قراءات نقدية

محسن الورداشي: قراءة في المجموعة القصصية "القرية المهجورة"

تعد القرية المهجورة مجموعة قصصية للقاص المغربي محمد الورداشي، صدرت عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع-مصر سنة 2020، وتقع المجموعة في مئة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط، وجاءت مقسمة على عشر قصص، في مقدمتها القصة المعنونة ب" دموع السماء"، وفي خاتمتها القصة المعنونة ب"نحو ثورة جديدة" .

قراءة في العنوان:

يتكون العنوان من لفظتين هما القرية المهجورة، تشكلان، من الناحية التركيبية، مركبا وصفيا يضم موصوفا وصفة، أما دلاليا، فإن اللفظتين مؤشرتان على بنية دلالية كبرى تساعد القارئ على فهم دلالات المجموعة، إذ كلمة "القرية" دلالة على مكان جغرافي، وإن شئنا قلنا مكان الإنسان البدوي المعزول عن العالم الحضري، والذي له تقاليده وعاداته ونمط عيشه. أما الصفة "المهجورة"، فإنها لفظة تحيل على الترك والعزلة، لأن الهجرة أضحت السبيل الوحيد للبحث عن سبل عيش كريم، وتحقيق أهداف اجتماعية وثقافية، ورغبة في النجاة من الفقر والعوز، والسعي الحثيث إلى التحرر من ربقة التقاليد والأعراف البائدة التي تعيق حركة الإنسان البدوي في عالم ينزع نحو أساليب الحضارة وأنماط العيش الجديدة التي تفرضها، فضلا عن قيمها التي اكتسحت العالم المتمدن.

موضوعات المجموعة:

تضم المجموعة جملة موضوعات تزخر بها حياة الإنسان وجدليته مع واقعه المعيش، مثل: الفقر، البطالة، الحرمان، الجوع، الموت، الحنين، الجهل، المرض، الحب، الأحلام..إلخ، وكلها تصور لنا وقائع الذات الإنسانية الجريحة؛ إما بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية (البطالة، الفقر، الحرمان، الجوع...)، أو بسبب الحنين إلى قيم وذكريات ماضية، أو التشوف نحو مستقبل مغاير لماضي وحاضر الذات الإنسانية (الحب، الأحلام...).

الشخوص:

تعد الشخوص عنصرا بنائيا ضروريا لكل بناء سردي للأثر الأدبي؛ ذلك أنها حجر الأساس الذي ينجز الأحداث والأفعال داخل عالم الحكي، كما أن هذه الأحداث والأفعال تتبلور من خلال عنصر الشخوص. هكذا، نجد أن الشخوص، في المجموعة قيد القراءة، نوعان: شخوص ثانوية ليست لها أهمية كبيرة في تحريك أحداث القصص، وفي المقابل ثمة شخوص رئيسية تلائم زمان ومكان تبلور فعل الحكي، وتشغل دورا أساسا في بناء الأحداث. من هذه الشخوص: الشيخ عبد القادر المصون، المقدم، عمر، محمد..إلخ، ومن ثم تتضح لنا دقة الكاتب في اختيار شخوصه استجابة لأحداث القصة والقيم التي تنتجها أو تعيد إنتاجها بغية ترسيخها تارة، وتفكيكها ونقدها تارة أخرى.

مسار الأحداث:

يجري مسار الأحداث بشكل مستقيم من البداية إلى النهاية، وفق رغبة السارد في سرد الأحداث. وبهذا يبدو مسار الحكي في المجموعة خطا تصاعديا؛ إذ إن كل بداية تقود القارئ تجاه العقدة-المشكلة التي بدورها تحمل بذور النهاية.

الزمن في المجموعة:

وظف الكاتب أزمنة عدة في مجموعته، بحيث تخضع لصيرورة بناء الحدث في القصة، ونجد هنا جدلية الأزمنة من قبيل: الزمن الفيزيائي (الصباح المساء الصيف الخريف الفجر...)، والزمن التاريخي (التضحية بالنفس الفشل الثورة...)، ثم الزمن النفسي (الخوف، الانتظار، الشوق، الحيرة، الألم، الحزن، الخيبة...)، إذ إن هذا الزمن النفسي هو المهيمن في المجموعة؛ فالأحداث التي تقع فيه تصور الحالة النفسية لأهل القرية المهجورة التي تبعث الشفقة في نفسية القارئ، وتحمله على التعاطف مع شخوصها وما تعانيه من مصائر متشابكة ومعقدة .

الفضاء:

تحتوي المجموعة على العديد من الأمكنة، فهي تتعدد بتعدد أفعال الشخصيات، ما يجعل هذه الأمكنة تشكل فضاءين مختلفين في الأبعاد والدلالة. فالفضاء الأول هو القرية، ويضم (الأطلال، الودي، الجبل، الحقول، بساطة العيش، التعايش). وأما الفضاء الثاني فهو المدينة التي تحتوي على (البنايات، الشوارع، الحدائق…). فمن خلال هذين الفضاءين المتقابلين، استطاع الكاتب أن ينقل للقارئ تلك الاختلافات البنيوية والاجتماعية والقيمية بين القرية والمدينة. الشيء الذي جعل المدينة حاضنة لبعض القيم والسلوكات من قبيل: انحلال القيم الإنسانية وفقدها لجدواها باعتبارها وسيلة لخلق التماسك الاجتماعي والإنساني، وتوحيد سلوك الأفراد وتوجيهه نحو قيم وأهداف مشتركة، والهوة بين الفقراء والأغنياء، كما نجد، في المقابل، الوعي الشقي الثائر على العادات والتقاليد والمعتقدات البالية (ثورة عمر على العادات الظالمة).

الحوار:

إن المجموعة تضم نوعين من الحوار: حوار داخلي نفسي، الذي يدور بين الشخصية ونفسها مثل قصة "الثائر عمر"(هنا سأبني قصرا...)، وحوار خارجي يتم بين الشخصيات. فهذان النوعان من الحوار يضيئان الحالة النفسية والاجتماعية للشخوص، علاوة على الصراع ذي التجليات المتعددة الذي يحرك العلاقات بين الشخوص في حركة جدلية مستمرة من بداية المجموعة القصصية حتى نهايتها.

الوصف:

نجد أن الكاتب قد وظف الوصف بشكل ملحوظ في مجموعته، وهذا يعرب عن كونه يعلم جيدا شخصياته، ومنها يقدم صورة متكاملة ومعرفة حول حالها الاجتماعية والنفسية، كما عمد إلى توظيف أسلوب التشويق؛ إذ جعل بواسطته القارئ يتحمس لقراءة المجموعة القصصية حتى يبلغ النهاية دون ملل أو كلل.

ختاما

لا يسعنا إلا القول إن القرية المهجورة عمل قصصي بامتياز؛ لما تضمنه من مقومات سردية قصصية مختلفة، كما أن الكاتب اعتمد في حكي قصص مجموعته لغة سردية فصيحة، باستثناء حضور خافت لبعض التعابير الدارجة المغربية، وهذا جعل الأمر يسيرا على المتلقي في فهم المضمون، كما يوضح هذا حنكة الكاتب في جذب اهتمام القارئ. فالقرية المهجورة تجعل القارئ يتصور الأحداث كأنه يعيشها من خلال سطورها.

وتظل هذه القراءة البسيطة مجرد محاولة قد لا تستوفي المجموعة حقها، كما نأمل أن نقوم بقراءة أخرى لها في قادم الأيام.

***

محسن الورداشي -  متحصل على الإجازة في اللسانيات

في المثقف اليوم