أقلام ثقافية

محسن الأكرمين: رؤية من بدايات ونهايات السعادة والتعاسة

من أساسيات ترتيبات المنهج التاريخي، أنه يُقرأ التاريخ كوحدة نسقية. من تم فالتاريخ الزمني للعمر يشابه لحظة الولادة والموت، والتي من الصعب من أن تُعاد مرتين. ساعتها بدأت أحتسب النقاط في بصمة خط كفي، بغاية سلك أقصر طريق آمن يُؤدي نحو أقساط وفيرة من النعيم. هنا أذكركم، بأنِّي لا أقصد بالنعيم، النعيم الدنيوي، وإنما النعيم بِكلتَا الحالتين. نعم، لم أكن أتوقع من هذا السرد أن أُصدم بأن النعيم يبدأ من الحضيض. ولهذا لن أُعين تعريفا لمعنى الحضيض بأنه من المستويات المتدنية، ولكن أقصد به البدايات الجدية ومعاودة المثابرة، مثل نملة إسكندر المقدوني.

حين تم تشقيق الكلام بشيء من بداهة حذلقة المتكلمين، يُمكنني التساؤل الغبي عن كيفية العبور نحو النعيم، وكيف يمكنني سحق الجبال الشاهقات، وهو نوع من عمل حضيض المناجم؟ هنا بحق تجعد شعري الباقي على هامة رأسي بالشيب، وبدا أثر أحداث نسقية وحدة التاريخ، وبتت أفكر في سبب موت الناس، أكثر مما أثير نقاشات عادلة في أسباب عيشهم من الولادة نحو الموت. وفي مدى الرضا!! نعم، من سؤال لآخر، بات تفكيري في ارتباك من أمره اليومي، فقد تعلمت منذ السنين القديمة أن الأمور التي كنت أتوقعها، لن تحدث، ولن تتحقق البتة. وهذه المعادلة الفضفاضة تُوحي بأنِّي لا أمتلك حدس تنبؤات الزمن، وقراءة كف المستقبل!! فكم من غاية تمنيت حُدوثها، لكن ضدها الصادم كان معترضا على مستويات تكهناتي حظي العاثر وحتى السعيد منه.

منذ الولادة وعقلي المغامر والمتحرر ينمو بدواخل تفكيري الفقير بالقدرة على بناء التغيير عند كل محطة، لكني كنت أؤمن أن صوت الواجب يجب أن يكون أكثر مما كان عليه صوت الواقع المتدفق بين أرجلي الحافية في قطع مسافات الحضيض، والبحث عن نعيم حرير الجبل.

اليوم، أحسست أنِّي في زيادة من لغة حذلقة التلاعب بالكلام، أحسست أن السذاجة البينة عندي، تُنقدني من لسعة الانتقادات، ومن مزالق حسابات الفرق بين الطبع والتطبع. فكيف يُمكن تَمكينَ تأميني الخروج من الظلام نحو النور؟ هي ذي الولادة الأولى، والنهاية التي لن تتكرر عند أحد منَّا، فمن له بداية له نهاية.

اليوم، كنت أُراهن على الحظ ولو لمرة يتيمة ومنفردة في حياتي الباقية. فمن منطق الحمق تغيير الحصان الرابح، أو المجازفة بالسباحة ضد التيار، فرأس الحكمة يقول: لا يمكن أن تسبح في النهر مرتين. ولا أنصح أن يعاود أحد السباحة في ذات النهر مرات ومرات، فعند أول محطة قطار، توقف وترجلِ المشي آمنا.

قبل كتابة هذه السطور، كان لساني يَلُوك الكلام المليح، ولا يَبْحث أن يثير كثيرا من الحساسين والخلافات الثانوية. اعتكفت صياما عن الكلام المباح، ورقن الكتابة على لوح حاسوبي. والله، كانت النتيجة بذات كلمات الهلوسة المضنية تختمر طوعا بالبداية، وبهذه الكلمات المتنافرة التي يصعب تشذيبها، وترتيبها للفهم والدلالة بالتناسق بين طبعي وتطبعي، وفهمي وفهم غيري. جلست لمدة أسبوع أنظر من ذات الصندوق الصغير العجيب، والشك يَأكل قلبي باتساع مساحات الانتظار، وكدت مرات عديدة أن أخرج عن السطر سقوطا، فأبيت مثل الأحمق الذي يريد تغيير العالم ليتلاءم مع ما تبقى من عقله المُنهك في المتاعب. مرات عديدة، كنت أستمع لنصائح غيري، وأنظر في العيون، ثم أحتسب أن الأمر فيه خير دائم.

من صدق العلاقة بين الموت والولادة، تيقنت أن أبحث عن الايجابيات والتي يجب تعزيزها، وألاَّ أُنقلب نحو السلبيات، والتي يجب علي قطع الصلة معها تماما. هي الانتصارات التي رتبتها حين ترجلت اليوم مشيا على رصيف الحياة الأنيقة من ذات الصندوق الأعرج. هي التطلعات التي لم أقدر يوما تخمين تكهنات لنهاياتها الحتمية، ولن أفكر بعد اليوم في إنتاج خلطة مُفبركة بين السعادة والتعاسة.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم