أقلام ثقافية

مينا راضي: عامٌ جَديدٌ و أحوالٌ قَديمة

ما زلتُ لا أفهَمُ سببَ الضَجّةِ التي تُغَلِّفُ العالَمَ في هذا الوَقتِ منَ العام. الأغاني الصاخِبةُ تَصدَحُ من كل بَيت، والاحتِفالاتُ الطَويلة، كُؤوسُ الخَمرِ المُتَراطِمةُ ببَعضِها نَخبَ وَقتٍ عَقيمٍ و ساعةٍ عاجِزة. إنني لا أفهَمُ سببَ احتِفالِ أبناءُ هذا الكَوكَبِ البائسِ برَحيلِ عامٍ و قُدومِ عامٍ آخر، فالأمرُ بالنِسبةِ لي مُجَرَّدُ تَبديلٍ في الأرقام، إننا فقَط نَقومُ بتَغييرِ المُستأجرِ المُقيمِ في أعلى الرُزنامة، أو يُمكِنُ تَشبيههُ  ببدايةِ مأموريةٍ جَديدةٍ لا أكثَر. تَلتَهِمُ التَساؤُلاتُ خَلايا رأسي ويَهجُرُ النَومُ جُفوني ليَزورَ الآخَرينَ ذَوي الجَماجِمِ الخاوية. أسمَعُ صَوتَ صُنبور، أسمَعُ تَتابُعَ قَطَراته، صُنبورٌ لا يَتَوَقَّفُ في عَقلي!

هل سيأتي هذا العامُ مُحَمَّلًا بأرغِفةٍ للجياعِ؟ هل سيَحيكُ من أيامهِ و ساعاتهِ كِسوةً للعَرايا؟ هل سيُعيدُنا هذا العامُ أطفالًا؟ أيها المُتَحَلِّقونَ حولَ الطاوِلاتِ و الغارِقونَ في طُقوسِ الاحتِفالات، يا مَن تَشَبَّعَت أرواحُهُم بألوانِ التَرَف، هَل أجِدُ عندَكُم قارورةَ شُعورٍ واحِدة لأزَيِّتَ بها أعماقيَ الصَدِئة؟ تُرى هل سيُحضِرُ هذا العامُ ماءً زُلالًا لمَرضى الكوليرا؟ هل سيَهطِلُ علينا بالحُبِّ ليَروي جَفافَ الأرواح؟ هل سَيَخيطُ عامُكم الجَديد جَراحَنا القَديمةَ؟ هل سيَملأُ جُيوبَ الفُقَراء و يُخَفِّفُ من ثِقَلِ خَزائِنِ الأغنياء؟ هل سَيُحاسِبُ قَتَلةَ الأبرياء؟ هل سَيُعفي قُضبانَ السُجونِ من تَحَمُّلِ ذَنبِ مُحاوَطةِ المَظلومين؟ هل و ألفُ هَل... وإن كانَ الجَوابُ لا فلماذا كلُّ هذا الضَجيج؟ دَعونا نُكمِل سُباتَنا، دَعونا نُكمِل ذلكَ الحُلُمَ الجَماعي. 

 

مينا راضي

في المثقف اليوم