آراء

كريم المظفر الفيتو الروسي والنوايا الامريكية

استخدام روسيا في مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو)، ضد مشروع قرار الولايات المتحدة واليابان،  حول عدم نشر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء،، وامتناع الصين عن التصويت، وصوتت 13 دولة لصالح المشروع، خطوة لها مبرراتها ، وليس كما جاء في ردود الأفعال الغربية على هذه الخطوة الروسية، فقد رفضت هذه الدول التعديلات التي طلبتها الصين و تجاهل التعديلات المقترحة من روسيا.

وكما هو معروف فان مشروع القرار لمجلس الأمن الدولي، أعدته واشنطن وطوكيو، يدعو الدول إلى عدم تطوير أسلحة نووية أو غيرها من أنواع أسلحة الدمار الشامل، المعدة لوضعها في مدار حول الأرض أو في الفضاء بأي طريقة،  في حين اقترحت روسيا والصين تعديلا يدعو جميع الدول إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي بشكل دائم والتهديدات باستخدام القوة في الفضاء، ومن الفضاء نحو الأرض، ومن الأرض نحو الأجسام الموجودة في الفضاء"، ولكن لم يتم قبوله.

أن التعديلات الأساسية التي اقترحتها روسيا تم تجاهلها، رغم انها قد نصت على تضمين النص، أحكاما بشأن ضرورة اتخاذ تدابير للحفاظ على الفضاء الخارجي خاليا من كل أنواع الأسلحة (وليس فقط أسلحة الدمار الشامل)، وضمان عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة ضد الأجسام الفضائية، واستخدامها في الفضاء أو منه أو كل ما يتعلق به، وأهمية الإسراع بوضع صك دولي مناسب ملزم قانونا.

كما  ان روسيا عارضت مشروع القرار، بسبب محاولة الولايات المتحدة إنشاء التزامات قانونية دولية جديدة  (من خلال استخدام مجلس الأمن الدولي)، في مجال أمن الفضاء تتجاوز إطار المعاهدات والاتفاقات القائمة، (وفي المقام الأول معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967)، ومتجاوزة منصات "نزع السلاح" المتخصصة ودون دراسة مناسبة من قبل الخبراء، وأن تبني القرار بحسب الخارجية الروسية، من شأنه أيضا أن يمنح الولايات المتحدة "أيدي طليقة"،  لإضفاء الشرعية على أي آراء في قضايا الأمن الدولي تكون في صالحها، ومن وجهة نظر موسكو فإن "المهمة الرئيسية في مجال ضمان أمن الفضاء تظل منع حدوث سباق تسلح في الفضاء، وضمان الظروف الملائمة لاستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

وروسيا باستخدامها حقها في مجلس الامن الدولي ( الفيتو )، أرادت منه التشديد على بقاءها ملتزمة بشكل صارم بالالتزامات القانونية الدولية في مجال قانون الفضاء، بما في ذلك معاهدة الفضاء الخارجي، وهي مستعدة دائما للاتفاق الفوري وإبرام اتفاق دولي شامل "ملزم قانونا"، لمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي، وبالتالي لا ينبغي تحويل انتباه المجتمع الدولي عن التهديدات الحقيقية في الفضاء التي خلقتها الولايات المتحدة بدعم من أقمارها الصناعية.

كما أن الغرض من مشروع قرار الولايات المتحدة واليابان،  هو تسييس القضية، لدعم اتهامات الولايات المتحدة التي لا أساس لها ضد روسيا، ومحاولة وضعها وكما عبر عنه المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا ، " في موقف غير مريح"،  لأن الولايات المتحدة تريد تتجنب أي التزامات من شأنها أن تمنعها من القيام بما تفعله الآن، وهو تطوير أنظمة الأسلحة التي يمكن نشرها في الفضاء الخارجي، على الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح علنا بأن روسيا لا تنوي نشر أسلحة نووية في الفضاء.

وكبادرة حسن نية فإن روسيا أعربت عن استعدادها  لإجراء حوار متكافئ  مع جميع الدول للحفاظ على الفضاء خاليا من أي نوع من الأسلحة، كشرط من شروط ضمان السلام والأمن الدوليين، ولكن ليست كل الدول مستعدة لإجراء محادثة مسؤولة في هذه القضية، لذلك لفتت  المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الانتباه إلى تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الفضاء جون بلوم، بأن مشروع المعاهدة الروسية الصينية بشأن منع نشر الأسلحة في الفضاء، أو استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة ضد الأهداف الفضائية "ليس أكثر من مجرد "حيلة سياسية"، زاعما أنه لا يمكن التحقق من تنفيذها".

بالتأكيد ان الولايات المتحدة تحاول تضليل الجميع بنواياها تجاه هذه القضية المهمة والحساسة، وتسعى الى، تحميل روسيا مسئولية عدم الاتفاق على مثل هكذا قرار، وقد ادعى مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، في بيان له نشره البيت الأبيض،  أن روسيا تعمل على تطوير أسلحة فضائية قادرة على حمل شحنة نووية، وان استخدام روسيا حق " النقض "  في مجلس الأمن الدولي، على مشروع القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة واليابان حول عدم نشر الأسلحة النووية في الفضاء ، ان الولايات المتحدة تعتبر أن روسيا تعمل على تطوير قمر صناعي قادر على "حمل شحنة نووية"، دون ان يقدم الجانب الأمريكي أي ادلة على وجود مثل هكذا مشاريع لدى روسيا  .

وليس غريبا أن تقوم الدول الغربية بترويج ادعاءات عن وجود خطط روسيا "خبيثة" تتعلق بالفضاء، لتبرير تطويرها لمنظومات تسلح فضائية، وترى ان هناك ادعاءات يجري نشرها في وسائل الاعلام، عن ثمة خطط روسية تتعلق بالفضاء، وفي الواقع ينظر الغربيون للفضاء الخارجي باعتباره المجال الأهم للحرب، وعلى هذه الخلفية تطوَّر برامج طموحة تهدف لإنتاج أنظمة تسليح لاستخدام القوة ، او التهديد باستخدام القوة في الفضاء الخارجي.

ان الضجة التي تصاعدت مؤخرا في الغرب، بما في ذلك في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بنشر الأسلحة النووية في الفضاء، لا تتناسب وموقف روسيا الواضح الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اكثر من مناسبة، وهو ان روسيا كانت ولاتزال دائما ضد نشر الأسلحة النووية، والآن ضد نشر الأسلحة النووية في الفضاء، لكن موسكو تؤكد  أنها  تفعل في الفضاء فقط ما تفعله الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقال بوتين في هذا الصدد  "فيما يتعلق بالفضاء، فإننا في نفعل فقط ما تفعله الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة"، مشيرا  إلى أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الدعوة في نفس الوقت إلى هزيمة روسيا الاتحادية، وإجراء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي " لأنهم كقاعدة عامة يريدون تحقيق مزايا أحادية،  وهذا لن يحدث".

التصريحات الغربية هنا وهناك لا تجتزأ من السياسة الخارجية الأمريكية، ولهذا فإن تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الفضاء، جون بلام، الذي اتهم روسيا بأنها تخطط لنشر أسلحة نووية مضادة للأقمار في الفضاء، واعتباره تصريحات روسيا والصين بشأن عدم نشر الأسلحة في الفضاء هي مجرد "خدعة سياسية"،  وتعليقات الممثلين الأمريكيين، بشأن منع سباق التسلح في الفضاء، وكذلك نشاطهم الحالي حول شؤون الفضاء في مجلس الأمن، هي جزء من سياسة واشنطن الرامية إلى تقويض الجهود المتعددة الأطراف، للحفاظ على السلام الدولي وتعزيزه.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم