أقلام حرة

مصطفى كامل الكاظمي: عز الدين سليم شهيد الحقيقة وفقيد القيم الوطنية

وتجلّت ذكرى سنويته الحزينة

طموحه كان حكومة الانسان لخلاص الشعب من الضيم والعدوان..

طيلة عقدين ونيف من السنين التي عايشنا فيها استاذنا المفكر الشهيد عز الدين سليم (عبد الزهراء عثمان).. وجدناه ملاكاً يتحرك على الارض، على نقيض الكثير من الساسة (الدينيين) الذين عرفناهم وعرفهم أهل التقى.

لا أهتك سرّاً إن قلت انه شخصية استثنائية من رجال الفكر والأصالة. احببنا هذا العملاق الخالد لإعتداله وتوازنه ورعايته للجميع، وبفكره الاصيل والمتحضر متسقاً في جنباته مع العراق الوطن. مما أجبر خصومه على احترام وتقدير مشروعه رحمه الله تعالى.

الأقسى علينا ليست شهادته رغم صورتها المؤلمة حقاً، انما الأقسى هو محاولات عدم تفعيل مشروعه الوطني في ارساء القيم والنهوض بالواقع العراقي بحسب ما كنا نجاهد من أجله لإسعاد العراقي ودحر الظلم وتحقيق بحبوحة العيش الكريم لهذا الشعب المهتضم. اذ كنا نتوقع استقامة من سيخلفه (رض) في الحكم..!

لقد حفلت حياة شهيدنا الخالد منذ بدوها جهاداً ونبضاً يهتف للقيم ويدافع عن المبادئ التي آمن بها ومشروع التغيير الذي تلقاه من استاذه المفكر الكبير اية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر. ظل يحملها مشعلاً طوال مسيرته الجهادية ضد نهج فاشستية حزب عفلق والزبانية المجرمين، يمارس نشاطه الديني والتوعوي والسياسي. لم توقفه حملة إعدام اخوته وذوي حُزانته ورفاقه الشهداء الذين اعدمهم نظام الطاغية صدام.

وفي المهجر..

حين اشتدت وقتئذٍ عليه وعلى رفاقه المحنة، وضاقت بهم الظروف للهجرة الى الجمهورية الاسلامية. انطلق من هناك يرفع معنويات العراقيين في مدن ايران ومخيمات الهجرة واللجوء. عشقته الساحة لتواضعه الشديد وإباء نفسه المتفانية تجاه مرتكزاته ومبادئه وحبه للعراق.

عز الدين سليم، سليم القلب اذ كان حقاً عزّاً للدين.. سار على منهج الصالحين الذين قدموا ما يملكون في سبيل معتقدهم .. يتنقل بين مدن الهجرة في ايران يبّلغ الدين، وينظّر ويخطب وأطلق العنان لقلمه تدوين أفكاره في عشرات المؤلفات وموسوعات البحث العقدية والفكرية والسياسية بعيداً عن المطامع الدنيوية.

وبعد سقوط هبل..

ما إن سقط نظام الديكتاتورية في بغداد، سارع الحاج ابو ياسين الحجاج الى ربى العراق دون حرس أو حماة.. لم تك قناعته ترحب بالوجود الامريكي على ارض المقدسات اذ كان يراه إحتلالاً ولم يك امامه غير القبول مجبوراً بحكم الظرف آنئذٍ برئاسة الحكم المحلي لإستثمار الفرصة والنهوض بمشروعه الرسالي الذي كان يؤسس له استاذه المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلا ان الموت اختطفه ولم يمهله شهراً، وكأنّ يد الغيب ارادت أن تنقذه من مهاوي ما حصل فينا بعد.!

سلام عليك ايها الشهيد الطيب، وسلام على عمقك النقي وروحك التي اصطفاها الله الى ملكوته قبل ان تكدّرها وعود المحتل، فحق لنا وعلينا الافتخار بك مقارعاً للطغيان. وسنبقى نذكرك عنواناً للشرفاء المضحين وسيبقى صوتك مستمراً في نفوسنا رغم فجيعة الذكرى السنوية الحزينة التي تزيدناً ألماً حينما نقرأ افكارك المدونة وعندما نستعرض بعض آفاق مسيرتك الرسالية، ونزداد حزناً على فراقك الذي هو بحق خسارة كبيرة لأهل الدين وللشعب المظلوم.

 كم نحتاج اليوم ابا ياسين الثائر و المعلم المربي..

كم يحتاجك العراق ايها القائد الشجاع..

ذكرى مايس/2004 الفجيعة، وذاك اليوم الكارثي افجع قلوب المخلصين الذين فقدوا ثلة مؤمنة معك اذ لا انسى الصديق والزميل الشهيد أبا محمد (طالب قاسم العامري) رحمهم الله تعالى.

ذكرى الكبير (عز الدين سليم) تستوجب استيفاء بعض حقٍ على مؤسسات الدولة لإحياء فكره وعطائه في اقامة معرض لمؤلفاته على اقل تقدير واقامة ندوات فكرية وثقافية للتعريف اكثر بهذه الشخصية الفذة.

عطائه لم نجده الا في النوادر، وفي مفاخر العراق سواء على صعيد الفكر او صعيد العقيدة ومصنفات الحكم من منظور اسلامي، وكذا في ميدان البحث في السيرة النبوية وسيرة الائمة الاطهار او على صعيد البحث الاجتماعي بالعمق الاستدلالي الرصين.

ومن هنا يمكن القول:

أن لو بقي فينا ابو ياسين وكذلك افذاذ اكارم كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله تعالى لكان عراق اليوم بوضع غير ما عليه عراق الان.

عز الدين سليم:

هو عبد الزهراء عثمان محمد الحجاج وكنيته (ابو ياسين) ولد في البصرة عام 1943، انهى مرحلة دار المعلمين عام 1964. تعرض للاغتيال مرات من قبل نظام البعث العراقي ثم سجن من عام 1974 إلى عام 1978.

ونذكر ممارسته لوظيفته في التعليم ومعها، لم يترك دراسته عند العلماء وله مؤلفات ثرّة إبتدأها بباكورة كتبه (الزهراء فاطمة بنت محمد) عام 1969. تلاه عشرات الكتب في السيرة والتاريخ والسياسة والثقافة والاصول والعقيدة. وله مجموعة كبيرة من الابحاث والدراسات في المجلات الاجتماعية والتربوية، غير نشاطه الاعلامي في النشر والصحافة منذ مطلع الستينيات في العراق وفي الكويت ولبنان.

 وعندما تشكل المجلس الاعلى في ايران اسس الشهيد صحيفة الشهادة عام ١٩٨٣.

كما انشأ المركز الاسلامي للدراسات

 عام 1961 شرع المفكر عز الدين سليم ضمن تنظيم حزب الدعوة حتى تسنم عضوية لجنة الاشراف على التنظيم في البصرة وما حولها عام 1973 قبل أن يعتقل في البصرة.

 اختتمت حياته بعد ان ترشح عضواً بارزاً في مجلس الحكم الانتقالي وكان له الباع بصياغة قانون إدارة الدولة الانتقالي. وعين كرئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي إلى يوم اغتياله في 17 مايس 2004 بحادث تفجير سيارة مفخخة وقتت مع مرور موكبه في حي الحارثية قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء.

 وارتقت روحه الطاهرة الى الفردوس الاعلى شهيداً فعليه منا السلام أبدا.

***

مصطفى كامل الكاظمي

 

في المثقف اليوم