كتب واصدارات

وطن بلا تأشيرة.. يهود مازن لطيف

naeem mohalhalلم اعرف احدا أعتنى بالأقليات العراقية هذه الايام مثلما يفعله الناشر والكتاب (مازن لطيف) صاحب دار النشر (ميزوبوتاميا). وربما ذلك الاحساس الذي يسكن فلب مازن هو ذلك الاحساس الطيب والنقي والوطني للذاكرة العراقية في انتمائها الى اللحظة التي صنعت ذلك الخليط العجيب من الاعراق والمذاهب والديانات والطوائف والقوميات في مكان واحد منذ ايام سومر والى اليوم فكانت سومر وبابل ويهود الصبي وصابئة البطائح ومسيحي الحيرة ومسلمي الفتح العربي وتركمان دولتي الخروف الابيض والاسود وفرس دولة نادر شاه وازابكة واذري وطاجيك دولة المغول والكرد في انسابهم وتعدد طوائفهم وما ابقته ثورة الزنج في سواد البصرة .

هذه الفسيفساء المنقوشة على آنية الخزف التي اسمها العراق ظلت منذ ازل الكتابة واساطير الواح الطين تمثل شيئا من فرادة المكان وخصوصيته . وبهذه الخصوصية وارثها وتراثها اعتنى (مازن لطيف) فكانت اصدارات داره تحمل عناوين شتى للمكان واصوله واعراقه ومنه التراث اليهودي في العراق ثقافة ورموزا وامكنة.

اخترق مازن لطيف التابوه الهش الذي ظل يتحامل على التراث اليهودي الذي كانت له بصمة مميزة في تحفيز وتطوير الحضارة العراقية مطلع القرن العشرين في السياسة والاقتصاد والطب والادب والتعليم ، وما نشره مازن في هذا الجانب ابقى لدينا شيئا من الاعتزاز بالتنوع الثقافي والعرقي والحضاري في الذاكرة العراقية .واعتقد أن عملا تنويرا كهذا يستحق الاشادة عندما تعلم الاجيال الجديدة مثلا أن النهضة الموسيقية العراقية الحديثة التي تسيل عذوبة في حنجرة سليمة مراد ومنيرة الهوزوز وسلطانة يوسف هي من صنع الملحن اليهودي صالح الكويتي وأخيه داود الكويتي . وان الرواية العراقية في بواكيرها ابدع فيها الكتاب اليهود ، وان اول وزير مالية في الدولة العراقية هو اليهودي ساسون حسقيل . وان اغلب معلمو المدارس العراقية في جنوب العراق ووسطه وشماله كانوا من أبناء الطائفة اليهودية .

أعتقد أن اليهود الذين يعتني بهم وبتراثهم مازن لطيف هم مواطنين عراقيين صالحين ممتلئين وطنية وحبا وأنتماءً من اجل بلاد الرافدين وأن القسر الذي مارسوه عليهم في التهجير خلال العهد الملكي كانت له ظروفه التاريخية والسياسية التي كانت مجحفة بحق الكثير منهم من الذين كانوا يؤمنون انهم ولدوا على ضفاف انهر ميزوبوتاميا ويجب ان يموتوا على ذات الضفاف.

 

نعيم عبد مهلهل

 

في المثقف اليوم