أقلام حرة

مجلس شؤون المصفحات / حسن حاتم المذكور

على صرف (50) مليون دولار لشراء (350) سيارة مصفحة لحضرتهم وحضرات عوائلهم، لم تكن تلك الإساءة هي الأولى التي يتم فيها تسفيه ثقة وأصوات ملايين الناخبين، كما أنها لن تكون الأخيرة في مسلسل الإسقاطات .

بين المسؤول المصفح وغير المصفح فاصل اجتماعي وأخلاقي تحدد إبعاده قيم النزاهة والكفاءة وصدق الانتماء . المقارنة بين مصفحينا من داخل مجلس نوابنا ولا مصفحي مجالس نواب العالم، كالمقارنة بين المعقول واللامعقول .

رئيسة مجلس نواب ألمانيا الاتحادية السيدة ـــ ريتا سيسموث ــ، بعد عطل سيارتها الشخصية استعانت بسائق سيارتها الحكومية لجلب أولادها من المدرسة، وهذا الأمر كلف الدولة (50) يورو تقريباً إضافة لكونه مخالفة قانونية أثيرت داخل مجلس النواب الألماني مما اضطر السيدة الناب إلى الاعتذار وتقديم الاستقالة ... النائب عن كتلة حزب الخضر الألماني، كان وعائلته يسكن شقة متواضعة استورثها عن جدته، وبعد أربعة سنوات من عمله داخل البرلمان، لا زال والعائلة يسكنون ذات الشقة، نائب في البرلمان السويدي، وعندما أحيل إلى التقاعد، أضيفت إلى خدمته أربعة سنوات عمل داخل مجلس النواب، حدثني صديق كان ضمن وفد تجاري زار الصين، وكانا على موعد مع وزير التجارة، فجاء مسرعاً على دراجة هوائية (بايسكل)، جميع هؤلاء كانوا جزء من تقاليد موظفين في حكومات غير مصفحة .

لم تفتقر التقاليد العراقية إلى نماذج رائدة في النزاهة والكفاءة والتواضع، ففي العهد الملكي، أراد الملك غازي شراء سيارة وقدم طلباً أصولياً إلى وزير المالية السيد حسقيل، فرفض الطلب لأن ظروف الخزينة لا تسمح، في العهد الجمهوري، كان الوزير الدكتور فيصل السامر والوزير الدكتور إبراهيم كبه والوزيرة الكتورة نزيهة الدليمي وكذلك العالم رئيس جامعة بغداد عبد الجبار عبد اللـه، عاشوا على رواتبهم المتواضعة وعندما غادروا الوظيفة، لم يطرأ ثمة تغيير ملحوظ على وضعهم الاجتماعي أكثر مما كانوا عليه قبل الوظيفة،، كانوا ضمن حكومة يرأسها الشهيد عبد الكريم قاسم المثل الأعلى في النزاهة والكفاءة والتواضع ونكران الذات، كان زمناً فيه المسؤول الحكومي غير مصفـح .

العراق يمر الآن بمرحلة المسؤول المصفـح، اغلب مسؤولية مصابين بفقر النزاهة والكفاءة والمصداقية،، يقال إن هناك 3 % في مجلس نوابنا غير مصفحين، لكننا لم نصادف حقيقة هذا القليل مع إننا لا نشك بوجوده ـــ إذا خليت قلبت ــ لكن " الحشر مع الناس عيد " .

إذا كان الأمر هكذا داخل السلطة التشريعية، فكيف سيكون على أصعدة الرئاسات والوزارات والمدراء العامون ... ؟؟؟، إننا امـة مكبوسة داخل دولة مصفحـة .

المسؤول العراقي ونائب البرلمان بشكل خاص، يعيش الآن ازدواجية مركبة لا يمكن له الخلاص منها دون ثمن ــ وقد يكون باهظاً ــ انه على قناعة بسقوط دوره في أعين ناخبيه، وان الثقة والأصوات التي حصل عليها في لعبة الاستغفال سوف لن يحضى بها ثانية، وان العرف الانتخابي القائم سيتغير، والأجواء المشوهة ستصل نهايتها عاجلاً، في هذه الحالة سيشعر انه مطارد، وسيلجأ إلى سلوك (يا مغرب خرب)، فأغلب أعضاء مجلس النواب ملونين الشخصية، فأمام الأعلام يفتعلون الإخلاص والنزاهة والتواضع ومخافة اللـه، إما داخل كواليس الصفقات والوساطات والعقود ـــ وحاشا (الكاولية) إن يتبرءوا عن إجماع لهم في اليوم التالي ـــ، فأعضاء مجلس نوابنا هم في حالة قلق وتوتر وخوف من مستقبل قادم ستفتح فيه جميع الملفات صغيرها وكبيرها، وان رياح الوقت تجري بما لا تشتهي أشرعتهم، وعليهم إن يدفعوا ضريبة أخلاقياتهم وسلوكياتهم فوق المصفحـة

ليس للعراق مخرجاً من مأزقه مع مسؤوليه سوى الصبر عليهم حتى موعد تغييرهم عند أبواب صناديق الاقتراع للانتخابات القادمة، فلا يمكن للتغيير إن يكون جدياً ناجزاً إن لم يبدأ من السلطة التشريعية، وهذا العلاج الناجح، جربته وسارت عليه جميع الدول التي تحترم شعوبها .

هـل هـذا ممكنـاً ... ؟؟؟

بالتأكيد، فالعراق ورغم عنف من امتلكوه وسحقوه وأذلوه ورخصوه، لكنهم لم يستطيعوا تجفيف شرايين المستقبل وتواصل تدفق الخيرين والمخلصين الذين لا يؤمنوا بغير العراق وطناً، وبئس للذين لا يتعضوا ولا يدركوا الواقع العراقي الراهن، حيث من الخرافة والوهم محاولة تكرار ماض استهلكته المراحل، ورغم كل العوائق والصعوبات، فالعراق على سكته وسيصل مستقبله عاجلاً بعد إن يرمي في طريقه القوى والكيانات والعناصر المصفحــة

07 / 03 / 2012  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2052 الاربعاء 07 / 03 / 2012)

 

في المثقف اليوم