أقلام ثقافية

عواطف نصرلي: لست وحدك

حين تزدحم الأفكار في رأسك دون أن تجد لحظة لتوقفها ودون أن تنتهي بهذا التفكير الى رؤية واضحة. وعندما تتوالى الأحداث في أيامك وتكثر الحكايات والمواقف  من حولك ولا تجد  سلطة لوقفها أو تغييرها أو حتى لفهمها ..

تذكر قول شوبنهاور :"التغيير هو وحده الابدي الدائم".

احيانا يكون أعظم انجازاتنا ان نقبل ونتقبل ونستقبل ونتوقف عن الاعتراض والرفض.

احيانا تكون أروع قراراتنا ان ندع الامور تسير كما تريد ونمتنع عن المواجهة.

احيانا كثيرة تكون أهم اختياراتنا ان نختار السلام لانفسنا المرهقة ونختار ان تغير نحن ردة فعلنا تجاه الأحداث...يقول ايكهارت تول في كتابته قوة الآن: .."ما الحقيقة التي تقاومها ؟ انك تجعل اللحظة الحاظرة عدوا لك .انك تخلق التعاسة, الصراع بين دواخلك وخوارجك.ان تعاستك لاتلوث فقط وجودك الروحي بل كل هؤلاء من حولك...."

اذا عندما يصيبك هذا الدوار لا تفزع ولا تسمح له  أن يلفك بالتيه أويسافر بك الى البعيد في مجاهل الاحزان والمخاوف ..

لا تستسلم للأفكار السوداء لا تخفض رأسك وتتبعها في خضوع العاجز ..

لا تفعل!

أرجوك لا تفعل.

تذكر أنك محور هذا الكون وتذكر فقط  انك كائن من إرادة حرة،  وعليك أن تنقذ نفسك!

في هذه اللحظات العصيبة دع كل الأفكار تمر كأنها فلم شاهدته ولا تمثلك احداثه، تاملها تمر أمامك في هدوء وراقب شعورك، لا تهرب منه.

 مشاعرك تلك هي  كنزك الثمين هي أهم ما يعنيك عشها بكل مافيها من تدفق وبكل ما فيك من قوة، ولا تهرب منها .

توقف عن التفكير تماما، وخذ ورقة وقلم، وافرغ كل مشاعرك هناك أطلق العنان لقلمك دعه هو يفك طلاسم روحك وافسح له كل المجالات المتاحة ليترجم ما في قلبك وروحك بكل صدق و بكل حرية وبكل عفوية وتلقائية ممكنة...

ما عليك سوى أن ترخي اللجام وتستمتع بالصهيل ...

صب كل ما في أعماقك في براح الصفحات ..

دع قلبك يطلق جنونه هناك ولتخرج كل الشياطين دفعة واحدة ولتكسر روحك كل قيودها دفعة واحدة...

و متى فرغت من كل هذا..

إن تمكنت من فعله أو حتى وان عجزت ،حتى وان كان كل ما استطعت القيام به هو خط خطوط غير مفهومة أو غير متانسقة وان رسمت دوائر ومربعات وخطوط متداخلة متشابكة حتى وإن تلخص كل الموضوع عندك في نوبة من جنون وصراخ  إو بكاء.حتى وإن مزقت الورقة..

لا بأس! ذاك ما كنا نبغي، إنفجار البركان هو غايتنا،  لابد أن تسمح له بلفض كل حممه بطريقة ما..ذلك هو المهم!

إن فرغت من هذا فاجلس جلسة مريحة تلامس فيها الأرض.

 أو  إن أردت إن تمدد جسمك بشكل مريح .فارجوك استرخي، خذ نفسا عميقا وتخيل  أنك تشبع روحك بكل إحلامك الجميلة ..

كل الهواء الذي يدخل رئتيك هو محمل بكل أمنياتك الصغيرة ..دعه يقوم بعملية تنظيف لكيانك من كل الآلام ..

تخيله يمسك بكل لحظة آلم ويفتتها ..ومكان كل دمعة يغرس جزءا من حلم ...

