أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: أربعة أجوبة فلسفية لمعنى الحياة

هل هناك جواب نهائي للسؤال القديم عن معنى الحياة؟ سؤال لطالما طُرح على الفلاسفة ومعلمي الكهنة. ما معنى الحياة؟ هو سؤال هام. امتلاك معنى وغرض للحياة عادة تترتب عليه نتائج صحية وايجابية. وبالعكس عندما لا نمتلك معنى للحياة سنشعر بالفتور والخسران. فردريك نيتشة خشي من ان افتقار معنى للحياة قد يُغرق العالم في العدمية، وهو الأمر الذي سيكون كارثيا.

العديد من الفلاسفة اقترحوا أجوبة لذلك السؤال القديم، سننظر هنا في أربعة منها. القائمة ليست شاملة، لكن العديد من المفكرين من مختلف المدارس نظروا في المشكلة واقترحوا لها الحلول التالية.

1- الوجودية:

وهي اتجاه فلسفي يركز على اسئلة الوجود الانساني، أي، كيف تعيش حياة ذات معنى في وجه كون لا معنى له. العديد من المفكرين والكتاب ارتبطوا بحركة الوجودية بمن فيهم نيتشة وسيمون دي بينوفور وديستوفسكي. لكن أبرز الوجوديين في القرن العشرين كان جين بول سارتر.

في كتابه (الوجودية هي انسانوية) يضع سارتر اسس الفلسفة الوجودية. هو يوضح "الانسان قبل كل شيء يواجه ذاته، يرتفع في العالم – ويعرّف نفسه بعد ذلك". بكلمة اخرى، بالنسبة للانسان، الوجود يسبق الجوهر. الناس عليهم ان يقرروا ماذا يعني ان يكونوا اناسا  من خلال أفعالهم وبالتالي يعطون معنى لحياتهم. تلك الخيارات ايضا تعرّف الإنسانية ككل. وعلى هذا النحو، يجادل سارتر ان بعض الإختلافات في الأخلاق المطلقة – القاعدة الاخلاقية التي تقول انك يجب ان تتصرف بطريقة يستطيع منطقيا كل شخص آخر التصرف بها – هي جزء حيوي من اتخاذ القرار. اولئك الذين يخشون من ان يقوم  الوجوديون باختيار قيما تمزق المجتمع ربما ايضا يشعرون بالراحة في هذه المعرفة. بالنسبة لـ البير كامو، كان سيزيف بطلا عبثيا لأنه كان يستطيع التمرد ضد عبثية أعماله من خلال وضع قيمته الخاصة على ما يفعل.

2- العبثية  Absurdism:

هي فلسفة أوجدها صديق سارتر ومنافسه الفكري لاحقا البير كامو. انها ترتكز على فكرة ان الوجود هو عبثي أصلا ولا يمكن فهمه من خلال العقل. العبثية، فلسفة مرتبطة بالوجودية لكنها لا تعني ذات الشيء. يجادل كامو ان العبثية تبرز عندما يحاول الانسان ان يفرض نظاما ومعنى على عالم بطبيعته غير عقلاني وبلا معنى. غير ان لاعقلانية العالم وحتمية انقضاء حياتنا فيه دائما يأتيان مجتمعان للاستهزاء بأفضل محاولاتنا لإيجاد معنى. هذا هو الصراع الذي نواجهه.

يرى كامو ان الجواب يكمن في احتضان العبثية. هو يشير الى شخصية سيزيف في الميثولوجيا اليونانية الذي عاقبه زيوس بدفع الصخرة الى أعلى التل. سيزيف لم يتمكن من النجاح لأنه حالما يقترب من قمة التل تتدحرج الصخرة مرة اخرى نحو الأسفل. مهمته بالنهاية كانت بلا معنى ويجب تكرارها الى الأبد. رغم هذا، كامو يدعونا ان "نتصور سيزيف سعيدا".

