أقلام حرة

الأزمة السياسية في العراق .. الخيارات المفتوحة / مهدي الصافي

وبما إن قضية الهاشمي هي بعيدة عن كونها أزمة أو مشكلة، لأنها مسألة قضائية بامتياز، وامتناع النائب عن الحضور، ليس له علاقة بطبيعة القضاء ونزاهته (لو كان بريئا لما هرب إلى شمال العراق، ثم أن القضاء يرده القانون-المحامين، إن لم تكن لديه أدلة قاطعة)،

ولاتوجد لها أية تصنيفات أو تسميات واقعية يمكن أن يستخدم لها، على إن موقف القائمة العراقية من هذه القضية، تعد أزمة حقيقية داخلية تخص أعضاءها وحدهم، غيرت تصريحاتهم وهجماتهم المتكررة ضد القضاء العراقي (الاتهام الجاهزة حول تسييس القضاء) من مصداقيتهم أمام ناخبيهم والكتل السياسية الأخرى.

التصريحات والاستفزازات الكردية الصادرة من بعض مسؤولي هذا الإقليم الحديث (الذي اعترف به شبه رسميا في الدورة الانتخابية الأولى، بعد كتابة الدستور، على انه إقليم يلحق قانونا بالسلطة الاتحادية المركزية أي لم يمضي عليه فعليا أكثر من ست سنوات، مع إن الاستفتاء لم يجري وفقا للدستور)، تعطي انطباعا واضحا حول فشل خطوة إنجاح هذا الإقليم، عبر السماح لهم بالمشاركة الواسعة والكبيرة في إدارة السلطة الاتحادية، وإعطائهم جملة من الامتيازات الخاصة، كالتنازلات التاريخية المقدمة لهم على طبق من ذهب (وبدون ضمانات متبادلة من قبلهم، كالتزاماتهم بالدستور واحترام الحكومة الاتحادية الممثلة تنفيذيا للسلطات التشريعية والقضائية الاتحادية)، منذ أن تولى السيد الطالباني رئاسة الجمهورية، إضافة إلى الوزارات والمواقع والمراتب العسكرية والدبلوماسية العليا (والموازنة الكبيرة الممنوحة لهم)، كلها لم تأتي بثمار الاندماج الوطني الفعلي بالعملية السياسية الجديدة، بل على العكس كانت مواقفهم متذبذبة وغير مفهومة،

 (وفيها قلة أدب أحيانا، وتجاوز غير مقبول تجاه الحكومة المركزية الاتحادية، سواء جاءت عن طريق تصريحات صغيرة أو كبيرة لبعض ممن يحسبون على حكومة الإقليم والتحالف الكردستاني)، كان الأجدر بهم أن يثمنوا عاليا هذه التنازلات، وان يعملوا بجدية مع الآخرين على إنجاح تجربتهم القلقة، وان تكون التزاماتهم السياسية واضحة، ومكشوفة للشركاء في العملية السياسية،

أما الاستمرار بنهج التجاهل والتجاوز للقرارات والقوانين القضائية التشريعية الاتحادية، فهي لن تخدم قضيتهم، ولن تكون في صالح أية أقلية تريد أن تسير نحو بر الأمان بسلام، هذه التصرفات المنطوية والمنضوية تحت عبارات وإشارات ملغومة (اسمها التفرد بالسلطة لرئيس الوزراء المنتخب، والممثل لأكبر مكون اجتماعي في العراق)، لن تزيد جماهيرينا إلا صلابة وقوة في مواقفها الوطنية ضد هكذا اختراقات خارجة على القانون،

لقد اثبت المكون العربي (الشيعي والسني) حرصه على إبقاء وحدة وسلامة الأراضي العراقية بعيدة عن المساومات الرخيصة، وكذلك اثبت الشعب الكردي المظلوم، بأنه جزء لايتجزء من هذا الوطن الكبير، ولاتهمه التصريحات الاستفزازية النفعية المتاجرة بقضيته (حاله حال بقية مكونات المجتمع )، التي حلها الدستور العراقي بكل شفافية،

وقد اعترف العديد من أبناء شعبنا الكردي، بأن القلب العربي العراقي كان أوسع وأكثر طيبة من بقية الدول المجاورة، التي لازالت تضطهد أبناء شعبها (من المكون الكردي وبقية الأقليات) .

الخيارات التي قد تواجه السياسيين المعنيين بحماية شعبهم ووطنهم، هي من خلال الإصرار على مواجهة كل التحديات الحالية والقادمة، بروح ومعنويات عالية، دون الالتفاتة إلى كل تلك المنغصات والانحرافات والمنزلقات البائسة، على الرغم من وجود التهديدات المتزايدة من قبل البعض، بإعادة الأمور إلى مربع الحرب والفتنة الطائفية، التي ما كان لها أن تستعر لولى تباطؤ قوات الاحتلال في تدريب القوات المسلحة العراقية وتجهيزها بالمعدات والأسلحة الضرورية (وهي متعمدة في ذلك)،

لان اللحمة الاجتماعية وصلة الرحم والقرابة والمصاهرة بين مختلف شرائح ومكونات وأطياف المجتمع، أقوى من كل تلك المحاولات الفاشلة (والتي قادها حزب البعث الفاشي المنحل وبقايا الرذيلة والفساد والخارجين عن الإسلام من تيار القاعدة الإرهابي)،

وليعلم الجميع إن إعادة الانتخابات (ورقة التلويح الجديدة) ، سوف تصب في صالح الأشخاص الوطنيين (بعد أن انهارت القائمة العراقية، وبانت مواقف الآخرين)، وسيكون أول الرابحين منها هو رئيس الوزراء الحالي، إذن ابحثوا عن أوراق جديدة تقنع ناخبيكم الضجرين من تصرفاتكم.

البعث لن يعود إلى الحكم،

والقرار السياسي في العراق قرار جماهيري رصين، يراجعه البرلمان والكتل السياسية الوطنية وفقا للنظم والمبادئ الديمقراطية،

وأموال الخليج العربي لن تبعد المكون العربي الشيعي عن الحكم مهما كان الثمن، أو تغيرت الظروف،

والمراهنين على أزمات عابرة سوف يخسرون كل المكاسب التي حصلوا عليها،

ولن يكون المكون العربي السني أو الكردي، بأقل وطنية من اقرأنه الآخرين،

لقد نعم الجميع بنعمة الحرية والخلاص من جمهورية الاستبداد، والرعب والخوف والهزيمة والانكسار،

صار المواطن حرا في أرضه، مكفولة حقوقه، ومحمية قناعاته وانتماءاته ومعتقداته،

وسترتفع سقف مطاليبه بالتدريج، حتى يكتمل البناء الديمقراطي الحضاري المتين، ليكون هو القيمة العليا في الدولة، كرامته من كرامتها، وهيبته من هيبتها،

لا رموز، ولا قيادات، ولا مسؤولين، فوق القانون والقضاء والمجتمع، الجميع متساوون بالحقوق والواجبات.

أما بخصوص الانسحابات المتكررة في البرلمان العراقي، فيمكن معالجة هذه المواقف المخجلة، بترشيح الأشخاص البدلاء ودون تأخير، من الذين جاءوا بعد هذه الأسماء (المنسحبة والتي تعتبر مستقيلة وبدون امتيازات) في القوائم الانتخابية، ويمكن أيضا معالجة انسحاب التحالف الكردستاني من البرلمان (أو عدم انصياع حكومة الإقليم للسلطة القضائية والحكومة الاتحادية)،

بترشيح شخصيات كردية معروفة بديلة عنهم، وكذلك اتخاذ إجراءات قانونية ودستورية وقضائية بحق أي مسؤول عراقي

 (عربي أو كردي، أو أي شخص أخر) يدلي بتصريحات خارقة للسيادة والوحدة الوطنية والسلم الأهلي، ومن ثم التوجه عند الضرورة نحو حكومة الأغلبية السياسية على الرغم من غياب بعض أعضاء البرلمان،

وكذلك يمكن أن يطلب من بقايا القائمة العراقية (قائمة السيد النجيفي والعراقية البيضاء) بترشيح شخصية عربية سنية لمنصب رئاسة الجمهورية

 (بعد إن يخاطب السيد الطالباني بهذا الأمر، الذي يبحث حاليا في حيثيات ونقاط وحوارات المؤتمر الوطني، حيث يمكن له إن يكون مفتاح لحل الأزمة، فقد استفاد المكون الكردي من الامتيازات الاتحادية وصارت قضيته معروفة دوليا)

 (يعني إذا صح إن احد مسؤولي الداخلية في إقليم كردستان أعلن صراحة بأنه ليس شرطيا عند المالكي، أو في الشرطة الاتحادية حتى يمكن له إن ينفيذ أمر وزارة الداخلية الاتحادية، فهذا الشخص يعتبر مخالفا للدستور والقضاء والقانون، يجب إن يحاكم على عبارته هذه، ويفصل من منصبه) .

سهل علينا أيها السادة إن يذهب أي مكون إلى فكرة تقسيم العراق، فالشيعة هم الرابحون من فكرة الدول الثلاث، وأول الخاسرين من هذه الخطوة المدمرة، هم العرب السنة والأكراد، إذن لماذا كل هذه المزايدات، واللعب فوق خطوط النار والحدود الملتهبة،

ولماذا هذا الاستخفاف بجماهيركم الراغبة للعيش الكريم تحت سماء العراق دون تمييز.

الحلول والخيارات ومفاتيح الحلول ليست في شمال العراق، إنما هي في العاصمة الاتحادية بغداد، ومن يتجرأ على مخالفة القانون، وتجاوز القضاء وسلطته، عليه أن يحصد مستقبلا مظلما، ولن يكون له مكاننا في العملية السياسية.

 

مهدي الصافي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1996 الاثنين 09 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم