تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق (8)

wedad_farhanخاص بالمثقف: الحلقة الثامنة من الحوار المفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق، لمناسبة تكريمها من قبل مؤسسة المثقف العربي، وفيها تجيب الكاتبة على اسئلة الأديبة الاستاذة وداد فرحان، رئيسة تحرير صحيفة بانوراما – سيدني / استراليا.

س122: وداد فرحان: شاعرة وكاتبة، رئيسة تحرير صحيفة بانوراما، سيدني / استراليا: يا سعفة جنوبية يداعبها النسيم فتلوّح أركان قصيدتها في فضاءات العراق شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وتعدت ذلك لتحتوي وطنا أوسع بمساحته تقلب بين ركامات ألمه باحثة عن زنبقة أمل، أو بقايا ذكريات. هل كانت لك معاييرا وطقوسا كتابية روضت في رحم أنثى عراقية فابت إلا أن تكون قصائدها هي، وهي قصائدها مكونة منهما توأمين سياميين يتشابهان في كل جزء من مكوناتهما؟

ج122: حضرتك بدأتِ كلامك بالنداء (يا سعفة جنوبية) هو ذا الرحم الذي كوَّنني الأنثى الأولى فصبغ شكلي وسماتي وطبائعي وهمساتي..لم أتخذ شكلا جاهزا كباقي السعفات، بل تشكلتُ بممكنه ولا ممكنه فجئنا معاً شاعرة وأديبة وامرأة..لو فصلتِ وفاء عنهم لن تجديني الشاعرة وفي المقابل لو فصلتِ الشعر لتاهت كل عواطفي ..كلانا قطعة من الحياة، والحياة هي تجربة وأحاسيس ومشاعر ومجابهة وتحدي وقبول واختيار في معالجة كل هذه الأمور لتصبح مادة أدبية...بحيويتنا نعيد الحياة بثوبها الجميل ونقدمها إلى القارئ...هذا بالإضافة إلى مدى فاعلية الشاعر وقدراته ساعة الخلق لينتج نصا مكثفا بخصوصيته هو وجماليته هو ليكونا معا توأم جوهر النص.

س123: وداد فرحان: الوحدة والغربة مفردتان للتسكع الأدبي على أرصفة الابداع النصي، تفجران في صخور الحيرة ينابيع التدفق الانتاجي بحسية صادقة لا تجافيها جمالية الحزن الموروث، صائغة منها قلادات التواصل مع ذائقة القارئ، هل تنتفي الوحدة والغربة عندما تتعايشين مع لحظة كتابة النص؟

ج123: حين أعيش مخاض القصيدة وولادتها أتجرد من كل ما هو واقعي وأعيش عالمها المطلـَق بعيدا حتى عن الجزئيات الملتصقة في جسدي وأنطلق في عالم يجرني نحوه،، خاص بنفسه.

وخلال هذه الرحلة يتجسد المخزون اليومي المؤثر بشاعريتي وبي كإنسانة.

فكرة كتابة القصيدة لا تأتي بقرار من الشاعر هذه طريقة النظـَّام.. كل ما يمر في حياتي يوميا يخزنه العقل الباطن ويتحول إلى صور شعرية منفردة ومجتمعة ومتوحدة في الخاص والعام كما فروع من شجرة كل أجزائها تنتمي إلى الشجرة الأم...إثناء كتابة القصيدة لا تأتي الغربة كغربة بل جوهرها ودوافعها وحقائقها وتأثيراتها الشمولية ..

الوحدة والغربة ينفصلان عن ماديتهما في عالمي الجديد ورحلتي.. الشاعر كالنبي المكتشف إسراءه ومعراجه وخلال مسيرته يلتقي ربما غربة أخرى ووحدة لها شكل جسر أو عتبة.. يجلس عليها ليطرق أبوابها فاتحا رؤيته ورؤاه على مصراعيهما للكشف..

هكذا أكتب قصيدتي بشقيها الشعبي والفصيح، وحين أرجع إلى عالمي المحسوس أجدني توردتُ ومررت بسخونة عالية كمن وقفت قرب تنور احمرت وجنتاها لتجني خبزا شهيا.

س124: وداد فرحان: لحظة ثورة الكتابة يفصلها زمنان: زمن التأمل أو الغوص في محدثات الثورة، وزمن الانطلاق الى الوعي المحبوكة خططه البلاغية في تفجير النص. أي الزمنين أمتع لاستمداد الصور والعيش معها؟

ج124: مؤكد الزمن التأملي أمتع لأنه زمن الاكتشاف والتشبع بالجمال والمدهش في كل الأشياء..إنه زمن الضوء..

زمن الوعي هو زمن اليقظة في اللغة والأسلوب وتعديل صورة ما من  إيقاعها الطفولي غير المنسجم مع أخواتها..

س125: وداد فرحان: إن المعاني والأفكار في قواميس نصوص وفاء عبد الرزاق لا تُستمد من العالم وبنية الأشياء بصورها الشكلية، بل تهبها وتفرضها بأشكال تسمو الى اللوحة الميتافيزيقية، تفرضها على المتلقي بسلاسة الوصول ما تحدو به الى تحويلها من صور اعتبارية إلى صور واقعية يعيشها مع النص. هل تعتبر وفاء وبعيداً عن المجاملة أنها خالقة لتلك اللوحات الابداعية في نصوصها الأدبية؟

ج125: المعاني والأفكار هما وسيلة إيضاح وتحويل الخيال إلى واقع سمعي ومرئي ومشموم ومحسوس بينما هما في الأصل لمع وبرق وضوء.

الخلق صفة المبدع المجدد غير المقتنع بما قرأه لغيره ليس لأنه للغير بل كونه يريد الوصول لمرحلة أخرى تُنسب إليه هو.

الشعور والحس لا يمكن أن يتشابهان للمبدع الواحد في أية مادة يكتبها ومن غير التشابه بين نصوصه يثير غير الموصوف والمرتقب في إنتاجه ،، ليتلو كل مرة آية جديدة.

لا أرغب في تشابه كتبي، كل ديوان شعر مختلف عن الآخر كليا، وكل مجموعة قصصية لها سمتها وشكلها الخاص بها ومثلها في الروايات..

المبدع الخلاق من يحول اليوميات إلى فن أدبي يثير الجميل في ذائقة المتلقي... يحفزهم على ممارسة فن الجمال في الحياة من خلال يومياتهم العادية.

س126: وداد فرحان: أعرف أن بعض النقد المؤسف الذي ربما يخلو من الموضوعية والضميرية، لا يثني عزم الأديب عموما، بل ربما يزيده رفعة. هل كانت وفاء تتقمص نصوصها الأدبية نتيجة ورداً للنقد اللاذع أو المسيء لها؟

ج126: النقد المسيء لا أعتبره نقدا لأن النقد بذاته فن قادر على إعادة بناء أفكار المؤلف ويمتلك بصيرة  قادرة على أن تجعل منه العين الأخرى للقارئ.

إذا تعامل الناقد مع أية مادة لي من هذا المنطلق مبينا زلة ما أو كبوة في زاوية ما.. أرحب برأيه وأتقبله، وعليه ربما أعيد النظر في نصي وفقا لرأيه... وقد أبقيه على ما هو عليه حين أجد الناقد غير مصيب في وجهة نظره.. أما بالنسبة لتقمصي النصوص الشعرية بالذات أقول نعم سيدتي أي شعر كتبته كنت كله وكان كلي.

لكن سيدتي النقد المؤسف كما تفضلت منتشر في واقعنا الأدبي والمحزن أيضا حتى ضاعت (الحسبة) كما نقولها في الدارجة.

س127: وداد فرحان: إن الأنوثة والجمال في شعر الشاعرة والأديبة رمز يكون سببا لإحراجها أو تسترها في بعض الأحيان بسبب أن الشرق له طقوسه، والعراق متجذر في بعض تلك الطقوس.. أين تكمن الصراحة الصورية في الأنثى وفاء عبد الرزاق؟ وهل استلت سيف قصيدة وهي تتجسد الرجولة بمعناها البطولي لتثبت للناقد الفظ أنها خنساء في زمن تلاشت فيه قيم الرمز والمبالغة في تقديم المديح لمن يستحقه؟

ج127: في ديواني (مدخلٌ إلى الضوء) الذي لما يزل مخطوطة تجدين الأنثى طاغية بصورها الأنثوية وأحيانا المحتشمة.. ربما أخاتل الصورة لتعبر عني ساعة عشق ووجد وامتزاج بيني وبين الحبيب في عشق صوفي متوحد في الآخر كليا.. المبدع  الحر مع ذاته سيكون حرا مع الآخرين..  إليك هذا المثال من قصيدة لحظة أنوثتي في الديوان ذاته:

ما أوضحك بغموضي

وما أجملك في مصرعي بين دفتيَّ وجدك

حين جاءت الرياحُ برغبتها العارمة

عرفتُ أنك فيها

لذا وضعتُ خدِّي على شجرة ٍلأسمعك

تلمَّستُ الوردَ لأشمَّك

بكيتُ لأمطرك

ألم يجئك عطري ؟

ألبسني إذاً وتراقص بي

لنعلـِّم الحُبَّ طباعـَنا

ولنكن المشردَيْن بين وشوشة الحشائش

أنا فوق جسدك

طفتُ فيه وارتديته.

أما الشق الثاني من سؤال.. فأقول لا ..لستُ الخنساء لأني أفرق بين زمني وزمنها واختلاف المؤثرات فيهما،، ولم أكتب بصوت الرجل لأن لي صوتي القوي المؤثر في القصائد الوطنية وليست القصائد الخطابية ، ولو مدحت من يستحق المدح  لا أملأ ذهني وقصائدي بالصراخ والعويل وذكر مثالب الملوك والرجال.. بل بانسياب النهر ومن عملوا على ضفافه من متعبين أنتجوا لصالح أبناء الشعب الذين حرثوا بسواعدهم الأرض لتزهر وتطعم.

...............................

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم