أقلام ثقافية

إيناس صادق حمودي: اثر اللغة العربية في اللغة الاسبانية

اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى. إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم, فأمة بلا لغة هي امة بلا كيان. فلا ريب أن اللغة العربية ركن أساس من أركان وحدة امتنا العربية والإسلامية, وعمود محوري من أعمدة قوتها, إنها دعامة بقاء وعنصر تفوق لهذه الأمة, ومن هنا فأن كل لبنة تضاف إلى لبنات هذه الأمة تزيد في شموخها هي قوة دافعة لروح الأمة وشعاع يضاف إلى حزمة ضيائها.

  فتاثر اللغة الاسبانية باللغة العربية يعد أحدى السمات التاريخية المكونة للثقافة واللغة الإسبانية حيث استوطنت إسبانيا من قبل العرب لمدة ناهزت الثمانية قرون وتحتوي اللغة الإسبانية على الكثير من الكلمات ذات الأصل العربي وهي تفوق 4,000 كلمة, إن انتشار اللغة العربية إلى اليوم داخل اللغة الإسبانية لدليل على عمق التأثير العربي والإسلامي الذي هو شاهد إلى يومنا هذا على حضارة أسسها المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية .يثبت الباحثون اللغويين الإسبان أن تأثر اللغة الإسبانية باللغة العربية عميق جدا, وهذا يعود إلى انتشارها الواسع في الأندلس وبعض المقاطعات الإسبانية على مدى 781 سنة من الزمن إبان الحكم العربي الذي بدأ مع دخولهم إليها سنة 711 م واستمر حتى بعد خروجهم منها سنة 1492 م ويشهد التاريخ أن المسلمين أسسوا حضارة عظيمة في شبه الجزيرة الإيبيرية تجلت في انتشار العلوم والفن والعمران كما في الزراعة والصناعة والهندسة المعمارية إبان تلك القرون التالية, مما جعل الأندلس آنذاك مزدهرة ومركز إشعاع في أروبا كلها ومحجة لكل طالبي العلم.

   كما ذكر المستشرقان انجلمان و دوزي ان الكلمات العربية الموجودة باللغة الاسبانية تعادل ربع اللغة الاسبانية. وعلى مدى ما يقرب من سبعمائة سنة (فيما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلاديين) كانت إسبانيا موطن الحضارة الإسلامية. وقد نشرت الأندلس هذه الحضارة في جميع أرجاء أوروبا ، وذلك عن طريق التجارة والجامعات والأدب ، وكان كثير من العلماء العرب في إسبانيا يقرأون اللاتينية ويكتبونها ، كما كان الأسبان المسيحيون أو (المستعربون) Mozarabs الذين يعيشون تحت الحكم العربي للأندلس يعرفون العربية.

وفي نهاية القرن الحادي عشر الميلادي بدأت أوربا في الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وتمت في هذه المرحلة ترجمة العديد من الأعمال التي كتبت أصلاً باللغة العربية جنباً إلى جنب مع الترجمات العربية للأعمال اليونانية القديمة. وقد تأسست لهذا الغرض لجنة من المترجمين في مدينة (طليطلة) Toledo الإسبانية في عام 1130 م برئاسة كبير الأساقفة (ريمون) Raymond . وكان لهذه اللجنة الفضل في نقل العلم والمعرفة اللذين توصلت إليهما الحضارة الإسلامية إلى الأمم المسيحية في أوروبا.

كما تمت ترجمة الكثير من الأعمال سواء من العربية أو اللاتينية أو اليونانية إلى لغات أخرى عديدة من بينها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية والعبرية والألمانية. وهكذا تخللت العلوم والثقافة العربيتين أوروبا الغربية عن طريق الترجمة. ومما تقدم يتضح لنا بان اللغة العربية تعتبر ذات تأثير كبير وامتداد واسع في اللغة الاسبانية.

 

م.م. ايناس صادق حمودي

جامعة بغداد/كلية اللغات/قسم اللغة الاسبانية

 

في المثقف اليوم