أقلام حرة

علي علي: إلى الإسلاميين حصرا

كانت معلمة التربية الإسلامية حين كنا تلاميذ تؤكد -من ضمن ماتؤكد- على موضوع الحفاظ على حقوق الغير وعدم تجاوز حدودها، سواء أفي الصف كنا أم في الشارع أم في البيت!. وكانت تذكرنا بآيات من كتاب الله، كذلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث عليها، ابتداءً من جلوسنا على الرحلة في الصف بشكل لايضايق زميلنا، الى عدم رفع أصواتنا بشكل يزعج الآخرين، وعندما نخرج من المدرسة توصينا باحترام الطريق وعابري السبيل، وفي البيت توصينا بغض البصر عن الجار، وغير ذلك من الخصال الحميدة.

قرأت خبرا ذات يوم في إحدى الوكالات مفاده: في بريطانيا غُرمت طبيبة مبلغ 5000 جنيه استرليني، لتجاهلها إشعارا قضائيا من المحكمة، يطالبها بخفض الضوضاء الناتجة عن كلابها التي تسببت في إزعاج الجيران. وذكرني هذا الخبر بحقيقة نقلها لي أحد الأصدقاء المتغربين عن العراق -وهم كثر- ان في نيوزيلاند لايحق لك اقتناء كلب حراسة إلا بعد تقديم طلب الى مجلس بلدية المنطقة، يحوي إقرارا من جيرانك الأربعة الذين هم على يمينك وعلى شمالك وأمامك وخلفك، يضم هذا الإقرار موافقتهم على اقتنائك كلبا، كما يحق لهم وضع شروط لذلك، كتحديد اوقات نزهتها -الكلاب- في المنطقة، وشروطهم هذه تحتم عليك الالتزام بها وتطبيقها بحذافيرها، وعند إقرارك بالتزامك بكل هذا الشروط مجتمعة، يمنحونك إجازة اقتناء كلب.

واللافت بالأمر أن هذا السياق متبع مع كل شرائح المجتمع -نيوزيلاند طبعا- حتى لو كنت في منصب عال في الحكومة، بل ويتوجب عليك اذا كنت كذلك قبل الجميع ان تلتزم بتطبيق القانون. وهذا الأمر تندرج تحته ايضا أصوات المذياع والتلفاز، فيجب ان لايتعدى حدود سياج بيتك وإلا فالشرطة بالمرصاد. كذلك الحال بالنسبة الى منبه المركبة والعجلات البخارية والهوائية. اما إشارة المرور فيمتثل لأمرها المواطن والمسؤول على حد سواء.

أذكر كذلك قصة رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، حين أركن مركبته في مكان ممنوع وغاب عنها برهة، وحين عاد وجد شرطي مرور يحرر له وصل غرامة، عندها ظن تشرشل ان رجل المرور لم يعرف انه رئيس وزراء بريطانيا العظمى، فتقبل منه الغرامة برحابة صدر، لكنه فوجئ حين وجد ان مبلغها هو (عشرون باونا)، فبادر قائلا لرجل المرور: أليست الغرامة محددة بـ (عشرة باونات) أجابه: ان مبلغ العشرة باونات للمواطن البريطاني العادي، أما العشرين فهي بحقك أنت بالذات لأنك رئيس وزراء، وكان الأولى بك تطبيق القانون قبل الكل. وكان رد فعل ونستون أن حضنه وقال مقولته الشهيرة: "إذن، بريطانيا بخير".

هذا كله -وغيره لو أردت الحديث عنه لطال بنا الوقت ونفدت الأوراق وجفت الأقلام- يحدث في دول فيها نسبة الإسلام قليلة جدا جدا. هنا في عراقنا الذي يحتضن مراقد الاولياء والاوصياء من أبناء رسول الله (ص) وتبلغ نسبة الإسلام فيه عالية جدا جدا، وأحاديث آل البيت (ع) المأثورة نسمعها ونقرأها أنى نذهب، فما أروع ان نرى في كل ساحة او جزرة وسطية لافتة أو (فلكس) فيه من توجيهاتهم ونصائحهم وعظاتهم الكثير، ولكن، الأروع من هذا ان نطبق ماقالوه في حياتنا مع جارنا وصديقنا وزميلنا، ونعمل به فهو أولا وآخرا عمل خير في الدنيا، وحسنة تنفعنا في الآخرة.

أما الأكثر روعة من كل هذا هو ان يطبق ذلك مسؤولونا الكبار قبل المواطن (المسكين) لعلنا نقول يوما: "إذن، العراق بخير" ورحم الله تشرشل ورحم الله من قال:

لاتنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

***

علي علي

في المثقف اليوم