تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام ثقافية

مرورا بالحلاج

جدلية الموت والحياة، والخلود الإنساني التي ماتزال سرا يجري وراءه البشري حتى عبر الأساطير ورمزياتها مذ عرف أن الفناء منتهاه، هل تراه الحلاج يلخصها في قوله:

اقتلوني يا ثقاتي           إنّ في قتلي حياتي

ومماتي في حياتي       وحياتي في مماتي

أم أن الإنسان المقبل على الموت، وحين يكون محطّ جدل في حياته يسعى ليؤكد ذلك، وهو عارف أن الموت أو القتل ينتظره قاب قوسين أو أدنى، فيسعى إلى خلق حالة من الضجيج حوله بعد أن يغادر كتلك التي كانت تحيط به في حياته، ورمته إلى نهاية مؤلمة؟

لمن تراه الحلاج يوجه خطابه في قوله: اقتلوني يا ثقاتي، حيث المعروف أن الثقات في اللغة من هم أهل للثقة من العلماء، ورجال الفكر، ومن يطمئن إليهم ، وهل تراه حراكه الديني الذي كان مثار أخذ وردّ  في عصره ذاك الذي جمع حوله الخلق ما بين متّبع، ومشكّك، أو مؤلّب رافض لمنهجه الديني، وتأملاته الروحية هما اللذان جعلاه يوجه الخطاب إلى الثقات، أو لعله أسلوب خطابة تهكمي تجاه من يرون أنفسهم الأصوب في عالم التشريع والمنهجية الدينية، الذين لم يستطيعوا الغوص في مكنون فلسفته الروحية التي أودت بحياته، الأمر الذي يؤكد أن الدين ما يزال، وسيستمر ليكون مثار الجدالات، والتعصبات حتى ختام الزمان.

والمتابع للقصيدة التي نظمها الحلاج يشعر أنه أمام لوحة روحية متكاملة الأركان حيث تقوم على بناء متماسك يبني فكرة بهية ناصعة، ثم يؤكدها بالأدلة في إطار يسعى إلى إثبات أن صفاء النفس أهم مقومات الخلود الإنساني الذي يجهد البشري للحصول عليه بشتى الطرق والمعارج.

تأمله حين يقول:

إن عندي محو ذاتي   من أجلّ المكرمات

وبقائي في صفاتي   من قبيح السيئات

التناغم مع الذات الإلهية، والانغماس الكلي يترفع بالإنسان عن الأثرة، ويجعله يتربع عرش المكرمات، بينما ما يقابلها من الصفات البشرية الدنيوية التي يتمسك بها الإنسان عادة لا تعدو أن تصنف في أحط مراتب السيئات والزلل، وكأننا بالحلاج يريد التأكيد على أن الإنسان كائن ملتصق بروح الخالق، وانعكاس له في الأرض، لذا عليه أن يجهد للنقاء الكلي.

 

أمان السيد – أستراليا

 

 

في المثقف اليوم