كتب واصدارات

العراقيون في كتاب - الادب الروسي في العالم العربي (2)

استمرارا للحلقة الاولى من سلسلة المقالات هذه والتي توقفنا فيها عند السياب والبياتي وجميل نصيف وجليل كمال الدين وعبد الملك نوري، نتوقف فيما يأتي عند اسماء الادباء والباحثين والمترجمين العراقيين الآخرين في كتاب – الادب الروسي في العالم العربي لمؤلفته الاستاذه الدكتورة الميرا علي زاده، والذي اصدره معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية عام 2014 كما أشرنا في الحلقة الاولى.

الاسم الاول الذي نود التوقف عنده في هذه الحلقة هو غائب طعمه فرمان . جاء ذكر هذا الاسم الكبيرفي عالم الثقافة العربية مرة في (ص.270) باعتباره مترجما لمسرحية غوغول (المفتش العام) الصادرة في موسكو عام 1987، ثم في (ص.346) باعتباره مساهما اساسيا بترجمة نتاجات تورغينيف بخمسة أجزاء والصادرة عن دار نشر (رادوغا) (قوس قزح) السوفيتية، وهذا كل ما جاء حول الاديب والمترجم الكبير غائب طعمه فرمان في هذا الكتاب ليس الا .

من المعروف ان غائب طعمه فرمان قد ترجم أكثر من (80) كتابا من الادب الروسي بشكل عام، ولا مجال هنا بالطبع للحديث التفصيلي عن تلك الكتب التي ترجمها غائب لكل من الادباء الروس الكبار مثل بوشكين وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وغوركي ...الخ، وانه واقعيا قد كرٌس الثلاثين سنة الاخيرة من حياته في موسكو للترجمة، (ولد غائب في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو عام 1990 وتم دفنه هناك)، ويعد غائب طعمه فرمان واحدا من أبرز واشهر المترجمين العراقيين في مجال الادب الروسي في القرن العشرين، بل اني اقترحت في الذكرى العشرين لوفاته عام 2010 بموسكو - وباسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية - اقامة تمثال نصفي له في موسكو وتأسيس جائزة تسمى - (جائزة غائب طعمه فرمان للترجمة عن الروسية) تمنح للمترجمين العراقيين سنويا (انظر مقالة عبد الله حبه بعنوان – موسكو تحيي الذكرى العشرين لرحيل الكاتب المبدع غائب طعمه فرمان)، ولم ينعكس دور غائب واهميته الكبرى بل والاستثنائية فعلا في نشر الادب الروسي في العراق والعالم العربي – مع الاسف الشديد – على صفحات هذا الكتاب، ولا استطيع ان أجد تبريرا منطقيا لذلك ابدا، اذ ان الكتب العربية التي ترجمها حول الادب الروسي موجودة لحد الآن في موسكو وفي كل المكتبات المركزية في روسيا، اضافة الى ان بعض تلك الكتب قد اعيد نشرها في العالم العربي في ايامنا هذه (وهذا دليل آخرلا يقبل الشك على اهميتها وقيمتها)، وليس مهما ابدا انها صدرت في موسكو وليس في العالم العربي في حينه، اذ انها صدرت للقارئ العربي حصرا وساهمت فعلا بنشر الادب الروسي في العالم العربي والتعريف به .

الاسم الثاني الذي نريد التوقف عنده هنا هو خيري الضامن، المترجم العراقي الكبير والذي قدم (ولا يزال يقدم) الكثير من الترجمات العربية الراقية وذات المستوى الفني الرائع من الادب الروسي (انظر مقالتنا بعنوان خيري الضامن ودستويفسكي وتورغينيف) . لقد جاء اسم هذا المترجم المتميٌز مرة واحدة فقط (ص .346) في هذا الكتاب باعتباره مترجما مساهما بترجمة نتاجات تورغينيف بخمسة أجزاء، التي صدرت في موسكو، وذلك بترجمته لروايتي (في العشية) و(الآباء والبنون). ان خيري الضامن هو واحد من كبار المترجمين العراقيين في مجال الادب الروسي في السنوات الخمسين الاخيرة تقريبا، منذ اواسط الستينات من القرن العشرين الى حد الان، ولا يمكن اختزال مسيرته الثقافية الطويلة في هذا المجال بهذه الكلمات المختصرة والوجيزة فقط .

الاسم الثالث الذي نريد التوقف عنده هنا هو الكاتب العراقي محمود احمد السيد (1903-1937) . لقد تناولته مؤلفة هذا الكتاب بشكل تفصيلي واطلقت عليه تسمية (واضع اسس النثر الفني العراقي) باعتباره مؤلف قصة (جلال خالد)1928 ، وتوقفت عند دوره بالنسبة للادب الروسي في العراق باعتباره قد ترجم بعض نتاجات الادباء الروس من اللغة التركية الى العربية، واستندت في استنتاجاتها هذه الى ما جاء به الدكتور عبد الآله أحمد في كتابه (نشأة القصة وتطورها في العراق) والصادر في بغداد عام 1969، والى كتاب سامي الكيالي (الادب العربي المعاصر في سوريا) الصادر في القاهرة عام 1959، والى ما ذكره الباحث الروسي تشوكوف في كتابه (تاريخ الادب العربي في المملكة العراقية والجمهورية العراقية) الصادر في موسكو عام 2006 . لقد اشارت المؤلفة الى ان محمود احمد السيد نشر خلاصة وجيزة لرواية تولستوي (البعث) عام 1925، ثم ترجم فصلين من تلك الرواية عام 1926 ونشرها في جريدة (المعرض) البغدادية، ثم نشرتلك الخلاصة عام 1927 في المجلة الاسبوعية المصرية (الساعة) التي كان الكاتب المصري المعروف محمد حسين هيكل رئيسا لتحريرها، وتشير ايضا الى ان محمود احمد السيد نشر مقالتين عن تولستوي . لم تتحدث المؤلفة عن طبيعة وسمات تلك الاعمال التي قدمها محمود احمد السيد ولا المستوى الفني لتلك الخلاصة لرواية البعث، ولا يوجد هناك اي تحليل لتلك الاعمال ولكن هذا لا يقلل ابدا من اهمية تسجيل هذه الوقائع التاريخية والمهمة جدا في هذا الكتاب. يؤسفني القول انني شخصيا لم اطلع على هذه النتاجات المهمة لمحمود احمد السيد في مجال الادب الروسي ، والتي - كما اظن - لا يعرفها في الوقت الحاضر القراء في العراق او العالم العربي عموما، وادعو هنا المهتمين بذلك الى البحث عنها واعادة نشرها ليتسنى لنا تحليلها ودراستها وتحديد موقف موضوعي تجاهها لانها جزء من تاريخ الفكر العراقي الحديث المرتبط بموضوعة الادب الروسي في العراق . لقد حاولت انا العودة الى قصته الطويلة - (جلال خالد) ووجدت فيها مقطعا يخص الادب الروسي ، واود ان اقدٌمه هنا اسهاما في هذا الموضوع –

(..وأتى على ذكر تولستوي فوصف قصصه واحدة واحدة، وأتبعه بتورغينيف، فتحدث طويلا عن قصته (الارض العذراء) وقصصه الاخرى، وبحث في الاقصوصة فذكر أعلامها ورجالها ومنهم انطون شيخوف الروسي، وذكر ماكسيم غوركي كاتب العمال، ومقالاته التصويرية البارعة، التي هزأ فيها بقيصر المانيه، وهتك فرنسة لانها أقرضت روسية الملايين من الفرنكات سنة 1905 فاعانتها على تجنيد الجنود واطفاء نار الثورة بهم، فتأخرت النهضة الروسية الى الحرب الكبرى. ولم يفته ان يذكر من أعاظم الادباء الرفيق لينين).

ان هذا المقطع مهم بلا شك، اذ انه ظهر في عام 1928 في العراق ويمتلك قيمته التاريخية والفكرية آنذاك، رغم انه – مع ذلك – يعني ما يعني حول الادب الروسي اجمالا. ان ما جاء في هذا الكتاب بشكل عام حول محمود احمد السيد هو موقف ايجابي وموضوعي وشامل ودقيق للمؤلفة بلا شك، ومن الواضح تماما الجهد الكبير الذي بذلته الميرا علي زاده للوصول الى رسم هذه الصورة المشرقة والمتكاملة للاديب العراقي محمود احمد السيد، واود ان احييها على ذلك .

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم