أقلام ثقافية

نبيل عبد الربيعي: قراءة في كتاب ذياب آل غلام

(ما تستحضره الشاهدة ولم يقله الرواة.. مرويات شعبية)

صدر عن دار الفرات بالاشتراك مع دار سما للطباعة والنشر والتوزيع في بابل؛ كتاب أخي وصاحبي ذياب مهدي محسن آل غلام؛ الموسوم (مرويات شعبية.. ما تستحضره الشاهدة ولم يقله الرواة)، بواقع (224) صفحة من الحجم الوزيري، وبغلاف جميل يحمل لوحة الفنان والخطاط محمد لقمان الخواجة.

الكتاب حمل (45) عنواناً أو ما يحمله العنوان داخل الكتاب بـ(الفرزة)، ويذكر الأستاذ منير بعلبكي في كتابه المورد الحديث ط1، الصادر في بيروت، عن دار العلم للملايين، ص951 معنى الفَرْزة؛ وهي تجويف أو أخدود مقطوع في حافة قطعة من مادة قابلة للتشكيل، عادة ما تكون من الخشب.

والعناوين في الكتاب تتكلم من خلال شاهدة القبر التي زارها المؤلف خلال فترة زمنية ما. فالشاهدة أو شاهد القبر أو حجر المقبرة؛ هو علامة تصنع عادة من الحجر وتوضع فوق القبر. يوضع على القبور في الديانات المسيحية واليهودية والإسلامية وغيرها. في معظم الحالات يكتب اسم المتوفى وتاريخ ميلاده وتاريخ وفاته على الشاهد، بالإضافة إلى رسالة شخصية، أو صلاة، ولكن قد تحتوي على قطع من الفن الجنائزي وخاصة التفاصيل المنقوشة على الحجر. وفي بعض الأحيان يعتبر وضع صورة للمتوفى داخل إطار الشاهد أمراً شائعاً جداً.

والمرويات في الكتاب جميعها تحمل قصص العشق والعشاق؛ سواءً كبرت أم صغرت، ملمعة بأبيات الدارمي الجميل التي تناسب الحدث، وقد وظف المؤلف تقسيمات تلك العناوين وفق الدالة الاجتماعية لدراسة المجتمعات الريفية والبحث في اعماقها، فوظف غزل البنات من العشق كممارسة وجدانية أزلية، تتمظهر في اشكال مختلفة من التعبير بحسب الخصوصيات الروحية والجسدية بين العاشق ومعشوقته، أو تبادل العشق من طرف واحد، سواء كان معلوماً أو مجرد شعور محمول دون التصريح به.

فالمؤلف وثق الكثير من مرويات العشق وقصصها السردية الخفية التي تنطق من خلال العاشق بأبيات الدارمي الجميلة، والتي تدور اغلبها من خلال حكايات المجالس والمحافل، التي اقترنت اغلبها بعنوانات تواكب المرويات في الكتاب، والبعض من المرويات قد انطقها المؤلف من خلال أفواه عشاق منطقة الفرات الأوسط وجنوب العراق.

فالمرويات التي يتداولها الكتاب تحمل بين طياتها حنيناً شجياً يناح في الفلوات والأقبية، تتخللها الدموع الحارة المحملّة بالوجد والألم والشجن، لتخرج لنا في عناوين الكتاب بترنيمة النوح على زمنٍ ولى، رسمه العشاق دون معرفة الأقدار القاهرة التي تنتظرهم من خلال الشجن والفراق واللوعة والاشتياق.

لم يقف الكاتب عند هذا الحد، بل ينقلك بسياحة مطعمة بالشوق لمعرفة نهاية تلك المرويات، من خلال الدارمي والغناء، متجلبباً بالخوف والحذر من المجهول، فجسدها الراوي برومانسية العاشق من خلال مفردات جميلة محببة للقارئ، ومسكونة بوجعٍ ممنوع من خلال لوحاته التي ينقلها للمتلقي.

وأخيراً وليس آخراً، اقدم التهنئة القلبية لصاحبي ذياب آل غلال بمناسبة إصدار كتابه هذا،  واشد على يده واقول هلم بالمزيد إن شاء الله.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم