أقلام حرة

العراق والعملية السياسية / حسن حاتم المذكور

ما نعلمه أن الأمر ملتبساً عليهم، لهذا ولد عنهم هامش الحريات الديمقراطية والحد المقبول من عدالة توزيع الثروات الوطنية استنساخاً مشوهاً لا يشبه ما هو متعارف عليه في التجارب العالمية .

في النظم البرلمانية لا يوجد بين الشركاء شئ اسمه الصراع، والذي يبلغ أحياناً مستوياته الدموية، هناك تعارض أو تباين في الأفكار ووجهات النظر والتصورات والبرامج داخل عمليه قاسمها المشترك خدمة الوطن والإنسان .

ما يحدث في العراق أمر أخر، فالصراعات أخذت أبعاداً مأساوية تجاوزت حدود منطقتها الخضراء لتصبح لعبة إقليمية وأحياناً دولية في غاية التعقيد والخطورة، فإلى جانب الصراعات الداخلية، هناك من جعل العراق ميداناً لصراعات خارجية لا ترحم، متقمصاً ادوار الدلالين والوكلاء ممتهناً وظيفة إضعافه وإذلاله مقابل مكاسب طائفة قوميه واغلب الأحيان شخصية عشائرية وحزبية ضيقة، لينتهي به فريسة على طاولة أطماع أنظمة الجوار .

هل حقاً أن بعض الزمر والأفراد التي أشبعت الوطن ترخيصاً وبيعاً والمواطن موتاً ومعاناة، تمثل شرائح ومكونات عراقية ...؟

على هذا السؤال أجاب الدكتور مؤيد عبد الستار في مقالة له بتاريخ 8\1\2012 تحت عنوان " السنه في العراق اكبر من القائمة العراقية " أشار فيها إلى أن بعض الزمر الفاسدة أو المتهمة، إذا ما ثبت عليها ارتكاب جرائم قتل أو فساد فلا يمثلون في هذه الحالة أي شريحة أو مكون مهما ادعوا، فالشرائح والمكونات التي يتشكل منها المجتمع العراقي، هي اكبر من أن يدعي الانتماء إليها أو يمثلها فاسد، - هذا ما فهمته ضمناً وأرجو أن لا أكون مخطئاً - .

أشارة في غاية الأهمية وضعتنا أمام سؤال أخر .

أين ينبغي أن يقف من يحب شعبه ووطنه ويحترم انتماءه ويقدس هويته من كل هذا الذي يحدث ويتكرر مأساة على مسرح العملية السياسية ... هل أن نقطة الحياد بين العراق والتدخلات المدمرة لأنظمة الجوار، أو بين نهج الإصلاح والبناء وعقائد الهدم والخراب وكذلك بين لإرهاب وضحاياه، تشرف من يقف عندها متفرجاً سلبياً ...؟

على هذا السؤال أجاب الكاتب القدير الدكتور عبد الخالق حسين في مقالته بتاريخ 26\12\20011 تحت عنوان "هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه" حيث أشار إلى جملة حقائق ووقائع معززة بالموضوعية الدالة، أن الحياد بين العراق وقوى الإرهاب والردة، لا يدل على موقف سوي بقدر ما هو عوق نفسي وأخلاقي وسياسي واجتماعي، انه حالة ترقب سلبي شاذة بين وطن مظلوم مفروضاً أن يكون الولاء إليه أصيلاً، وبين قوى شريرة معتدية تتدخل في شؤونه تنكيلاً بشعاً، ومثل هذا المستحيل لا يمارسه إلا من كان معطوباً تالفاً من داخله .

هذا أيضاً ما يعنيه الدكتور عبد الخالق حسين، إني هنا استعين بثقتي ومعرفتي بمواقفه الوطنية .

أسئلة كثيرة تنتظر الإجابات السليمة من اجل تقويم الحالة العراقية وردم الهوة المخيفة التي تفصل بين العراق والعملية السياسية .

نحن هنا ليس بصدد المصالحة أو التوافق بين الوطن والعملية السياسية، هكذا أمر ليس وارداً، إننا بصدد إصلاح وترشيد العملية السياسية وتحجيم أضرار سلبياتها لتصبح جديرة بوطن مثل العراق له ما يميزه تاريخياً وحضارياً وجغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، عملية سياسية تعالج أمرها من داخلها عبر النقد والمصارحة ورغبة إصلاح ترافقها عملية استئصال جريئة لما تعلق بها من الأدواء القاتلة التي تسربت إليها من مستنقع الأوبئة الموروثة من مراحل التسلط البعثي .

أن عودة العملية السياسية إلى دائرة المصالح العليا للشعب والوطن، هي في الأساس مهمة القوى الخيرة من داخل المجتمع العراقي، وكذلك المخلصين من داخل العملية السياسية ذاتها، الأمر في هذه الحالة يتطلب صبر ووضوح رؤيا وثقة عالية بالنفس، وفوق ذلك كله، أمل كبير في المستقبل العراقي .

في اعتقادنا أن الشرائح والمكونات العراقية ومثلما هي اكبر من الزمر والأفراد وكذلك العشائر والأحزاب، ومنها يتكون المجتمع العراقي، فالوطن ممثلاً للأرض والإنسان يبقى هو الأكبر، وهوية الانتماء والولاء التي تلتقي عندها جميع الشرائح والمكونات .

أن الولاء للعراق، لا يتعارض والانتماءات الفرعية والروابط الاجتماعية الأخرى، بل يعززها كمنطلقات حضارية، فالعراق يعتز بمكوناته’ قوميات كانت أم طوائف ومذاهب ومعتقدات، لكن ما يخشاه أن تصل حالات التطرف عند البعض إلى مخاطر الطائفية والعنصرية والعشائرية والحزبية الضيقة، وتنتهي بهم سادية الكراهية والأحقاد وشهوة الثأر والانتقام حد مواجهة الوطن وخيانته والاشتراك طرفاً بالعمليات الإرهابية وتسهيل الاختراقات الإقليمية سمسرة على حساب السيادة الوطنية وكرامة المجتمع والدولة، إنهم أسرى منافعهم ومصالحهم العائلية والعشائرية والفئوية، وهم في الواقع غير مخلصين حتى في ولائهم للشرائح والمكونات التي يدعون الانتماء إليها وتمثيلها، مثل هؤلاء الذين يتكررون فضائح إرهاب وفساد ’ حالهم حال الذي يطعم كلبه من لحم أمه، هكذا يتعاملون مع العراق، معذرة قد يكون الوصف بشعاً ’ لكن الموصوف أكثر بشاعة، وهنا يجب عدم الثقة بمثل هولا ء والتعامل معهم، بعكسه يجب تصفيرهم رحمة بعافية العراق وهيبته .

 

14 / 01 / 2012

 

 

 

 

في المثقف اليوم