ترجمات أدبية

بوب ثوربر: امرأة في الحافلة

قصة: بوب ثوربر

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

كان عائدًا إلى منزله بعد أن قضى سهرة جنائزية طويلة ومراسم جنازة قصيرة عندما رآها للمرة الأولى، كانت ترتدي ملابس وردية من رأسها حتى أخمص قدميها، بما في ذلك المشابك البلاستيكية في شعرها وظلال عيونها وأحمر شفتيها الكريمى وأظافرها اللامعة. جلست في مواجهته في المقعد الطويل في مقدمة الحافلة.

قام بتسجيل ملاحظة في مفكرته، كتب: امرأة مصنوعة من حلوى غزل بالبنات.

في المرة التالية التي رآها فيها كانت ترتدي ملابس زرقاء مع أقراط بلاستيكية مدورة بيضاء اللون كبيرة، كما لو كانت أساور، وقرر أنها إما أنها أصغر بعامين أو أكبر بكثير مما كان يظن في البداية .

في المرة التالية التي رآها فيها كانت ترتدي ملابس وردية اللون مرة أخرى، ساقها العاريتان قويتان وثمة ضمادة على كاحلها، أعلى حذائها الرياضي الخال من الأربطة .

في المرة التالية كانت ترتدي ملابس منقوشة جميعها باستثناء حذاء بني، تقول لرجل  يرتدى قبعة بنية اللون، أنها أفرجت عن أسهمها وعززت أصولها المالية وأصبحت متفائلة في أمريكا.

في المرة التالية  التي رآها فيها كانت تدندن عيد الميلاد، اعتقد أنها موسيقى برامز .

في المرة التالية التي رآها فيها، كانت هي والسائق يتبادلان أطراف الحديث، وكان يرتشفان من أكواب فولاذية متطابقة تنفث بخارًا.

في المرة التالية التي رآها فيها سألته عما إذا كان بإمكانه أن يمنحها ورقة بيضاء من مفكرته وعندما أعطاها الورقة البيضاء قطعت جزءًا منها وأعادت له الباقي، بعد لحظة سألته إذا كان بإمكانها أن تستخدم قلمه، بعد ذلك رآها تعطي السائق ورقة مطوية.

في المرة التالية التي رآها فيها بدت متوترة ومنزعجة؛ وعلى نحو ما ظلت تلمس شعرها.

في المرة التالية التي رآها كانت حاملاً ولكن ليس كثيرًا .

في المرة التالية التي رآها فيها كانت تقول لسائق الحافلة أنه رجل طيب ومحترم، رجل لطيف للغاية، لكنه لن يتمكن من جعلها على الحالة التي اعتادت عليها.

في المرة التالية التي رآها فيها، ابتسمت للتو. ليس كثيرًا في وجهه كما هو الحال مع أي شخص آخر حيث كانت تفرك بطنها كما لو كان مصباحًا سحريًا.

في المرة التالية التي رآها فيها لم تعد حاملاً، وهو ما كان يعتقد أنه غريب إلى حد ما.

في المرة التالية التي رآها فيها، كانت تعاني من ألم واضح، وهي تميل إلى الأمام وتمسك بطنها، كما لو كانت تعاني من ألم شديد.

في المرة التالية التي رآها فيها كانت رابطة الجأش تمامًا.

في المرة التالية التي رآها فيها، قالت: "هذا أروع خبر سمعته منذ فترة طويلة. جيد  بالنسبة لك. يا لها من نعمة. تهانينا." لم تكن تنظر إليه أو تنظر إلى أي شخص آخر. في الواقع كانت عيناها مغلقتين ولم يكن لديه أي فكرة عمن كانت تخاطبه.

في المرة التالية التي رآها، كانت جالسة بالقرب من السائق وسمعها تهمس، "لأنك تقول ذلك. لا يا سيدي، لا أعتقد ذلك.

في المرة التالية التي رآها فيها، قالت لطفل يجلس في حجر أمه: أنت لست وحشًا صغيرا حقا، أليس كذلك ؟

في المرة التالية التي رآها فيها كانت منعزلة تمامًا إلى حد ما، وعندما أخبرها أنه كان قد سجل ملاحظات فى مفكرته،وعندما فتح المفكرة لكى يقرأ لها بعض الجمل، طلبت منه التزام الهدوء لأنها لا تشعر بالرغبة في التحدث وكانت أشعة الشمس تسبب لها الصداع.

فانتقل إلى مقعد في الخلف وأغمض عينيه، الأمر الذي كلف الكثير من الجهد، والذي تطلب طاقة أكثر مما ينبغي؛ بل الكثير من الطاقة لدرجة أن الجهد المبذول لإبقائهما مغلقتين جعله مستنزفًا وضعيفًا وفارغًا.الأمر الذي دفعه إلى الاعتقاد أن العلاقة برمتها يجب أن تكون أقل من الحب الحقيقي، وليس أكثر من الافتان.

وهو ما دفعه إلى التفكير في المرة الأولى التي رآها فيها، في ذلك الصباح بعد الجنازة، على الرغم من أنه على مدار حياته لم يتذكر إلى الآن من الذى وافته المنية.

في المرة الأخيرة التي رآها فيها كانت عارية على القمر، فقط صورة خيالها محددة بظل رمادي، ومع ذلك يمكن لأي شخص أن يرى أنها ساحرة، أو عرافة، أو روح شريرة في أبشع صورها، وقد اعتبر ذلك بمثابة تحذير.

***

.....................

المؤلف: بوب ثوربر/ Bob Thurber

كاتب أمريكي عجوز غير متعلم، لا يحمل أيه شهادات علمية أو درجات أكاديمية ولا تدريب رسمي، ولد بوب عام 1955، نشأ في فقرمدقع وتخرج من الثانوية معدمًا ثم ثضى سنواته الأولى في العمل في وظائف وضيعة وكان فى نفس الوقت يقرأ بنهم ويدرس حرفة القص، لقد أنجز فترة تدريب مهني طويلة، حيث كان يكتب يوميًا لمدة عشرين عامًا، قبل أن يقوم بنشر أول أعماله القصصية، ومنذ ذلك الحين لاقت أعماله  قبولًا واسعًا في معظم الدوريات والمجلات والمختارت الأدبية. له حتى الآن ست مجموعات قصصية ورواية واحدة، يميل إلى كتابة القصة القصيرة والقصيرة جدًا جدًا . حصل بوب ثوربر على العديد من الجوائز (أربعين جائزة)  منها جائزة: The Barry Hannah fiction prize وThe Margery bartlett sanger award، وظهرت نماذج من قصصه في أكثر من 60 مطبوعة من كتب المختارات الأدبية. يعيش بوب ثوربر في ولاية ماساتشوستس، حيث يواصل الكتابة يوميًا على الرغم من فقدانه نعمة البصر تقريبا .

 

في نصوص اليوم