دراسات وبحوث

الله الفرضية الزائدة في العلم (2)؟

جواد بشارةفرضية ريمان هي إحدى سبع مشاكل عويصة يتعذر حلها في الرياضيات من أكثر من قرن. وهذه المعادلة التي نشرها بيرنهارد ريمان Bernhard Riemann (1826–1866) سنة 1859 هي من الغرابة والصعوبة بمكان جعلت البعض من العلماء يطلق عليها مازحاً صفة " معادلة الله l’équation Dieu" أو الشفرة السرية للكون المرئي le code secret de l’univers، وتقترن بها أيضاً دالة زيتا لريمان fonction zêta de Riemann .  ولقد حاول فطاحل علماء الرياضيات وعلماء الكونيات وعلماء الفلك متضافرين حلها ولم ينجح أحد في ذلك لغاية اليوم والظريف أن مؤسسة كلي للرياضيات la Fondation Clay pour les mathématiques رصدت جائزة مليون دولار لمن يحلها. ومن المؤكد أن حلها من شأنه أن يجعلنا أن نفهم حقيقة الكون المرئي وربما الجواب العلمي القاطع عن وجود أو عدم وجود " الله" فهي أعقد وأكبر من أن تعرف.

1042 شفرة الخلق

وبهذا الصدد تحضرني حادثة تاريخية في التراث الإسلامي تقول أن الإمام علي مر بالقرب من شخص يصلي وفي تكبيرة الآذان يردد الله أكبر من كل شيء، فرد عليه الإمام علي ويحك لقد شيئته وهذا كفر فقولك الله أكبر من كل شيء يعني أن هناك أشياء والله أكبر منها فهو إذن شيء أكبر من الأشياء، فعقب المصلي وماذا أقول يا أمير المؤمنين، رد الإمام علي قل الله أكبر من أن يعرف ـــ بضم العين ــ فكل شيء محسوب بدقة في الكون المرئي لا مكان للصدفة في وجود هذا الكون كما يقول رجال الدين، وأن هناك شيء ما قبل البغ بانغ الانفجار العظيم الذي عد بمثابة البداية العلمية للكون المرئي وإن هذا الـــ " شيء ما" قد يكون معادلة رياضياتية على شكل معلومة حاسوبية أو كود سري " شفرة سرية" تختزن كل ما هو موجود في الكون المرئي المادي قبل انبثاقه مادياً وهذه الشيفرة تتواجد وراء جدار بلانك. فحسب نظرية التعاقب الكوني يصل الكون إلى مرحلة من التوسع يتوقف عندها ومن ثم يبدأ بالانكماش والتقلص إلى النقطة التي انطلق منها والتي تعرف بالفرادة الكونية ومن ثم يبدأ عندها الانفجار العظيم، وهذا دواليك، وبالتالي تتضمن الفرادة المعلومة الحاسوبية الكاملة عن الكون السابق بكل حساباته ومقاييسه وثوابته وقوانينه ومعادلاته لكنها مشفرة في كود سري، وبهذا الصدد كان العالم الفيزيائي هانز باغيل Heinz Pagels قد صرح " أعتقد بأن الكون المرئي عبارة عن رسالة مشفرة، أي كود سري أو شيفرة سرية وإن عمل العلماء يتخلص بفك أسرار هذه الشيفرة". فهي الشيفرة المصدر le code-source لكل ما هو موجود مادياً من اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في الكبر. فالرياضيات هي التي ستوصلنا إلى الشيفرة الخفية والمصدر اللغزي للكون المرئي. ولقد علق ريمان على ذلك قائلاً " لو أمتلكت ناصية كافة النظريات والفرضيات لكان بإمكاني ربما ببساطة أن أكتشف الأدلة والبراهين والإثباتات بشأن الحقيقة " أي حقيقة الله وحقيقة الكون المرئي. فدالة زيتا هي التي قد تقودنا إلى فرضية الله ومعرفة ما إذا كانت الفرضية لازمة وحتمية أم زائدة.

للخروج من مأزق التناقضات والمفارقات والألغاز التي تحيط بالكون المرئي، وفي نفس الوقت بمفهوم الإله الخالق لهذا الكون المرئي، ينبغي إيجاد الصيغة البديلة المقبولة علمياً ودينياً.

ومن أبرز تلك المفارقات موضوع الصفات . فإله الأديان هو كائن حي عاقل يوصف عادة بأنه كلي المعرفة وكلي القدرة وكلي العلم ويتمتع بالكمال. وكان موضوع الصفات متداولاً بين رجال الدين والفلاسفة في الماضي منذ نشأة الأديان التوحيدية السماوية وموضوعاً للسجالات الكلامية والفلسفية بينهم، فلو كان كلي القدرة فهل بوسعه خلق شيء أثقل من أن يتمكن هو نفسه رفعه؟ وهل كان مرغماً على خلق الكون رغم معرفته المسبقة بعدم كمالية هذا الكون؟ وماذا كان يفعل قبل خلق الكون؟ وإذا كان يعلم بكل شيء في الوجود قبل خلقه وحاضره ومستقبله فلماذا لم يتجنب السلبيات فيه وهي لا تعد ولا تحصى؟ وهل عملية الخلق تمت وفق السيناريو الديني الذي نصت عليه النصوص والكتب المقدسة لا سيما في سفر التكوين أي خلق العالم في ستة أيام، أو بطريقة كن فيكون لحظياً؟ وهو الأمر الذي يتعارض كلياً مع السيناريو العلمي المتعارف عليه عن نشأة الكون المرئي قبل 13.828 مليار سنة إثر حدوث الإنفجار العظيم البغ بانغ؟ وهل الله الديني يتجسد في كينونة مادية كما تقول المسيحية؟ وهل يمتلك مشاعر الشهوة والحقد والغيرة والانتقام والمكر والخوف والإحباط والخيبة واليأس وهي صفات بشرية بالأساس؟ وماهو جنس الله، هل هو ذكر أم أنثى؟ وهل سيرى الناس الله يوم القيامة؟ وهناك أسئلة جوهرية أخرى كثيرة من قبيل كيف ولماذا وأين ومتى، خلق الله الكون، ولم يجد لها البشر أجوبة شافية ووافية وقاطعة ومقنعة وناجعة؟.

نفس التساؤلات والمفارقات والتناقضات تحوم حول الكون ذاتي النشأة وغير المخلوق، من قبيل: من أين جاءت قوانينه وثوابته وقياساته وذلك التنظيم الهائل والدقيق في مكوناته؟ وما سبب حدوث الانفجار العظيم ؟

سبق للمتصوفة في الدين اليهودي الكابالا، وفي الإسلام أيضاً، أن تحدثوا عن " وحدة الوجود" والتي يمكن استلهامها علمياً إذا اعتبرنا أن الوجود برمته هو الموجود الوحيد ولا شيء غيره موجود، وهو المطلق الوحيدة وكل شيء آخر نسبي. والمقصود بالوجود هنا الكون المطلق المكون من عدد لانهائي من الأكوان ومن بينها كوننا المرئي، حسب أطروحة تعدد الأكوان. وكل كون جزئي فيه، في حالة تجدد وتعاقب في وجوده، بين الانفجار العظيم والانكماش العظيم، وفي حركة دائبة ودائمة. وتلك الأكوان اللامتناهية تشكل نسيج الكون المطلق الذي ليس له بداية ولا نهاية، أزلي، أبدي، سرمدي، لا متناهي في أبعاده، لم يخلقه أحد ولم يخلق أحداً وكل ما هو موجود جزء منه كمثل مكونات وخلايا الجسد البشري حيث لكل مكون وظيفة معينة ومحددة لكي تبقي جسد الإنسان حياً متعافياً وفي حالة تطور دائم يسعى نحو الكمال والتسامي، لأن الكل المطلق حي متسامي، وهي نفس الصفات التي تطلقها الأديان على الله وبالتالي تكون المعادلة أن الكون المطلق هو الله ولكنه لا يقوم بأفعال وتصرفات أضفتها عليه الأديان كالعقاب والثواب والجنة والنار ويوم الحساب أو القيامة والتدخل في شؤون الكائنات في كل صغيرة وكبيرة. فكل الأكوان المرئية والخفية، وبكل ما فيها من مكونات وجسيمات هي خلايا وجسيمات ومكونات أولية لوجوده إذ هو الموجود الوحيد وهو الوجود الذي نحن جزء منه، وهذا ما قصده الحلاج الشهيد عندما صرخ " أنا الحق" .

 

د. جواد بشارة

 

 

في المثقف اليوم