أقلام ثقافية

في عيدها.. ام الاذاعات

امل المدرس.. صوت يصدح بالحب

في عيدها الرابع والثمانون، تحية اجلال وتقدير لام الاذاعات العراقية متمثلة بالام القديرة والسيدة الفاضلة "امل المدرس" الصوت النابض بالحب والامل..

تاسست اذاعة بغداد 1/7 /1936 وتعود فكرة تاسيسها الى" الملك غازي "الذي كان يمتلك اذاعة مصغرة في داره، ثم جاءت فكرة توسيعها، وسط ابتهاج الجماهير، وهي ثاني اذاعة في الوطن العربي بعد "اذاعة القاهرة"، وقد كانت بالبداية متقطعة، ثم بدات تبث بصورة منتظمة مع تقدم السنين.

منذ نعومة اظفارنا اعتدنا على ذلك الجهاز المتواضع، الكبير الاثر في نفوسنا وهويصدح باجمل الالحان، واروع الاغاني، وتلك البرامج المنوعة التي تركت اثرها واضحا في نفوسنا فلم يكن يخلو بيتا من جهاز الراديو وخصوصا الصغير الذي ناخذه معنا اينما نذهب في البيت، في الحديقة، او على سطح الدار، او راديو السيارة مسافرين اوذاهبين لاي مكان، بل الاطرف ان يضعه الفتيان-المراهقين-على دراجاتهم الهوائية كنوع من الترف..

 كنا نبدا صباحنا بكروان الصباح فيروز وهي تضفي نكهتها على رائحة الشاي المهيل ورائحة الخبز الحار لتلك الموائد الصباحية العامرة بالحب والحميمية تشاركنا الافطار، اوتذهب معنا في السيارة ونحن في الطريق الى المدرسة، تعطينا شحنة من التفاؤل لبداية يوم جديد.

كان الراديو يشغل حيزا كبيرا في حياة الانسان العراقي المثقف والبسيط على حد سواء، المراة والطفل، فقد نالت برامج الطفل حيزا واسعا وتعددت وتنوعت على مدى السنين كالمسلسل الاذاعي"ليلى والذئب"وبرنامج"عالم الاطفال"، وبرنامج "على بساط الريح" وغيرها من البرامج التوعوية ناهيك عن برامج المراة، فهو موجه لكل شرائح المجتمع دون استثناء، رسالته انسانية سامية تهدف الى التثقيف والتوعية والارشاد، فقد اختزل وبحق مع بساطته كل وسائل التواصل الاجتماعي ولكن بروحية اكبر، وبوعي اشمل..

 كان يحرص على تنوع برامجه ليصل الى اكبر عدد من المستمعين عبر هذا التنوع الذي شمل كل مناحي الحياة، التمثيليات والمسلسلات الاذاعية، البرامج الاجتماعية الهادفة كبرنامج "نادي الاذاعة"ذلك البرنامج المنوع الرائع الذي كان يبث في التاسعة مساءا والذي كان له حضورا جماهيريا واسعا، وذلك الكم من المشاركات و الاغاني والخواطر التي كانت تتناغم مع الليل، وبرنامج "حذار من الياس" الذي كان يبث في الساعة الحادية عشر صباح الجمعة، يعرض مشكلة على شكل تمثيلية، ثم استضافة احد المختصين في نهاية الحلقة ليعطي الحل الناجع للمشكلة، لازالت تلك المشاكل تتردد على اسماعي، فاتفاعل معها كثيرا واستغرب بل اتعجب على تلك الحالات التي لم تكن ترقى لمرحلة "المشكلة"ولاتعادل قطرة من بحر مشاكل اليوم المرعبة لم ازل اتذكر مقدَمَة البرنامج والتي تعرض مقاطع سريعة من حلقات سابقة التي تقول احداها(افبعد كل هذا يعاب على هناء تصرف!!، او ماممكن اني ماادخل الطب..)، كانت الحياة اسهل واجمل، والروابط الاسرية والاجتماعية على اشدها عندما كانت الحياة حياة، واليوم كان طويلا وكثير التفاصيل وله قيمة، وفيه الكثير من الامور للقيام بها، وليس كيومنا الان الذي يمر كالبرق الخاطف ولايشغل سوى حيزا بسيطا من التقويم سرعان مايشطب مساءا.

كان الراديو صديق العائلة وهناك راديو في كل مكان تقريبا من البيت، والسيارة، والمقاهي التي تعتبره احدى مقوماتها ومكوناتها الاساسية والجمالية، حيث الاغاني القديمة تصدح باصوات ام كلثوم، عبد الحليم، فريد الاطرش والمطربين العراقيين الرواد مائدة نزهت، سليمة مراد، ناظم الغزالي، عفيفة اسكندر، انوارعبد الوهاب، امل خضير، حسين نعمة، رضا علي، ياس خضر وغيرهم الكثير الكثير..

ومطربي الريف الذين يشغلون حيزا من طرب شريحة كبيرة من الناس انذاك، في الوقت الذي كان بث التلفزيون محدودا على ساعات معينة من المساء..            

وبرنامج "اسمك عنوانك"و"عراقنا الرياضي"و"سكن الليل"والذي يقدم ليلا وبرنامج "من الذاكرة" الذي كان يعده ويقدمه "سعاد الهرمزي"حتى نهاية التسعينات، وبرنامج "ستوديو عشرة" الذي حظي باعجاب المستمعين منذ نشاته، لما يحويه من فقرات منوعة صيغت باسلوب محبب تشد المتلقي من بداية البرنامج حتى نهايته، وذلك الصوت الملائكي الدافئ الذي كان يشد اسماع المستمعين بوشائج المحبة والالفة الاوهو صوت الام القديرة وشمعة الاذاعات العراقية السيدة الفاضلة"امل المدرس"وهي تشدو بالكلمة الصادقة، والخاطرة الهادفة، والحكمة المعبرة التي تترك بالغ الاثر في نفوس المستمعين، والدور الرائد للاستاذ "علاء محسن"معد ومقدم البرنامج، والمذيعة المتالقة السيدة"نضال علي حسون، والسيدة"سميرةجياد"، ومخرجي البرنامج المتعاقبين اخرهم المخرج القدير"جعفر الزبيدي"، وكل من ساهم في انجاح هذا البرنامج من كادر فني واذاعي، ولازال هذا البرنامج يحتل مساحة كبيرة في نفوس المستمعين داخل وخارج العراق، يضمهم ويجمعهم بحميمية الارض الطيبة شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، متشبعا برائحة المطر وهي تنثر الحب على الجميع بدون استثناء.

فتحية اجلال وتقدير لامنا القديرة السيدة امل المدرس متمثلة بام الاذاعات وسيدة الاثير، وبوابة الاشعاع الحضاري والفكري، التي عاصرت عهودا وتربت على يديها اجيالا قضوا اجمل الايام بين ذراعيها، نهلوا من مناهلها صنوف المعرفة والابداع والطرب الاصيل، روت لنا وباحرف من نورتاريخ العراق، بنهاراته ولياليه، بايامه وسنينه، باحداثه، بافراحه واحزانه، لازلت متالقة رغم الزمن، وخطوطه تزيده بريقا ونضارة، كل الاحترام والتقديرومزيدا من النجاح اذاعتنا الام اذعة جمهورية العراق من بغداد وهي تقد الشمعة الرابعة والثمانون في عيدها الاغر..

 

مريم لطفي

 

 

 

في المثقف اليوم