ثم تخيله كما يدور الإعصار ويقتلع كل ما يعترضه تخيله يجتث اوجاعك ...

انفثه الآن خارجا وبعيدا جدا. وفي زفيرك فلتغادرك كل اشباح الماضي ...اغرقها في أعماق البحار هناك في إقصى الأقاصي ...

اعد الكرة  مرة واثنتين وثلاثة .

خذ نفسا عميقا واجعل كل ذرة هواء تدخل جسدك تكون محملة بكل افراحك الخاصة و كل الأمنيات و الأحلام اللذيذة. تخيلها بذورا  وشتلات تنغرس مكان كل تلك الأشواك التي كانت تنخز روحك.

عندما تكمل هذه الانفاس ...

أطوي صفحة الألم ومزقها وانفثها تتطاير مع الرياح البعيدة وقد أخذت معها آخر ذرات الوجع بلا رجعة..

الآن فلنجلس نرسم هدفا واضحا نحو النجاح نحو التقدم الى الامام نحو تحقيق الأحلام وتجسيد الشغف انظر الى أحب الأمور التي تسعد قلبك وأبعد الأمنيات التي طالما راودتك وخط إليها طريقا من إيمان بأن الله لن يخيبك...

حاول الآن  ان تترصد صورة أقرب الأشخاص الى قلبك...

من تراه قبلك كما أنت؟؟...

أحبك كما أنت ...!!

حاول ان تكون صادقا جدا مع نفسك ولا تفسح المجال لعقلك أن يفكر... نحن لا نريده أن يفكر!.

نحن نبحث عن تلك الصورة الاولى التي ستظهر أمامك في أقل من دقيقة، أول صورة مخزنة من دفق حب لامشروط..

حاول أن تكون منحازا جدا لذاتك لاتراعي أحدا ولا تجامل..

أنت الآن في لحظة غربلة صارمة وحازمة جدا..

اقطع كل روابطك الأيثرية بكل من اوجعك وفقط تمثل ذلك الذي كان هو الأصدق دائما وكان هو المتواجد ابدا..

ذاك الذي  كل ما أراده  هو أن تكون أنت كما أنت مرتاحا وسعيدا..

كان يدعمك دائما..

كل ما نريده الآن هو ان تجد داعما تتشبث به وتتخذه رفيقا..

يقول الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه:

إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك

وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك

وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك

شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك."

إن فعل الصديق أو الأخ الداعم للروح  كفعل النظارات المستقطبة للعين يقلل اجهادها ويخفف الانزعاج من الاضواء الساطعة ويحميها من وهــــــج الحياة..

الصديق الصدوق يوضح الرؤية ويمكن أن يعدل أو حتى أن يصحح المسار.

والمسار السوي هو الطريق الى الله..

ان لم تجد في حياتك احدا بهذه الصورة لا تجزع.واحمد الله انك استفقت.

. عندما تختلط الامور وتزدحم الافكار وتتوالى الاحداث فتضج الروح لا بد أن  تسأل نفسك من صديقي؟؟ من هم اخواني....؟؟ عندها ستعرف طريقك وستدرك أي السبل تسلك.

قلي من صديقك أقول لك من أنت..

هي تلك الرسالة الإلهية التي اقضت مضجعي منذ امد فشكرا لله الذي اهداني من يحميني من هذا الوهج...

ليس المهم أن تكون مع رفقة ما، أنما المهم ان تعرف من هي رفقتك!

ليس الخطر والخوف من أن تظل وحيدا٫أنما المصيبة الكبرى ان تسيء اختيار من ترافق!

وتذكر انك في الحقيقة لست وحدك ابدا لأن الذي خلقك هو محيط بك من كل جانب ان أنت اخترته رفيقا هو سيسوق اليك من يدلك إليه.

﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا ۝٢٧ یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا ۝٢٨ لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا ۝٢٩﴾ [الفرقان ٢٧-٢٩]..

***

عواطف نصرلي - تونس

 

في المثقف اليوم