مثلنا، هو يواجه موقفا عبثيا لا أمل فيه للهروب. كل النظام الذي يفرضه على العالم سوف يتدحرج بالنهاية مرة اخرى. غير ان كامو يخبرنا بان سيزيف يمكنه التمرد ضد عبثية الموقف عبر احتضان العبثية. هو يستطيع الزعم بقيمة حياته واحتضان العبثية في أعماله. عبر القيام بهذا، هو يجد معنى في السخافة – حتى لو ذهب عمله هباءً في النهاية. سيزيف هو بطل كامو العبثي.

3- الوجودية الدينية:

اذا كان الوجوديون الكبار ملحدين –  نيتشة دق ناقوس الخطر حول العدمية عندما صرح "بموت الاله" – فان مؤسس المدرسة الوجودية الدينية كان مفكرا دينيا متطرفا وهو سورن كيركيجارد. فيلسوف دانماركي عمل في النصف الاول من القرن التاسع عشر، هو حوّل تصرفاته الغاضبة الى فلسفة كبيرة. كان كيركيجارد مهتما بالحياة الحقيقية التي يعيشها المرء، وليس فقط في التفكير فيها. ولكن في كل حياة، سنصل الى نقطة يجف بها العقل. في هذه النقطة، يمكن للعاطفة مساعدتنا. كيركيجارد يجادل بان الايمان مطلوب اذا اردنا ان نجد المعنى الحقيقي. ذلك يتطلب "التحلّي بالايمان" leap of faith وهو يجد مثالا على الايمان هذا في احدى شخصيات الانجيل وهو ابراهيم. مثلما كان سيزيف مثالا لكامو، كذلك ابراهيم كان مثالا لكيركيجارد.

في كتابه (خوف وارتجاف)، يرى كيركيجارد ان ابراهيم عرف فورا ان التضحية بإسحق كانت جريمة، وان الله كان يجب ان يُطاع، وان اسحق سيظل حيا وبصحة جيدة. وبالتالي هو كوفئ بسبب ايمانه وذهابه طوعا لتنفيذ اوامر الله. ابراهيم احتضن العبثية من خلال الايمان. العقلانية كانت قليلة الفائدة له، لكن الايمان كان مفيدا. في كتابه (اما او)، يمتدح كيركيجارد ايضا دايوجينس كـ "فارس الايمان" الذي استحق لقبه من خلال النشاطات العادية المألوفة.

4- البوذية:

تجسيد لدين آخر يمكن العثور عليه في أعمال الفيلسوف الياباني كيجي نيشاتاني Keiji Nishitani. نيشاتاني درس الوجودية المبكرة تحت اشراف مارتن هايدجر الذي كان ذاته مفكرا وجوديا رئيسيا، لكنه قدّم اتجاها بوذيا للعديد من المشاكل التي يعالجها الوجوديون.

لاحظ نيشاتاني المشكلة الحديثة في العدمية في كل مكان وانها ارتبطت بإحكام بنزعة التكنلوجيا لتسمح لنا كي نصبح أكثر أنانية. وبينما نحن عادة نواجه "العدمية" أثناء أحداث الحياة الكبرى مثل موت محب، لكنها يمكن ان تبرز في أي وقت – لتجعل السؤال عن كيفية التعامل معها أكثر اهمية. هو يصف حياة الانسان حين تحدث في ثلاثة مجالات: الوعي، العدمية، الفراغ. نحن في أغلب الوقت نعيش في المجال الاول، حيث نحصل على أفكار مثل الثنائية او ان هناك ذات. غير انه، تقريبا كل شخص بالنهاية يواجه العدمية وعليه ان يواجه فكرة الموت، اللامعنى، والفراغ المتأصل في افكارنا. نيشاتاني يجادل اننا يجب ان نندفع نحو المجال الثالث. الفراغ يحيط بالاثنين الآخرين. انه يسمح للفرد بفهم الذات الحقيقية، وكيف تتجذر العدمية في الفراغ كوعي، وفي العلاقة المتبادلة بين جميع الكائنات. وعلى المستوى الأكثر عملية، هو يقترح تأملا بوذيا كأداة لفهم الفراغ المتأصل في الواقع. وبينما هذا قابل للتنفيذ، لكنه لم يعتقد به كعلاج لمواجهة مشاكل العدمية كما وُجدت في اليابان.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم