أقلام فكرية

ماثيو سي ألتمان وكتابه كانط والأخلاق التطبيقية..

رحيم الساعدياستخدامات وحدود فلسفة كانط العملية

 تقديم: جوناثان بيترسون، جامعة لويولا، نيو أورلينز

ترجمة: د. رحيم الشياع الساعدي

هذه محاولة لتقييم نجاح نظرية كانت الأخلاقية في مجال الأخلاقيات التطبيقية، فالكتاب يدافع عن إجابات كانتية على عدد من الأسئلة الأساسية في الأخلاقيات التطبيقية ولكنه يثير أيضًا اعتراضات على نظرية كانت الأخلاقية والكتاب ليس محاولة لتأسيس الأخلاقيات الكانتية والنظرية السياسية بشكل لا جدال فيه (ينظر ص 140)."

كما أنه لا يهدف إلى إظهار أن نظرية كانت يمكنها التعامل بشكل واف مع جميع الأسئلة المهمة في الأخلاقيات التطبيقية.  وقد كتب ألتمان أن الغرض الرئيسي من الكتاب هو الدفاع عن كانت "بقدر ما، وليس أكثر من ذلك (ص 8).   

ان التمان يريد الحفاظ على مكانة مركزية للمفاهيم الكانتية حول ما يخص الكرامة والعقلانية والمبدأ الأخلاقي القاطع ضمن الأخلاقيات التطبيقية، لكنه بنفس الوقت لا يريد أن يدعي أن كانت "  وهب الأخلاق ما يمكنها فعل ما نحتاج من نظريات أخلاقية لما نقوم به من عمل ويشير التمان إلى أنه "يجب أن نكون حريصين على عدم جعل (كانط) يقول ما كنا نتمنى أن يقوله (ص 287)، بناءً على ذلك، فان  الكتاب غالبًا ما يأخذ على محمل الجد بعض المقاطع (قليلة الجاذبية ) في نصوص كانت الأخلاقية التي يبدو أنها تمثل نظرة ضيقة للعالم في القرن الثامن عشر.

يشتمل الكتاب على نطاق واسع لمشكلات اساسية للأخلاقيات التطبيقية ويقسم إلى ثلاثة أجزاء، في الجزء الأول، يجادل التمان بأن أخلاقيات كانط تقدم حسابات ناجحة للقضايا المهمة في أخلاقيات البيئة وأخلاقيات البيولوجيا وفي الفصل الأول، يناقش التمان بأن لدينا التزامات أن نكون مهتمين برفاهية الحيوانات لأن القسوة أو اللامبالاة بمعاناة الحيوانات تفسد شخصيتنا وتجعلنا أكثر عرضة للقسوة تجاه العوامل العقلانية البشرية اما في الفصل الثاني، فيقول بأن لدينا واجبات لحماية البيئة الطبيعية واستعادتها لأن رفاهية العوامل البشرية العقلانية (بما في ذلك الأجيال المقبلة) تعتمد عليها ولأن تقدير الطبيعة يساعدنا على تطوير شخصية فاضلة ويقدم في الفصل الثالث اهتمامه بالرعاية الصحية وفي الفصل الرابع، يستكشف سردًا كانطيًا لقيمة استقلالية المريض في أخلاقيات البيولوجيا ويضيف ألتمان بأن هناك حدودًا لاختيار المريض ينشأ من قيمة الاستقلالية نفسها فهو يدعي أن الانتحار بمساعدة الطبيب أمر غير أخلاقي على أساس أن الانتحار ينتهك واجب المريض تجاه نفسه. ويضيف ايضا إنه من الخطأ بالنسبة لشخص عاقل أن يرفض العلاج في الحالات التي تقود الى الموت. أخيرًا في هذا الفصل، يدافع عن واجب التبرع بأعضاء الفرد بناءً على واجب الإحسان. 

يقول التمان في الجزء الثاني من الكتاب (الفصول 5-6)، بأن النظرية الأخلاقية لكانت لها آثار مختلفة عما كان يعتقد كانط في قضيتين أخلاقيتين مهمتين: 1- عقوبة الإعدام 2- الزواج، فعلى الرغم من ادعاء كانط بأنه يجب قتل القتلة، إلا أننا لم نتمكن من إصدار قانون يمكن بمقتضاه إعدام شخص بريء ويعطي ألتمان تصوره بأن رواية كانط عن الحياة الجنسية والزواج تعني أنه يجب علينا منح حقوق الزواج للأزواج من نفس الجنس

وفي الجزء الأخير من الكتاب، يقدم التمان أربعة انتقادات لأخلاقيات كانط ففي الفصل السابع، ينتقد رواية كانط عن الاختيار، بحجة أن كانط يتجاهل الطريقة التي تشكل بها الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف وراء خياراتنا وتؤثر على مسؤوليتنا عن خياراتنا

 اما في الفصل الثامن، فإن رواية كانط للحكم الأخلاقي لا تأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية والاجتماعية التي تشكل فهمنا لما يعقل القيام به، وفي الفصل العاشر   فأن مفهوم كانط للشخصية مقيد للغاية بحيث لا يسمح لنا بالتفكير مليا من خلال مسألة الوضع الأخلاقي للإجهاض.

ويختتم الكتاب بفصل قصير يقترح فيه التمان أن شكلاً من أشكال الشيوعية الهيغلية قد يكون أكثر قدرة على التعامل مع قضايا الاختيار والحكم والمسؤولية الجماعية والشخصية أكثر من النظرية الكانتية البحتة.

قد تكون هذا نقطة ضعف لا مفر منها في كتاب يغطي الكثير من الأسس بحيث لا يبدو أن بعض استنتاجاته قد تم الدفاع عنها بالكامل. على سبيل المثال، في الفصل القصير حول الرعاية الصحية، يناقش التمان واجب الاستفادة بان نوفر للناس إمكانية الحصول على المساعدة الطبية (ص 74)، وعلى الحكومة أن تقدم الرعاية الصحية للفقراء (ص 80) وأن وجوب العمل من أجل السلام الدائم يدعم واجب تعزيز صحة الناس بكل مكان (ص 83). وان الحكومة توفير الرعاية الصحية للفقراء.

ويمكن توضيح نقطة مماثلة حول حجة التمان ضد الانتحار بمساعدة الطبيب فعندما يدعي ألتمان مثلا أن (المريض المصاب بمرض عضال والذي يختار الموت ضمنيًا، يلتزم بفكرة أن قيمة حياته تعتمد على مقدار الألم أو السرور الذي يعاني منه) (ص 95) قد لا يكون هذا صحيحًا، لأنه، كما يدرك ألتمان، فإن المريض الذي يختار الموت قد يهتم بالكرامة بدلاً من الألم.  وإذا كان التمان يزعم أن اختيار الانتحار يرغمني على الادعاء بأن قيمة حياتي تعتمد فقط حول مقدار الألم أو السرور الذي أشعر به، فانه ليس من الواضح أن هذه قضية صحيحة، وإذا كان يدعي، أن اختيار الانتحار يرغمني على الادعاء بأن الألم له بعض التأثير على قيمة حياتي، فإن المطالبة تكون أكثر منطقية، لكن ذلك لا يبدو واضحا، فلماذا أقوم بأنهاء حياتي لأنني أعاني من ألم شديد، فهذا خطأ.

نظرًا لأن الكتاب موسع، فمن المستحيل التعليق على جميع جوانب حجة التمان هنا وسأركز بإيجاز على ثلاثة مواضيع، واحد من كل جزء من أجزاء الكتاب.

الأول هو واجبنا تجاه الحيوانات فقد يبتعد الكثير من الكانتيين المعاصرين عن الحرفية الصارمة لنظرية كانط عندما يتعلق الأمر بمسألة واجباتنا تجاه الحيوانات ونظرية كانط الانسانية، أي أنه يعتقد أن لدينا واجبات أخلاقية مباشرة فقط تخص العقلاء وبحسب ألتمان، فان هذا ليس مجرد تحيز غير مبرر من جانب كانت.

وترتكز نظرية كانط الانسانية على نظريته حول القيمة ورؤيته القائلة بأن العوامل العقلانية فقط هي التي لها قيمة أخلاقية (ص 33). كيف إذن نحسب المتطلبات الأخلاقية حتى لا تكون قاسية على الحيوانات؟ (وبحسب التمان) يجب فهمها كواجبات غير مباشرة وبوصفها واجباتنا في عدم إساءة معاملة الحيوانات فهي هنا متطلبات أخلاقية غير مباشرة تستند إلى واجباتنا تجاه أنفسنا (وخاصة واجبنا في تطوير شخصية فاضلة).

أن القسوة على الحيوانات كما يقول ألتمان "تقلل من حساسيتنا لمعاناة الآخرين (ص 17) وهذا لا يفسد شخصيتنا فحسب، بل ويجعلنا أكثر عرضة لسوء معاملة البشر (الصفحة 17)، وبالتالي نحن مدينون لأنفسنا وللبشر الآخرين بعدم القسوة على الحيوانات ويستشهد  بدليل تجريبي على الصلة بين القسوة على الحيوانات وإساءة معاملة البشر (الصفحة 38 ) ويناقش رواية كانت البشرية التي تحدد واجبنا بعدم دعم تجارب المصانع ومعارضة التجارب على الحيوانات بانه يجب أن يفهم على أنه واجبات غير مباشرة. واجباتنا في عدم إساءة معاملة الحيوانات هي متطلبات أخلاقية غير مباشرة تستند إلى واجباتنا تجاه أنفسنا (وخاصة واجبنا في تطوير شخصية فاضلة)

ولكن ماذا عن أولئك الذين ما زالوا يجهلون معاناة الحيوانات؟ فإذا اشتريت اللحوم المستزرعة في المصنع، فإنني أجهل معاناة الحيوانات التي تسببها المصانع، وحقيقة أن أفعالي تدعم هذه المعاناة لا تؤثر على شخصيتي أو معاملة الآخرين (انظر الصفحات 20-21)

ان "عدم وجود اهتمام بالحيوانات التي لا ندرك معاناتها قد يقودنا للتعامي فيما يتعلق بمعاناة البشر الذين لم يتم توجيه انتباهنا إلى محنتهم (ص 21) كما يشير التمان ويبدو انه يدرك أسباب الفشل في فهم ان القسوة على الحيوانات هو امر خاطئ.

ومع افتراض أن هناك علاقة سببية بين المعاملة القاسية للحيوانات ومواقفنا تجاه البشر أو علاجهم، فأن ذلك لا يبرر كون القسوة على الحيوانات سيئة وسيكون الأمر أشبه بالقول إنني يجب ألا أسيء معاملة أطفالي لأن ذلك يجعلني أكثر عرضة للقسوة على موظفي، يشير التمان ان معاناة الحيوانات هي السبب الرئيسي لرفض نظرية القيمة لمسالة زراعة المصانع.

الموضوع الثاني هو الزواج المثلي (الشاذ –المترجم -) وهنا يدافع ألتمان عن حجة كانت لزواج المثليين في الفصل السادس، ويبدأ التمان من ادعاء كانط بأن الجنس يمثل مشكلة أخلاقية متعلقة بان الرغبة في ممارسة الجنس هي في جوهرها رغبة في استخدام شخص ما كوسيلة ويناقش كانط، أن الزواج القانوني هو الحل الأخلاقي الوحيد المناسب لمشكلة الاستبدال.  هذا (على الأقل جزئيًا) لأنه في الزواج يصبح المرء ملزمًا قانونًا بتعزيز مصالح الزوج (ص 148). ثم يمضي إلى اقتراح أن منطق حجة كانط يتطلب تمديد حقوق الزواج للأزواج من نفس الجنس وإحدى المشكلات في هذه الاستراتيجية هي أن وجهة نظر "كانت" حول الجنس غير معقولة تماما، فمن المعقول الاعتقاد أن الجنس يمثل مشكلة أخلاقية عندما يعرض مواقف من القسوة أو عدم احترام الآخرين، ولكن من الصعب أن نكون مقتنعين بأن ممارسة الجنس خارج إطار الزواج تعامل الجنس الآخر على أنه مجرد وسيلة.

علاوة على ذلك، يبدو أن هناك استراتيجية غريبة لإيجاد حجة للزواج من نفس الجنس حول نظرية الحياة الجنسية التي تدين تعدد الزوجات، ناهيك عن الممارسات الجنسية الأخرى التي يدافع عنها الكثيرون في مجتمع المثليين، ويؤمن ألتمان بهذا الاعتراض (انظر الصفحة 159)، لكنه يبدو أنه يريد التمسك بفكرة أن الزواج فقط هو الذي يمكن أن يوفر السياق لنشاط جنسي مقبول أخلاقيا (ص 161). هذه الفكرة تحتاج بالتأكيد إلى دفاع أكثر مما توفره ألتمان هنا.

على الرغم من أن الجزأين الأولين من الكتاب يدافعان عن إجابات كانت عن الأسئلة الأخلاقية، إلا أنهما يكشفان أيضًا عن بعض التناقض حول النظرية الأخلاقية الكانتية والتمان في الجزء الأخير من الكتاب، يتحول إلى ناقد لكانط.

 وسأذكر واحدة فقط من هذه الحجج هنا، ففي الفصل التاسع يقول التمان ان الاخلاقيات الكانتية لا يمكن أن تحاسب المسؤولية الجماعية أو المؤسسية من الناحية الأخلاقية على أفعالها (على عكس الجهات الفاعلة الفردية)، وحجة التمان تبدو مقنعة للادعاء بأن الشركات والشركات الأخرى ليست عوامل أخلاقية، وإذا كنا نريد مع ذلك تحميل شركة ما مسؤولية أخلاقية عن إنتاج هذه النتائج السيئة، فنحن بحاجة إلى حساب مختلف لظروف المسؤولية الأخلاقية التي يتوجب ان يقدمها لنا كانط بهذا الخصوص .

 في قراءة الفصل، وجدت نفسي أتوصل إلى استنتاج مختلف نوعًا ما عما يريده التمان، فتعتبر النظرية الكانتية التي يناقشها التمان فكرة قوية تتحدث عن شروط المسؤولية الأخلاقية بذك النحو، ويبدو أنه يثير مشكلة خطيرة لفكرة مسؤولية الشركات.

ان (كتاب كانت والاخلاقيات التطبيقية) هي محاولة محفزة لتقييم أهمية النظرية الكانتية للمشاكل الأخلاقية المعاصرة وسيجد الفلاسفة الأخلاقيون الكانتيون أشياء مختلفة لا يتفقون معها، ولكن لا شك أن الكتاب يثير ألغازًا مهمة للنظرية الأخلاقية الكانتية، فأولئك الذين لم تستغلهم النظرية الكانتية قد يجدوا ذخيرة لاستخدامها ضد الكانتية، والذين يرغبون في الدفاع عن نظرية كانت قد يجدوا صياغة مفيدة لبعض التحديات الخطيرة لفلسفة كانط الأخلاقية

 

ترجمة: د. رحيم الشياع الساعدي – الجامعة المستنصرية

..............................

1- المقال من موقع - مراجعات كلية الآداب - جامعة نوتردام.

2- المقال هو استعراض لكتاب حول الاخلاق التطبيقية عند كانت

3- الاخلاق التطبيقية هي مفهوم علمي يتحدث عن تفرعات المسائل الأخلاقية او اخلاق المهنة بدلا من الحديث عن الأسس مثل الفضيلة والسعادة والخير والشر

 

في المثقف اليوم