية السوسيولوجيا والانثروبولوجيا لان دوره يكمن في دراسة منابع الفعل الإنساني والدوافع والمحفزات التي تدعم النشاط الذهني والجسمي  وتنظيم السلوك. وقد انتقد علماء النفس الاجتماعي علم النفس أنداك باعتباره منحصراً فقط على العمليات المعرفية الذهنية على مستوى الفرد، مدافعين عن ضرورة تبني مقاربة علمية في دراسة الظواهر النفسية وكذلك اثر السيرورات الاجتماعية مثل سيرورة انتقال المجتمع من البدائية إلى التحضر. وتعتبر أولوية الغريزة فكرة محورية في نظرية McDougall. فبالنسبة إليه، فالطبيعة الإنسانية  كنتاج لسلسلة من الميولات الغريزية (الدوافع البدائية) هي  الأسس الأولى للسلوك لكن يمكن تغييرها عن طريق العادات الاجتماعية والمعايير الأخلاقية عبر القوة الحضاريةthe civilizing force ، ودور الحضارة الأساسي في الانتقال من المجتمعات المتوحشة والبدائية إلى متحضرة وحديثة ليجعل بذلك من علم النفس التطوري أساس نظريته.

إذا كان  McDougall يرى الأشخاص كنتاج لغرائزهم ولدوافعهم الداخلية والبيولوجية والتي تخضع لعملية  قولبةmoulding  بواسطة القوى الاجتماعية والثقافية لتجعل منهم أفرادا متحضرين فإن   (1907) William James  يرى أن الشخص  كذات  مدركة وواعية ذات إرادة وعزيمة تعطي المعنى للعالم بنشاط وقصدية  intentionalityوبطريقة مترابطة ما يجعلها تتمتع بإرادة حرة.  بمعنى فعلم النفس الاجتماعي لديه ينظر إلى الأشخاص كفاعلين أساسيين وليس كلعبة تتحكم فيها العوامل الاجتماعية والبيولوجية والنفسية.

ظهرت البوادر والتيارات الأولى لعلم النفس الاجتماعي في ظل طموحاته الساعية إلى استرداد جانبه الاجتماعي من علم الاجتماع وأبعاده الثقافية من الانثروبولوجيا. كما أن له جذور في حركتين ظهرتا في أوروبا  والتي سبقتا أعمال  McDougall و William  James   ويتعلق الأمر كل من  علم النفس الشعبي1  Völkerpsychologie في ألمانيا وعلم نفس الحشد  crowd psychology في كل من إيطاليا وفرنسا. وحسب علم النفس الشعبي فالأشخاص الذين ينتمون لمجموعة اجتماعية معينة يميلون إلى التفكير بطريقة جماعية : حمل نفس الآراء والمعتقدات والاشتراك في القيم والافتقار إلى الحكم المستقل كما هو الشأن بالنسبة الطوائف الدينية كجماعة طالبان ، أو المجموعات السياسية ذات قضية معينة كالدفاع عن حقوق الحيوان. ويعتبر كل من Steinthal و Lazarus ابرز مؤسسيه سنة  1900، كما يعد Wilhelm Wundt مؤسس علم النفس التجريبي أحد أبرز مناصريه.  في ما يخص علم نفس الحشد/ الجمهور ، فيبحث في فهم كيف ولماذا حينما تتصرف الجماهير الكبيرة من الناس معا، نجد أنها تشتغل  ككيان موحدentity . وقد جاءت كاستجابة لاهتمامات الثورة  الاجتماعية والسياسية في أوربا مثل الثورة الفرنسية. ويعد المنظر الفرنسي  Gustave Le Bon أكبر مناصري هدا التيار ويتجلى ذلك في كتابه سيكولوجية الحشد المنشور سنة 1895. ويتفق علم نفس الحشد مع تصورات علم النفس الشعبي في مسالة "العقل الجمعي" .the collective mind  فحسب Le Bon، فان الجمهور أو الحشد يتعرض  لإثارة وغضب أو جنون جمعي collective madness يصل مستوى "الوحشية" حينما يتصرف ككلية واحدة وبدائية  بحيث تكون سلوكيات وتصرفات  أفرادها في تنافي تام مع منزلتهم  الأخلاقية ومستواهم الفكري.

يتناول القسم الثالث من هذا الفصل جذور علم النفس الاجتماعي التجريبي. وتعود أول تجربة في علم النفس الاجتماعي إلى Norman Triplett   (1898)  أي قبل  صدور كتاب  مقدمة في علم النفس الاجتماعي لصاحبه McDougall )1909  ( عندما لاحظ نتائج سباق الدرجات  المنظم من طرف الرابطة الأمريكية للدراجين سنة 1897.  وقد لاحظ أن النتائج والتوقيت المسجلة في السباق من طرف الدراجٍين تكون أسرع عندما يكونون في سباق مع بعضهم البعض عكس ما يحرزونه خلال السباقات الفردية. الأمر الذي دفعه إلى افتراض وجود "قوة طاقية/نشاطية" energizing force وهي عبارة عن "محرك نفسي" يتولد أتناء المنافسة، ومن خلال ذلك كون فرضية عامة مفادها أن وجود الآخرين يخلق "تأثيرا منتج للقوة والطاقة" dynamogenic influence ينعكس على سلوك الفرد  ما ينتج عنه تحسين الأداء/الإنجاز. كما تم التطرق في هذا القسم إلى المدارس والنظريات التالية:

- السلوكية :Behaviourism ظهرت السلوكية في أرويا لكنها لقيت انتشارا كبيرا في الجامعات  الأمريكية (حوالي 31  جامعة أبرزها جامعة ميشيغان). والسلوكية في جوهرها تؤمن بأن كل السلوكيات ناتجة عن دوافع غريزية وأن تعلمها يخضع لمنطق التحفيز/ التشجيع أو القمع/ المعاقبة.

- نظرية التعلم الاجتماعي  :Social Learning Theoryالعنصر الأساس في عملية التعلم في هذه النظرية هو "الدافع الاجتماعي" عكس السلوكية التي يرتكز فيها التعلم على "الدافع الغريزي". فبفضل الدوافع الاجتماعية، يتمكن الأفراد من خلق ظروف للتعلم والتصرف وفق سلوكيات محددة. وتتحدد الدوافع الاجتماعية في الرغبة في الاستقلالية والإنجاز والعدوانية، التفوق، الاندماج الخ. عكس الدوافع الغريزية التي تتسم بالوحدة والشمولية، تختلف الدوافع الاجتماعية من مجموعة بشرية إلى أخرى وبواسطتها يصبح الأطفال كائنات اجتماعية بناء على الدوافع والتنشئة الاجتماعية للمجموعة التي ينتمون إليها.

- علم النفس الجشطالتي :Gestalt Psychology أسست الجشطالتية سنة  من طرف     .(1912)  Wertheime  وحسب مدرسة الجشطالت، فإن السياق والتجارب الشخصية يلعبان دور الدافع المهم في طريقة فهم الناس للأشياء.

- علم النفس الاجتماعي التجريبي :Experimental Social Psychology  عموما، يعد  Lewinالأب المؤسس  لعلم النفس الاجتماعي التجريبي وقد اهتم بتأثيرات المجموعات الاجتماعية ودينامياتها وتغيراتها وأسس حقله النظري على مبادئ الجشطالتية. ويرى أن السلوك يتأثر ب "الحقل النفسي" أو "الحقل الاجتماعي".

يتحدث القسم الأخير من هذا الفصل عن جذور علم النفس الاجتماعي النقدي .ففي السبعينات والثمانينات، بدأ عدد من علماء النفس أمثال  Kenneth Gergen وRom Harré و Jonathan  Potter و Margaret Wetherellو Ian Parker في إدخال  نظريات جديدة إلى علم النفس الاجتماعي وتحديدا نظرية البنائية الاجتماعية وتحليل الخطاب وماا بعد الحداثة ليضعوا بذلك أسس ومنطلقات ما تسميه الكاتبة Wendy Stainton Rogers في هذا الكتاب ب"علم النفس الاجتماعي النقدي". وبخصوص مسألتي الحداثة وما بعد الحداثة،  فالحداثة تعني مجموعة من المعتقدات النظرية والأخلاقية والقيم والممارسات والمساعي، التي تم تطويرها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة تاريخية من عصر الأنوار في القرن الثامن عشر. وتستند الحداثة على أربعة مبادئ رئيسية هي الديمقراطية والفردية الليبرالية والإنسانية الليبرالية والعلوم. وبخصوص ما بعد الحداثة، فقد أثرت بشكل كبير على علم النفس الاجتماعي. ومن منظورها، فإن المعرفة يتم بناءها بدل اكتشفها وأنها متعددة وليست مفردة وأنها الوسيلة اللاتي تمارس بها السلطة.

ترجمة : حمزة الشافعي - المغرب

ماجستير في الدراسات المقارنة (تخصص لغة انجليزية)

...................

- تتم ترجمته كذلك بعلم نفس الإنسان العادي     .(psychology of ordinary people)

- ترجمة مختصرة لكتاب:

Social Psychology

Experimental and Critical Approaches

)Wendy Stainton Rogers, 2003(

رابط الكتاب باللغة الانجليزية:

http://www.imd.inder.cu/adjuntos/article/546/Social%20Psychology.pdf>

 

في المثقف اليوم