أقلام ثقافية

محسن الأكرمين: أسبوع بلا أجراس ساعة

حين نظرت صُبْحا إلى المرآة لم أعد يومها أَتذكر شكلي بكل تفاصيله الخارجية المُمِلَّةِ، لم أَعُدْ أُجري تلك الحركات التي كانت تُحفزني على خلق التوافق بين روحي وجسدي. ساَلِفَ الذكر، كانت رُؤيتي تجاه المرآة يَمرُّ عبر اهْتمامِي بذاتي كنمط من عصر اليقظة. فقد كان نوع من اهتماماتي بذاتي ومعرفتها بغاية رأب صدع الماضي المزدوج بين فَوالق الفرح والألم، ولما لا استيعاب عمليات تسرب الفكر الذكي نحو الوعي الخارجي الكفيل بتدبير القلق. اليوم قلقي مع ملمح المرآة صنع عدة تساؤلات من طينة الزوبعة الذهنية، بمؤشرات رَتقِ فُتُوقِ التباينات العمرية، وبكل أَنَاةِ استعادة الحالات العمر الزمني التي استعصى استحضاره للمحاكمة أمام المرآة.

انسحبت تاركا ذاتي باعتبارها كيانا مستقلا ومختلفا لاصقة على مُسطح لوح المرآة، وفي تلك العلاقة التقابلية ولما لا التناقضية. فقد كان هدفي الأول، أن أتعلم بِنْيةَ علاقة الانعكاس والتناظر بين تَضَاد الفطنة والسذاجة. اليوم، تحررت من فئة خوارج تفكير سلطة الذات بالثورة، ومن كل مُفرقعات الحياة السلوكية التي تصنع تجليات الوهم في صورة لوح المرآة. اليوم، أرنو طواعية إلى امتلاك جزء ميسر من الذات، والأنا، والفلسفة، والهوية بالواقعية، ولما لا كَسْبِ قسط تزكية من الوعي المنتج للأخلاق الخيرية، ولو عبر قناة مفهوم الراحة النفسية. اليوم، فكرت مليا على أن أفكر من الخارج إلى الداخل، و ضمن وضعيات استنطاق (الأنا) الأعلى بنهايات الذات الحاضرة، وكذا امتلاك المتعة الجمالية في الفهم والتخطيط الحياتي، وضبط تجليات الآخر الغائب. اليوم، كونت معرفة للعالم بمتغيراته، والتي تُفضي إلى معرفة فلسفة الذات، وصناعة القدرة على رؤية الوجود (المعرفة التوافقية والاصطلاحية)، والبحث عن أثر الحرية وتحريرها من ربقة العصيان.

أروي لكم سادتي الكرام ما استعصى عليَّ من الفهم والتدبر بالتفسير والسؤال، فقد كنت أتنقل داخل غرفة (الذات) بتلك الأحلام المستقظة، والتي كانت تُجسد سياقات متعة الخدع الحسية (السحر المعرفي)، ومراوغة المنطق والعقل بالتنويم. فحين أردت انتقاد صورتي المتبقية داخل لوح المرآة، رأيت أني لا أتسلح بالآليات المنهجية الحصينة بالتجرد عن الذات، وملاحق الزمن العمري. وجدت أن النقد العنيف، قد لا يقدم سوى فقاعات من الوهم والزيف، ووضع الحقيقة في غرفة الإنعاش. تعلمت بالفطرة، ربط ثنائيات فُتوقَ (الداخل والخارج) حتى لا أنزلق في إنتاج تفاهة الوهم. فلا غرو اليوم سادتي الكرام، أن تحمل تخوفاتي الأولية، ضُعف وجهي الذي بقي عالقا على لوح المرآة بلا رقيب ولا حسيب، وهو يتوجس قسطا من الخوف على مفارقتي بالبتة.

استيقظت لحظة باسترجاع (الأنا) المفكرة عندي، وجعلت منها لِحافا قُطنيا لتدثر روحي الزائدة من التآكل والتغيير المفرط في التجريد. حينها شعرت بالأمن، وأضحيت أبحت عن نفسي وهويتي وذاتي، وكيفية الاهتمام بهم إزاء التعيينات القاسية للنقد والسلبية. من فرحتي، أن المذياع صدح بمتنوع أغان من الماضي، من تم شعرت أني لا أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل صارت ذاتي تُعلن الثورة على لوح المرآة، وسحب وجهي بالوجود الحقيقي المتنور بأخلاق الخير والقيم الاجتماعية.

اليوم، تحررت من سلطة المرآة (الآخر) ومن كل الأبعاد الثقافية والأخلاقية، ومن غيث سيولة انسياب الحداثة السائلة المفزعة. اليوم، تحررت من تلك النواة الصلبة في التحجر الفكري والسلوكي، والتي كانت لا تقبل معرفة ماهية اختلاف تصورات الكينونة والكونية. اليوم، وذاتي المتحررة تتناول وجبة الوعي والتفكير في الاتجاه الصحيح لا المنعرج في الغائر. اليوم تعلمت أن التغيير لن يتأتى حتى يمتلأ العقل والذهنيات بأنماط الوعي والسلوك الحضاري المتنور.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم