أقلام ثقافية

لماذا الفن؟

انور الموسويالفن كلمة واسعة يمكن ان تنطبق على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الاغراض. (الادب، الشعر، الغناء، الرقص، المسرح، التمثيل، البِناء والعِمارة، النحت، هندسة السياحة والزراعة، الأزياء، المكياج.... الخ). كل شيءٍ يؤدي بالنتيجة الى منظرٍ خلاب ويحقق سعادة ورفاهية وجمال هو "فن".

الفن حياة:

لماذا يشكل الفن عنصرًا اساسيًا في حياة البشرية؟

ببساطة لان الفن نتاج طبيعي وحتمي لأي دولة تقطع شوطًا كبيرًا في توفير الخدمات والبُنى التحتية والازدهارالاقتصادي، فيكون فيها مجال النمو والإبداع والحريات متاحًا لظهور علامات الفن وارهاصاته العصرية في تلك الدولة.

الفن نتاج لازدهار البلدان، وليس قفزة طارئة من دون تحقيق ازدهار لتلك البلدان، لذلك تجد البلدان المزدهرة مثلًا "الأوربية" ترفل بالفنون بكل اشكالها، بينما البلدان الفقيرة التي يخيم عليها الجهل والتعصب الاثني او الديني  أوضعف الاقتصاد وترهل منظومة الدولة الفاسدة، يخيم عليها الفقر والجهل والخرافات..الخ وحينما تخيم تلك الأدواتعلى المجتمع، من الطبيعي وكناتج منطقي لا يوجد فن "متسع ومتنوع" في تلك البلدان، ولاقيمةَ تذكر لرواد ذلك الفن.

حينما تعيش الشعوب حالة من الرخاء والاستقرار وزيادة في الدخل الفردي، تبحث عن مصادر (رفاهيتها، وسعادتها). لذلك تتشكل طبقتان:

طبقة مبدعة: هي الطبقة المنتجة للفنون.

وطبقة مستهلكة: وهي الطبقة السائحة، والمتفرجة، والمستخدمة والمقتنية لتلك الفنون.

وهنا تكمن حركة المال، وديمومة الإنتاج ودورة الحياة الاقتصادية (للمنتج والمستهلك).

البلدان النامية،التي نهضت من كبوتها كالإمارات وايران مثلاً، اعطت اهتمامًا ممتازًا للفنون، مما جعلها تتصدر واجهةالمشهد لبلدان العالم النامي،اذ اولت للحريات مكانة ممتازة لخلق فرص ابداعية للفنون، فصارت اماكن يرتادها السياحمن مختلف العالم دون " قيدٍ أو شرطٍ " عقائدي او مذهبي. فعظمت موارد اقتصادها من جهة، وحققت للفن مكانتهالحقيقة التنافسية  بين دول العالم.

انعكاسات الفنون:

للفن انعكاسات على رؤية المجتمع وحياته، وطبيعة تعامله مع الاخرين، وتعديل سمة وطريقة الحياة، فترى شعوب العالمالتي يتعاظم لديها الفن بعد اجتيازها مقدمات النهضة الخدمية، تراها شعوب شبه متسامحة، متعاونة، على الأقلتحترم القوانين أو تخاف من القانون، وهي شعوب على الاغلب ميالة للسلام والرفاهية وحب الحياة والبحث عن مصادرالرفاهية والمتعة.

الشعوب المتراجعة فنيًا بسبب التراجع الخدمي والبنيوي والاقتصادي تلاحظ أنها مأسورة دومًا بغيبيات مجهولة يتماستخدامها للصراعات الشخصية كوقود لتصفية الخصومات، وهي تكون غير مكترثة للتضحية بنفسها من أجل تلكالصراعات لانها لاتملك من وسائل الرفاهية والحياة شيء فتراها دروع بشرية لأي فكرةٍ وخرافة.

تحذو تلك الشعوب حذو قادتها وعرقها، وبيئتها التي تستمد منها عناصر تراجعها، لذلك تلاحظ في البيئات المنفتحةالتي يزدهر الفن بها، تجد مجتمع مسالم يميل الى صناعة الحياة واستخدام موارد الحياة بشكل يؤمن لذلك المجتمعحياته المستقرة. البيئات التي تتراجع فيها الخدمات، والبُنى التحتية، بالتالي الفن كنتيجة حتمية، تجد مجتمعات تلكالبيئات "يطلقون النار " في اي مناسبة، كنوع من أنواع إظهار الغلبة والقوة والشجاعة ضد مجهول!. بينما المجهولالذي لا يعونه هو بيئتهم المازومة بالتراجع العصري، تراجع الفنون ووسائل الرفاهية والراحة.

فهم يطلقون الرصاص الحي في المناسبات في الفواتح، في الأعراس، في فوز المنتخب في اي مناسبة ولاي حجة!.

بينما نفس هؤلاء لو اعتبرنا ان هذه الظاهرة هي ثقافة مجتمعية، حينما يعيشوا في بلدان أو بيئات مختلفةً عن بيئتهم" المنغلقة والمتراجعة" من الناحية الخدمية والفنية " تلاحظهم يبدئون يتطبعون مع البيئة الأخرى " بيئة القانون،والخدمات، والرفاهية والفن" فتلاحظ معظمهم أكثر ميلًا لصناعة الحب والعيش بسلام واستثمار جميع وسائل الرفاهيةالمتوفرة في تلك البيئة للاستمتاع بها، وتلاحظهم أكثر ميلًا للسلام.

الفن يصنع انسان.. والتخلف يصنع التطرف

وتلك مسؤولية الدولة الذنب ليس ذنب المجتمع باتهامه بالجهل والتخلف والتراجع... الدولة هي المسؤولة عن صناعةمجتمعها، من خلال المقدمات الاساسية للحياة، والنتائج الحتمية لازدهار الفنون، بالتالي يكون هناك دولة ويكون هناكشعبٌ مرفه لا يحتاج الى " گوامة عشائرية " ولا إلى احتجاجات وانتقامات عشوائية يوجهها بين الفينة والأخرى ضدمجهول!. نتيجةً للاحتقان النفسي الذي يعيشه ضمن بيئته الطاردة والسالبة لاشياءه بالحياة.

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم