تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

الطيب النقر: التعدي على المال العام

لعل الحقيقة التي لا يماري فيها أحد، أن للمال مكانة عظيمة في الإسلام، فبه قوام الحياة، حيث تكسب به الأقوات، وتتوفر سبل المعيشة عن طريق جمعه وتحصيله، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن حيازة الأموال تقتضي ضرورة الحفاظ عليها حتى تتحقق الاستفادة منها، والانتفاع بها، «فكان الحِجْر على السفيه، ومنعه من التصرفات الماليّة لمصلحة المحجور عليه لحفظ ماله»، فقد نّبه على ذلك الذكر الحكيم تنبيهاً لطيفاً فقال تعالى: «لاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً» (النساء: 5)، وزيادة على ذلك، فإنّ الشريعة قد حرّمت التعدى على أموال الآخرين، وأخذها قهراً وعسفاً، فقال تعالى: «وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة: 188). فهذا التحريم لأكل أموال الناس بالباطل قصد به حماية المال وحفظه، بل أنّ الشريعة قد بلغت الغاية في حفظ المال،حيث سنّت لمن وقع اعتداء على ماله أن يدفع هذا الضرر عن ماله، ولو بمقاتلة المعتدي، وإن أدى ذلك إلى القتل «وما رواه البيهقي عن أبي هريرة أنه قال: «جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال «فلا تعطه مالك». قال: أرايت إن قاتلني؟ قال: «قاتله». قال: أرايت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد». قال: أرايت إن قتلته؟قال: هو في النار».

ولكن الشريعة لم تقف عند تحريم أكل الأموال بالباطل، وتوعد الفاعل لذلك بالعذاب الأليم يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، بل قد احتاطت في حفظ مقصد المال، حيث سدّت ذريعة الاعتداء عليه، فشرعت عقوبة زاجرة عن الاقتراب من أموال الآخرين، وأخذها ظلماً وعدواناً، ولقد حدد الشارع عقوبة السرقة بقوله تعالى: «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (المائدة: 38)، فهذه العقوبة الشرعية لم ترد في الشريعة إلا في السرقة وحد الحرابة، حيث أنّ أغلب العقوبات الشرعية تكون بالجلد أو القصاص». وحين يقرر الإسلام هذه العقوبة «فإنه لا ينظر إلى عدوان فرد على مال فرد آخر، وإنما ينظر إلى موقع الجريمة من الحضارة والعمران، وسوء أثر هذه الجريمة إن استمرت وتيرتها بأن أصبحت الأموال مهددة بل وتجر الويلات على أصحابها في كثير من الحالات، وذلك بأن يصبحوا عرضة للانتقام من الحكام وأصحاب النفوذ والعصابات الإجرامية، التي أصبحت من مظاهر هذا العصر. الذي ارتبطت فيه جرائم الاعتداء على الأموال بوجود مجتمعات تسودها أساليب وقيم حضارية من النواحى الاقتصادية، وتزايدت هذه الجرائم واستفحلت مع تطور هذه المجتمعات، حتى بلغت ذروتها في أكثر المجتمعات الرأسمالية تعقداً وتحضراً. ومن استعراض ما تقدم نتبين الحكمة من الموقف الصارم الذي اتخذته الشريعة الإسلامية في محاربة جريمة السرقة والقضاء عليها لأن هذه الجريمة إن انتشرت في المجتمع فإنها تنتج ما يشبه آثار مرض السرطان في جسم الإنسان، فكما أن مرض السرطان يتطلب العلاج الحاسم ولو عن طريق بتر الجزء المصاب من الجسم في سبيل إنقاذ الباقي وبالمقابل فإن جريمة السرقة تتطلب العلاج الحاسم ولو بقطع يد السارق في سبيل حماية المجتمع بأسره، فمتى نرى من أقدموا على نهب مال السودان في سوح المحاكم وتحت سيوف القصاصين؟ متى يهرع الحزب الصمد لوأد هذه الظاهرة التي باتت لا تسترعي الدهشة بين أوساط هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد؟.

***

د. الطيب النقر

 

في المثقف اليوم