أقلام فكرية

رحيم الساعدي: المجتمع المدني الفلسفي اليوناني بين الديني والعسكري

رحيم الساعديدعونا نفترض ان الفلسفة تمثل المجتمع المدني الحر الذي نشا في جبهتي مجتمع قتالي ودينيفالمجتمع الديني هو (النحل اليونانية والعبادات والأساطير اليونانية مع المدارس الدينية اوالإيديولوجية والتي كانت قبل بداية الفلسفة اليونانية رافق ذلك تزامن وجود المجتمع الحربيوالمجتمع العسكري اليوناني، وارى ان بزوغ الفلسفة انما يمثل ما يشبه المجتمع المدني معالتأكيد على ان الفلسفة أسست فيما بعد وقادت (عمليا ونظريا) الى خلق المجتمع المدني

واسجل هنا أسباب الافتراض الذي يحاول قراءة المجتمع والفلسفة اليونانية بشكل شامل:

1- أن المجتمع المدني جاء ليحد من تدخلات الدولة، ويشيع الحرية والمساواة والخير والحقوالعدل وهذا ما قامت بتأسيسه الفلسفة مع وجود الكثير من الصدامات مع فكر وقانون الدولةسواء مع الفلاسفة قبل سقراط انكساغوراس وانباذوقلس او مع سقراط او أفلاطون او مع التكيفالذي عمل به أرسطو مع الاسكندر . وأرسطو لم يميز بين الدولة والمجتمع المدني، فالدولة عندأرسطو بصفه خاصة والفلسفة السياسية اليونانية بصفه عامه يقصد بها مجتمع مدني يمثلتجمعا سياسيا أعضاؤه هم المواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها

2- المجتمع المدني اخذ بأعباء تثقيف المجتمع الذي عانى من فراغ فكري وثقافي بسبب الآلةالعسكرية الحربية للدولة اليونانية، وهذا ما فعلته السفسطائية التي لم تنظر للحرب بل توجهتالى سدت الفراغ الفكري الثقافي في المجتمع الناتج من الحرب فهي مدرسة ومؤسسة اجتماعيةفكرية .

3- ارتباط المجتمع المدني ببيئة إيجابية، تصاحبه ولا تنفصل عنه، مثل توفر مناخ الحريةالشخصية، المواطنة، حقوق الإنسان، الممارسات الديمقراطية، الحراك الشعبي السلمي، العلاقاتالاجتماعية الوطيدة، والمشاركة السياسية، والبعض من هذه المفاهيم مر عليها الفيلسوفاليوناني ووضح موقفه منها، سلبا او إيجابا. فقد دعا أرسطو إلى تكوين مجتمع سياسي تسودفيه حرية التعبير عن الرأي و يقوم بتشريع القوانين لحماية العدالة والمساواة، إلا أن المشاركة فيهذا المجتمع السياسي تقتصر على النخبة،  ويحرم منها ومن حق المواطنة العمال و الأجانب والنساء .وهذا هو الجانب السلبي في تصورات أرسطو المدنية.

4- شيشرون أراد العودة لروح الشعب وأساس المجتمع المدني سيكون عنده هو العدالة التييشكلها العقل الذي يُفهم بوصفه الصالح العام، وجميع تشكيلات الدولة الشرعية تتأسس على(العدالة) التي هي المبدأ الأول، لأن الفساد السياسي يعني زوال المجتمع المدني.

5- هناك تداخل في التنظير الفلسفي لكل من الدين والسياسة والجانب الاجتماعي المدني لدىالفلاسفة سيما أفلاطون وأرسطو . وأرسطو أكثر الفلاسفة الذين عايشوا هذه الثلاثية فقد كتب فيالسياسة والجوانب المدنية وكان مستشارا الى قائد عسكري كبير، أرسطو أعطى تمييزا بسيطاللمجتمع المدني خارج السلطة السياسية ولكن عدم التطور المادي للمجتمع المدني وجملةالتنظيرات الموجهة لفهم هذا المجتمع جعلت من عملية التمييز بين المؤسسات الاقتصادية أو القيمالأخرى عملية غير ممكنة .

6- في اليونانية استخدم مفهوم المجتمع المدني كمرادف للمجتمع الجيد أو الرشيد وسقراطيحمل هوية دينية بانتمائه الى معبد دلفاي ومقاتل ضمن المنظومة العسكرية ويؤكد على مفاهيمالعدالة والتسامح والتمدن في المجتمع كسلوك عملي وتنظير مجتمعي ومعرفي . وكل هذا هوتنظير يستند الى التسامح والعدالة والأخلاق والمعرفة مع انه ضمن دولة عسكرية او دينيةمستبدة وقد دفع حياته ثمن مبادئه .

7- أفلاطون عاش وسط مشاكل عديدة سياسية (هزيمة أثينا العسكرية، الاضطراب الاقتصادي، التأزم السياسي، الفساد الأخلاقي) ولم يفلسف الحياة الاجتماعية من دون ربطها بالدولة، ومدينة أفلاطون انما هو جامع بامتياز للجانب المدني والعسكري والديني كما ان ثقافة أفلاطونهي دينية.

8- ان المجتمع الغربي ظهر بصورته الأولى مرتبطا بنظرية العقد الاجتماعي التي أحدثتالقطيعة بين السياسي (السلطة) والكنيسة (الدين) اذا فالمجتمع المدني يتوسط السلطة العسكرية (الدولة) والدينية الكنيسة . وهكذا كانت الفلسفة اليونانية مع تكيفها فيما بعد لتأسس لأسسالدولة وفق فهم الفلاسفة . ولا يمكن قيام مجتمع مدني قوى في ظل دولة ضعيفة بل هما مكونانمتكاملان لهذا يعمد الفلاسفة الى بناء اسس عقلانية ونظام اجتماعي قوي من خلال بناء الدولة .

9- وفى القرن العشرين طرح جرامشى مسألة المجتمع المدنى فى اطار مفهوم جديد فكرتهالمركزية هى أن المجتمع المدنى ليس ساحة للتنافس الاقتصادي بل ساحة للتنافس الايديولوجىمنطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية . وقد يساعدني هذا المنحىفي تاكيد ما اردت من ثلاثية الدين والسلطة والمجتمع المدني عند اليونان.

 

أ. د. رحيم الساعدي

 

في المثقف اليوم