أقلام حرة

عاشوراء سلاح الثقافة والتخلف / مهدي الصافي

ويسكت معاناة المرضى والمحرومين منهم، يفعلون كل شيء من اجل رمق الحياة وسد أبواب العوز والفاقة، يقطعون ألاف الكيلومترات بغية كشف الضر عنهم وعن أبناءهم

ولكن من المستفيد من كل هذا؟

ليس الفقراء طبعا لأنهم وقود الأفكار المقدسة،  بغض النظر عن صحة قدسيتها، يمنع الناس من الاقتراب من حدودها أو التفكير في تطبيق برامجها وشعائرها المختلفة.

يدعي أصحاب المجالس الحسينية إنهم ساهموا في الحفاظ على وهج الثورة الحسينية  متقدا من خلال مجالسهم السنوية المكررة،  ولا يذكرون طلباتهم المادية المتزايدة التي تسبق شهر محرم بعدة اشهر،  وعجزهم عن الاهتمام بتفسير الآيات القرآنية،  والتكلم بسيرة الأنبياء وأهل البيت  العطرة عليهم السلام جميعا بشكل عقلاني،

لقد كانت اغلب المجالس الحسينية سببا رئيسيا في إثارة النزعات الطائفية، وإعادة تكريس الخلافات المذهبية القديمة وتضخيم موادها، مما يضطر بعض هؤلاء الروزخونيين إلى البحث عن عناصر جديدة لتصوير المأساة الحسينية، من خلال الكذب في سرد بعض القصص والأحاديث الخرافية الضالة وزجها بين العامة، لزيادة حماس الجماهير المتعطشة لندب حضها العاشر، تصور إن معاناة اي مواطن في العراق اليوم، تعود به إلى الضن إن الحل لن يأتي إلا بظهور صاحب الزمان عج، وكأن الخالق ليس عنده من هذا الكون إلا الشعب العراقي الخارق الخارج عن العادة البشرية الطبيعية!

حاولت بعض الحركات والأحزاب الإسلامية الشيعية استغلال تلك المناسبات لتعديل منهج وممارسة شعائر شهر محرم، وفعلا استطاعت أيام المعارضة في المهجر من إصلاح البعض منها، ولكن الديمقراطية ومقاعد البرلمان التي تحتاج إلى المواكب وجماهيريها، جعلتهم يتنازلون عن تلك الخطط والانصهار بالطريقة العشوائية، التي يتبعها بعض الدخلاء على تلك المناسبة التاريخية العظيمة.

عاشوراء شهر الثقافة والتخلف، لانه بالفعل يستحضر ويستذكر أهم الثورات الإنسانية الأخلاقية التي اندلعت في المنطقة الإسلامية، ولعل قائل يقول لولا حكم بنو أمية لما ظهرت فرق الخوارج قديما وحديثا (الإرهاب الحالي ومذاهب التكفير)، الثقافة الحسينية تحتاج إليها الجماهير لمراقبة الأداء السياسي للسلطات الحاكمة، ومحاسبتها على أي تقصير، ومن ثم استلهام الدروس والعبر الإسلامية لمواجهة المد الثقافي الغريب، والمحافظة على استقامة الأجيال القادمة

أما ظاهرة التخلف المتجددة في شهر محرم، تتم عن طريق تجهيل الأمة وشبابها البسيط، والتي تسببت بظهور عدة فرق تدعي الوصال بالحجة المنتظر عج، حيث قمعت بشدة من قبل الحكومة الديمقراطية وأودع البعض من أتباع تلك الفرق المنحرف السجون....

ادعى احد خطباء المنابر في احد المحافظات الجنوبية في محرم الفائت، إن السيدة الزهراء عليها السلام تدور في المجالس الحسينية تسجل أسماء الحاضرين، ولهذا يدعوهم لكثرة البكاء لزيادة حسناتهم، وأكثر الضن إن هذا الخطيب الشاب كان يستعيد ثقافة كتابة التقارير في عهد النظام البائد، مع العلم أن مجلس هذا الخطيب الشاب كانت تنزع وتفرغ المحافظة من أبنائها، جاعلة من بقية المجالس الهادئة فارغة تنتظر نهاية فترة قراءته حتى يتسنى لهم تنفس الصعداء

لقد كانت ولازالت المجالس الحسينية تفعل فعلين متضادين، الأول يخدم المنهج الإسلامي الصحيح، والأخر يخدم أغراض بعض المنتفعين ماديا من وراء تلك الشعائر، فقد كانت انتفاضة شيخ الإصلاح الشيعي الدكتور علي شريعتي وبعض زملائه لمحاربة الممارسات المخربة لمذهب التشيع الصفوي، ميداننا لمحاربة الأفكار والثقافات الطقسية المتخلفة، الباحثة عن أصول الدين المحمدي العلوي المقدس، على اعتبار إن إيران محطة انطلاق الثقافة الطقسية الهندية الفارسية القديمة العابرة للجزيرة العربية

ليس الوقت وقت استحضار الخلافات المذهبية التاريخية، بل وقت التحصين  والنهوض العلمي والثقافي لمنطقة الشرق الأوسط.

الإمام الحسين عليه السلام جسد المهمة الإلهية في عاشوراء بشكلها المقدس، كان قائدا لميدان معركة إصلاحية، الانتصار فيها للعقيدة والفكر والمنهج الإسلامي السليم، وليس للقوة والهمجية القبلية

دعوة لكل خطباء المجلس الحسيني، عليهم ترك المناحة والنعي الذي لايخدم الثورة الحسينية ولا ذكرى الأمام وأصحابه المستشهدين بين يديه، وكذلك الإكثار من تفسير الآيات القرآنية وشرح قصص الأنبياء، والانتباه إلى توعية الشباب وزيادة وعيه القرآني

 

مهدي الصافي   

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1600 الاربعاء 08 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم