تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق (3)

faez_alhadadخاص بالمثقف:الحلقة الثالثة من الحوار المفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق، لمناسبة تكريمها من قبل مؤسسة المثقف العربي، وفيها تجيب الكاتبة على اسئلة الشاعر والناقد فائز الحداد، واسئلة الروائية د. عبلة الفاري.

س35: فائز الحداد، شاعر وناقد / سوريا: أين تكمن جدلية الوجود في ذات الشاعر، هل في الخلود الشعري أم في نفي الذات؟

ج 35: أنا أرى العكس لا يمكن للإنسان أن يبدع وذاته منفية بأي طريق من الطرق. إن الإبداع هو إثبات الذات المبدعة بل وتركيزها وتوكيدها لذلك أرى الجواب.الصحيح أن الخلود شعرا يستمر بعد المبدع فنحن نقرأ اليوم لشعراء وأدباء انتفى وجودهم المادي بينما إبداع أرواحهم لا يزال يُقرأ ويتأثر فيه الناس جيلا بعد جيل. إن ذات الشاعر هي مكمن إبداعه وتميزه عن ذوات الآخرين. إذن الخلود الشعري هو شكل تحقق الذات المبدعة.

س36: فائز الحداد: المعروف وفق نظرية التجنيس، أن تعدد الإشتغالات المتعددة في الأدب تجعل الأديب مشتتا بين أكثر من إهتمام كتابي، أين أنت في اشتغالاتك ولأي جنس تنتمين كترسيخ؟

ج36: قلتُ سابقا إن ضعف الموهبة وقوتها هما الفيصل، وهما يتحكمان باستمرارية المبدع والاشتغال على تعدد الأجناس دون ضعف، أو التكثيف في مادة على حساب الأخرى.

أنا شاعرة بكل تفاصيلي اليومية وبعلاقاتي العادية والأدبية فبالتالي تجد هذا واضحا في نتاجي القصصي والروائي، واشتغل على النص القصصي المكثف لغويا، ولا أستطيع فصل الشاعرة عن الكاتبة، كلاهما أنا وبكليهما أكتب كل الأجناس.

س37: فائزالحداد: في كل ما قرأت لك أجدك شاعرة تتقدمين أسماء كثيرة في قصيدة النثر لإعتبارات أجلها أنا فائز الحداد، هل حققتي ذاتك في تشظياتك الكتابية الأخرى؟

ج37: أظن نعم حققت ما يقابل نصي الشعري قصصا ورواية.. ومجموعتي القصصية (امرأة بزي جسد) اطلعت حضرتك على بعضها المنشور ونالت استحسانك والآخرين وكذلك ما نشرته في المواقع العربية من المجموعة(نقط) التي علق عليها نقاد في ذات المواقع بأنها تستحق الوقوف عندها لأنها أسلوب جديد في فن القص.. والدليل على ذلك فوز أربع قصص من امرأة بزي جسدا بالجوائز الأولى حين اشتركت بمسابقات.. كما هي موضع دراسات في فن القصة من قبل كتاب يهتمون بالقصة القصيرة.. روائيا أظن وضعت بصمة خاصة لي في الرواية كما بصمتي في القصة وكتبت النص المفتوح الذي يعالج الواقع بالفنتازيا ووظفت عدة فنون في فن واحد ألا وهو الرواية... (رواية السماء تعود إلى أهلها ورواية أقصى الجنون الفراغ يهذي)

س38: فائز الحداد: بتقديرك ماذا أضاف التحرير الثقافي المزعوم في ضوء الوضع السياسي الحالي في العراق، وطغيان الخطابات المتصارعة المتعددة باتجاه الإقصاء والهيمنة بكل أبعادها؟

ج38: حضرتك قلت المزعوم وهذه الكلمة تترجم الوضع السياسي أو الأمان الشعبي المزعوم كما أفضل تسميته..وكلما وجد مرض سياسي تفشى مرض ثقافي، لأن السياسي في العراق هو المتحكم بكل شيء وأي خطاب ثقافي في الوقت الحاضر هو خطاب مشوش.. والدليل اتحاد أدباء العراق لا مقر له مثل باقي الدول العربية بحيث يستطيع المبدع القول نحن في مبنى دولة متحضرة.. ولم نجد مثقفي اتحاد الكتاب العراقي يعتلون مناصب ثقافية لها ثقلها بأهمية مبدعي الإتحاد وخبرتهم في الحياة والثقافة.. قل لي أين فاضل ثامر وياسين النصير وصادق الصائغ وغيرهم ممن أفنوا عمرهم بالثقافة، أين مناصبهم في وزارة الثقافة ليشتغلوا على الوعي الجمعي الذي ترتكز عليه كل مفاهيم الحياة ومتطلباتها...

إتحادنا يعاني من الجحودَين، الداخلي، ومن الدول العربية التي تقابله بالمثل حسب عداءها للسلطة وقبولها وتحسبه عليها كونه يعيش على أرض العراق... ما ذنب المثقف يحارَب بعراقيته ويصعب دخوله الأراضي العربية؟،، مخجل والله ومؤسف،، وقولي هذا عن تجربة لي في معاناتنا بمهرجان العنقاء الثقافي الدولي...في ظل هذا الوضع أية إضافة تريدها سيدي الفاضل؟

المبدع أو المثقف العراقي مقيد ومحاصر وممنوع عليه الحركة كما عليه أن ينتج ويكتب ويجابه الإقصاء والتهديد والتهميش، فأي بطل هذا؟

واسمح لي أن أقول لمن يمنع دخول المبدع العراقي أراضيه:- المبدع العراقي يحمل الجمال وعلى كتفيه هم ثقافي وإرث ثقافي راسخة جذوره الخلاقة في التاريخ الثقافي ولا يحمل في حقائبه قنبلة وعليهم أن يحذروا القتلة الذين يدخلون أراضينا من كل صوب... علما أن مرورهم أسهل من جريان الماء.

     

س39: فائز الحداد: هل كان المثقف والأديب بشكل خاص بمستوى التحديات التي تواجه العراق إزاء المشروع الثقافي الأمريكي الخطير والهادف الى تمزيق الثقافة العراقية ومحو هويته الوطنية؟

ج39: أظن أخي فائز علينا أن نسترجع الجواب السابق لنستخرج منه بعض إجابات تفيدنا هنا.. المبدع والمثقف العراقي قادر على التغيير بل التحدي وبكل قوة إذا توفرت الشروط السابقة التي ورد ذكرها في سؤالك السابق.. العجز ليس بالمثقف أو المبدع ولا العيب فيهما، بل بما حولهما من قيود مقصودة داخليا وخارجيا لغرض إضعافه والسيطرة على العراق ثقافيا وسياسيا.. والأولى أخطر من الثانية لأنها تشتغل على الوعي الجمعي... وكلما أضعفت أمريكا العراق ثقافيا سيطرت عليه كليا.. لأنها تختار من يقف معها ويسهل لها غايتها ولا تختار من هم أهل للتحدي، بل تشتغل الحكومات على ترحيل أصحاب الهم العراقي الشعبي أو قتلهم كي لا يتهدم الكرسي وتتخلخل قاعدته.

س40: فائز الحداد: أين تضعين تجربتك الكتابية بكل أجناسها، وهل حققتِ ذاتك فيما أصدرت من منجز كبير بكل المجالات الكتابية؟

ج40: لن أضع تجربتي في حيز يحدد قيمتها فنيا، بل أتركه للنقاد وأصحاب الرأي.. مازلت أجد تجربتي متواضعة ولن تكبر لأنها تعيش الاستمرارية والكِبَر موت وانتهاء.

س41: فائز الحداد: يقول البعض الكثير بأنك مزاجية في تعاملك الثقافي والأدبي، تمدحين الأقربين وتجافين البعيدن حتى لو كانوا بإمتياز التفرد، هل يطغي الإجتماعي عندك على الثقافي ولماذا؟

ج41: هذا قول خاطئ وحاقد ومن يقترب مني لا يجدني مزاجية أبدا، بل سؤالك هذا استفزازي من أجل الاستفزاز لا غير.. لأني متواضعة بطبعي وشعبية جدا والشعبي لا يتعالى على أحد بل يقترب من الناس جميعا.. هذا على المستوى الشخصي الذي لا أجده يختلف عن الإبداعي لأنهما لا ينفصلان عن بعضهما..

اقترب من الذي أجد فيه الصدق والصفاء وهما صفتان نادرتان لذلك تصل أخبار خاطئة ممن لا يتصفون بهاتين الصفتين،، حتما سيبقون بعيدين عني لأنهم لا يمثلونني إبداعيا وإنسانيا ولا أجاملهم على حساب إبداعي وإنسانيتي... أما امتياز التفرد فأرد عليه إعجابا ولو كان من عدو أو جاحد لأني أنظر بعين المبدعة للنص لا لصاحبه وأصيح بأعلى صوتي (ألله ) للنص فقط.

أضرب مثلا:- كثيرون لا يعلقون على مواد أنشرها ولو مرة واحدة أو يقدمون التهنئة في تكريمي أو فوزي بجائزة أو إصدار كتاب بينما أجدهم يعلقون على غيري وعلى تجارب هزيلة وبنفس الموقع ويهنئون ربما لأن حدودهم ضيقة أو ترتدي ثوب الغيرة، ولا أريد معرفة السبب لأنني أعرفه مسبقا ولا يعنيني، ببساطة،،، أعرف ماذا أكتب ولست بحادة لمدح .. لكني أعلق على ما أجده جميلا في ما ينشرون وأهنئ بحب لأنني أحب الإبداع وأرجو لكل المبدعين الخير والمحبة... حبذا لو تسأل القريبين مني من هي وفاء ولا تأخذك أقاويل مغرضة تبني عليها أفكارك وتأخذ قرارا عن وفاء لا تعرفها عن قرب.

لأنك في بداية سؤالك قلت: (يقول البعض) وأقول: وإذا أتتك مذمة من ناقص،،،، وعليك الباقي... حضرتك مثقف كبير والمثقف يسأل ويتأكد ولا يبني قرارا على أقاول...وألفت نظر حضرتك إلى أن ضريبة النجاح كبيرة وأتوقع الكثير... (قد تنمو صداقة لتصبح حبا لكن الحب لا يتراجع ليصبح صداقة) مثل انكليزي.....على هذا المثل أرتكز في علاقاتي.

س42: فائز الحداد: هل أنت مع إشكالية المصطلح في العزل الجنسي في الكتابة خصوصا مايتعلق بأدب النسوة وأدب الذكور، أم لك رأي أخر في ماهية الإبداع؟

ج42: وضحتُ ذلك في أسئلة سابقة أخي الكريم.

س43: فائز الحداد: ماذا يشكل لك التكريم في الإعتبار الكتابي، وقد كرمت في مجالات شتى، خصوصا تكريم موقع المثقف لك؟

ج43: أجمل ما في تكريم المثقف أنه يتحدى التكريم الرسمي ويقول له : - هؤلاء أبناء العراق الذين شربوا من مائه وحملوا هموم الشعب على أكتافهم وتجلوا شعرا بالهم الشعبي.

س44: فائز الحداد: من هو الأديب الذي يستفزك دائما فيما تقرئين، وتجدين نفسك ندا كتابيا له بمعنى التناص والمضارعة؟

ج44: لقد وضحت ذلك سابقا وذكرت أن أدنويس هو كتابي الذي كلما شعرت بجفاء الشعر عني رجعت إلية لأستمد منه نبضي الشعري. ولي تناص في قصائد،، خاصة بداية قصيدتي في ديوان من مذكرات طفل الحرب.

س45: فائز الحداد: على أي أسس بلاغية تقوم قصيدة النثر الجليلة فيما ذكر عنها وما لم يذكر، وهل ستلغي نظام القصيدة الكلاسيكية في القابل القادم؟

ج45: أعتقد المسألة ليست مسألة أسس بلاغية. وقصيدة النثر مرتبطة بالإرث النثري عند المتصوفة كالنفري والنص القرآني في بعض المواضع . وقد اتصلت أسس قصيدة النثر مع أسس الشعر بشكل عام أي أنها تشترك مع القصيدة العمودية بأساس الشعر وهو التصوير الفني واكتشاف الشاعر العلاقة بين الأشياء والظواهر التي تبدو للإنسان العادي وكأنها لا علاقة بينها. وكذلك في الإيقاع والموسيقى لكن بالطبع ليست موسيقى ولا إيقاع مكرور ورتيب. بل ازعم أن على كل قصيدة نثر أن تبدع إيقاعها وموسيقاها الخاصة بعيدا عن الأوزان التقليدية والقافية الموحدة التي كانت تضطر الشاعر إلى الحشو وأحيانا إلي عنق اللغة من أجل الوزن والقافية.

بالنسبة للشق الثاني من السؤال:

- تبين التجربة الحية أن الأشكال الأدبية لا ينفي بعضها بعضاً بل يجري اصطفاف للأنواع والأنماط الشعرية. فنحن نرى اليوم أن القصيدة العمودية الكلاسيكية لا تزال حية ولا يزال هناك من يبدعها وإن كان المميز منها قليلاً.و كذلك نرى الأنماط الأخرى كقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وغير ذلك من الأشكال الأدبية.

إذن كجواب مباشر على سؤالك أقول:- إن قصيدة النثر لن تلغي القصيدة العمودية الكلاسيكية ولا غيرها . بل سيجري اصطفاف ونرى مختلف الأنماط تتعايش . ومن ذلك أن شيخ قصيدة النثر العربية (أدونيس) قد أبدع قصيدة موزونة بمناسبة قيام الثورة الإيرانية!! حين كان يقف في صف وربما تخلى عن موقفه هذا.

س46: د. عبلة الفاري، روائية / فلسطين:كيف تتشكل الكلمات في حضرة الابداع وكيف ترى اول كلمات القصيدة نور القلم وبياض الصفحات ؟؟؟

ج46: وقت يحضر الإبداع يأتي بشكله ولغته وصوره واختياراته، خاصة وأنا أكتب ألوانا متعددة.. لم اختر صنفه، شعبيا كان أم فصيحا.. يأتي زخمه عاريا مني، مرتديا ثوبه...

دفق شعور لا يسأل المطر كيف هطل بل يهطل معه على ورقي ،، ولا يستدرج العطر إلى ورده لأنه بذاته حقل ورد. ربما لا تصدقين غاليتي لو قلت أحيانا أكتب ثلاثة أعمال متزامنة وساعتها الخالقة هي تحدد دقاتها وجرسها كما تحدد بيتها الذي ستستقر بأركانه... أدرج  مثلا:

مازلت لم أكمل ثلاثة دواوين شعرية، لكل واحد شكله وروحه وفكره وانتمائه.

1-   ديوان (أدخل وجسدي أدخلكم). أشعار يقتضيها احتراقي ساعة المخاض.

2-   ديوان (مدخل إلى الضوء) أشعار في الوجد والعشق الصوفي.

3-   ديوان (مشروع صورة وقصيدة) استلهام الشعر من الصورة.

بصراحة لا أدري متى سأدخل أي بيت فيهم.. كل واحد يسحبني إلى ضوئه ساعة اختياره هو لا اختياري أنا..

ومثلهم في الشعر الشعبي:

1-   ديوان (ترنيمة الفراشات) أشعار شعبية متنوعة.

2-   ديوان (براويز) شعر شعبي لكل قصيدة برواز وإطار تجمع بينهم موضوعات مختلفة لفكرة واحدة.

هذا يثبت أنني لستُ ملك نفسي لأقرر وأختار وأحدد كلمتي.. حالة وجد صوفي تأسرني محطتها فاركب قاطرتها واستعر شعرا.

أتركها ملتجئة إلى صمتي المنتظر أن تخترقه ساعة جنون تكون بوصلتي.

هل تدرين غاليتي أن لي قصص شعرية بعنوان:

1-  (وجوه أشباح أخيلة).

تلبسَني بعض تلك الوجوه والأشباح والأخيلة،، وتركوني حيث رغبة أخرى لهم.

2- و قصص قصيرة جدا (أغلالٌ أخرى). أوثقوني ومازلت انتظر أن يحلوا وثاقي.

لعلني أوصلت الفكرة.

س47: د. عبلة الفاري:لكل شاعر او مبدع هناك عشق ما لجمال ساحر اخاد يلهم الخيال ليتدفق الابداع، فماذا تعشق وفاء عبد الرازق في هذا الحاضر المتشابك  العجيب؟؟؟؟

ج47: أعشق الحالات الإنسانية النابعة من معاناة الناس ويومياتهم التي تفرض نفسها على يومياتي، وبما أنها جزء منها تتحد معها.. أعشق الجمال في كل شيء كما يأسرني البياض..كل شيء أبيض.. حمامة،، قماط،، وكفن.

ثلاثة أشياء هي ابتداء وانتهاء وتحليق في سماء الحياة..

وكم تمنيت أن أعمل فريقا باحثا عن البياض.. كلما قلت مسكت خيطه تفرط عقد مسبحته دون اتفاق... لا أدري أين الخلل.. ربما البياض لم يألفه الآخرون،، أو ربما لم يفقس بعد من بيضته.. (ألا يفقس بيضُ الصبر؟) مقطع من قصيدتي (أنا المطلقة بثلاث).

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

 

في المثقف اليوم